في حوار مع المخرج محمد الهوري.. الفيلم القصير على وجه الخصوص يعبر عن الإنسان من الناحية الفلسفية و الوجودية الفيلم القصير يعد حقل تجارب للمخرج

مخرج متألق يخطو
بخطوات ثابتة نحو ترسيخ بصمته في المشهد الفني المغربي.

بالرغم من أعماله التي تعد على أطراف الأصابع، إلا أن هاته الأخيرة تحصد جوائز وإشادة مهمة في عدة مهرجانات وطنية.
فنان له رؤية فلسفية للحياة، بحكم طبيعة شخصيته التي صقلها بدراسته الأكاديمية في العلوم الإنسانية. رؤية يحاول إظهارها في أفلامه.
حول موضوع الجوائز التي نالها فيلمه القصير الأخير “على حافة البحر”, وحول رأيه بخصوص ما يقع في العالم، كان لجريدتنا لقاء جديد، مع المخرج محمد الهوري.

– فيلمك الأخير “على حافة البحر”, حصد عدة جوائز في عدة مهرجانات. ماذا يمكن قوله في هذا الصدد؟ وما هو شعورك وعملك الفني يتلقى إشادات؟

– من الأكيد أن اول شعور، هو الاعتزاز، لأن الفنان عندما يقدم عملا، اشتغل عليه وأخرجه للوجود، وهذا العمل يلقى مكانه داخل المهرجانات، فأكيد سيكون هناك إحساس بالفخر، فضلا عن ذلك هناك شعور بالمسؤولية أيضا.

– هل كان هذا النجاح الذي حقق متوقعا؟

– أبدا، وصراحة في كل مرة أعمل، لا أتنبأ له بأي جائزة بل بالعكس، في كل مرة أصدر عملا احس وكأنه الأول الذي أنجزه، لأنني في قرارة نفسي انطلق من كوني أقوم بتجارب فنية، وكما قد يلاحظ البعض، فأعمالي لا تتشابه، فأنا لست من المخرجين الذين يمكن التعرف عليه تلقائيا بواسطة عمله لأنني أحب أن أخوض في عدة مواضيع اجتماعية التي لها عَلاقة بالإنسان ووجوده، وكيف يعيش في المجتمع, آلامه و فرحه.

– بمعنى تتناول مواضيع أفلامك من الناحية الفلسفية؟

– فعلًا، فالفلسفة هي الحياة بالنسبة لي، والفيلم القصير على وجه الخصوص يعبر عن الإنسان من الناحية الفلسفية، ومن الناحية الوجودية على وجه التحديد.
الفيلم القصير يعد حقل تجارب للمخرج، من وجهة نظري. و أنا شخصيا أتناول عدة تيمات، أكيد هي تيمات لها عَلاقة بالدراما، والحياة بطبيعتها درامية، بها فرح و قرح لذا، فأنا كما قلت، عندما أنجز أعمالي الفنية، أتناول عدة مواضيع، لكي من جهة اكتشف نفسي، وارى إن كنت فعلا تمكنت من إيصال الرسالة التي أسعى إليها للجمهور.
من هذا المنطلق، فعندما يتفاعل المتفرج مع الفيلم و يتلقى الرسالة، فتلك هي الجائزة الفعلية بالنسبة لي.

–  للتذكير، ما هي هاته المهرجانات التي تم تتويج اعمالك اثناءها؟

– مهرجان “طنجة زوم”, التي حصلت فيها على جائزة أحسن تشخيص رجالي التي أخذها الفنان رشيد العماري.
والمهرجان الدولي لسينما الهجرة بوجدة، بما أن تيمة الفيلم كانت حول الهجرة، وحصل على الجائزة الثانية للإخراج، من ضمن أفلام عالمية و دولية، فالجائزة الأولى حصلت عليها مخرجة عراقية، و الجائزة الثالثة كانت من نصيب مخرج إيراني.
ثم مهرجان الفيلم الدُّوَليّ القصير بطنجة، وحصل فيلمي على جائزة السيناريو، وهذا دليل على أن الفيلم وصل إلى الجمهور، لأنه حصل على جوائز مختلفة، في الإخراج والسيناريو والتشخيص، فضلا عن التنويهات. مثلا أخر تنويه كان من طرف جمعية الأندية السينمائية بسيدي قاسم، وتنويه أخر بمدينة فاس، من طرف لجنة التحكيم.

– نحن في بداية سنة جديدة، والعالم عرف خلال سنة 2023 عدة تغيرات وعدة مآسي. فما رأيك في ما جرى على الصعيد الوطني و العالمي؟

– حقيقة، هاته السنة كانت سنة مأساوية بامتياز، فبعد كورونا انغلق كل العالم على نفسه، ثم أن الفنان، خاصة، يرفض أن يتم الإغلاق عليه و يعدّ ذلك سجنا، ليس جسديا، بل نفسيا وروحيا.
إذ إن المبدع يكون دائما في أمسِ الحاجة أن يعبر عن نفسه بالإمكانات الفنية التي وهبه له الله، ولذلك فإن في مدّة الحجر الصحي، الكل وضع امله في فترة ما بعد كورونا، ف2020, كانت نوعا ما رحلة كورونا، ما بين 2021, 2022, تميزت بالإحساس بالانفراج والعودة إلى الحياة الطبيعية شيئا ما.
سنة 2023, تفاجئنا جميعنا بأن بدايتها، عكس توقعاتنا، بدأت أيامها بحرب أوكرانيا وروسيا، التي كانت ستتوسع لتصبح عالمية، لولا لطف الله وتدخل بعض الدول لألا يتأزم الوضع، ولكن مع ذلك توثرات الحرب ظهرت بشكل آخر.
و نتجت عنها أزمة عالمية رمت بثقلها على الاقتصاد الكوني، و بعدها على المجالات لاجتماعية والثقافية..وأصابت جيوب المواطنين وأنشطتهم الحيوية.
في المجال الثقافي، تعذر خروج عدة إبداعات للنور. لان الميزانية المخصصة لم تكن تسمح بذلك.
عندما بدأت الأوضاع المادية تتحسن، ضرب الزلزال المغرب وهاته كانت ضربة قوية للمغاربة، والمشكلة أنه أصاب منطقة حساسة جدا في المملكة، وكأنها رسالة ربانية تنبهنا بضرورة تسليط الضوء على هاته المنطقة، هناك قرى انمحت جميعها ثم أن العديد من المواطنين فقدوا عائلاتهم، ومع كل هذا تميزت هاته الحقبة الصعبة بكونها أبرزت نقطة ضوء، تمثلت في ذلك التلاحم والتضامن اللذان أبان عنهما المغاربة،وتضامن عفوي جعل العالم يتحدث عنه ويضرب به المثل.
الزلزال، كبح أيضا المجال الفني والثقافي، إذ تم تأجيل عدة تظاهرات وذلك احتراما لأرواح الذين رحلوا و أيضا تضامنا مع الضحايا.
استأنفت المهرجانات فعالياتها، وهذه الفترة هي للمناسبة، التي تمكنت خلالها من المشاركة بأعمالي في التظاهرات والحصول على الجوائز.
لم يتوقف الأمر بالنسبة للمغاربة عند حدود الزلزال، فقد تفاعل المغاربة كما العديد من دول العالم مع أحداث غزة، وحقيقة لا أجد الكلمات لأعبر عما احس به، لآنه شعور عميق والم ما يجري هناك لم يعد يخص فقط الدول العربية والإسلامية، ولكن يهم كل العالم، لأن طبيعة ما يقع هناك أصبح قضية إنسانية بامتياز ويتعلق بالمساس بالحق في الحياة و المساس بكرامة الإنسان، لأنها حرب غير متوازنة.
كفنان، أتألم بصمت، فأنا بطبعي لا احب الصراخ، ولا اعتبره ، أصلا، نوعا من التعبير.
وافضل التعبير عن المأساة والألم باستعراض الصورة، لأنني أدرك بأن الصراخ لا يحل المشاكل.

– ما هو جديد محمد الهوري؟

– حاليا، منعكف على تتبع تكوين حول صناعة الأفلام الوثائقية بكلية ابن طفيل بالقنيطرة، لاتني بطبيعة شخصيتي، لا أكف ولا أمل من البحث عن ذاتي، بحث عنها أولا في الافلام القصيرة التي قمت بانجازها، والان احببت ان أخوض تجربة الافلام الوثائقية لأن هاته الأخيرة تمكننا من تصوير الواقع، بينما الافلام الروائية أو الطويلة فهي خيالية تصور الواقع عن طريق التزييف، و تصور الواقع بمساحيق، بيد أن الافلام الوثائقية تصور الافلام من خلال واقعها من خلال الحالة الاجتماعية التي تعيشها الشخصية . وعندما حضرت مهرجان طنجة لسنة 2022, اثارني هذا الجانب في الافلام الوثائقية لأنها تتميز بآليات تعبير خاصة بها اثارت اهتمامي.
وفي هذا الاطار، رغبت أن اركب التحدي وصممت على متابعة تكوين في صناعة الأفلام الوثائقية لكي اتمكن من الخوض فيها، وبالفعل انا حاليا أقوم بكتابة سيناريو فيلم وثائقي. علاوة على ذلك فقد قررت ان اقتحم عالم التلفزة، و افكر في برنامج أسري اجتماعي اوظف فيه دراستي في مجالي فن الطبخ و علم الاجتماع ، و مشروعي هذا في طور الاعداد، و سأصرح بتفاصيله لاحقا، عندما يكتمل.
من جهة أخرى ، فأنا لازلت اعد فيلمي الطويل الذي سبق وتحدث عنه اثناء حوار سابق مع منبركم. ويتعلق الأمر بفيلم ” لحظة اختيار”, والذي للتذكير يحمل عنوان اول فيلم قصير قمت بانجازه، ولم يأخذ حينها الاهتمام الذي كنت اصبو اليه داخل المشهد الفني، والذي يخص موضوعه بشكل خاص، لذا ارتايت الانصباب عليه وتقديمه في قالب فيلم طويل.
وتيمة الفيلم تدور حول علاقة الأبناء الشباب بابائهم كيف ينظر كل واحد منهم للآخر وذلك الصراع بين الاجيال، وهو موضوع صالح في جميع الأزمنة .
القصة تتحدث عن مجموعة من اصدقاء الكلية، كل واحد منهم له رؤية خاصة بالعالم ، ومعلوم أن صقل الشخصية تتم في ردهات هذا الفضاء إذ تتلاقى مختلف الشرائح الاجتماعية وحاملي مختلف الايديولوجيات فهذا الفضاء يعكس شريحة من المجتمع تصدق عليها الدراسات الميدانية. بحيث تنبث داخله النقاشات والاصطدامات الفكرية التي تمكن الشاب من تكوين فكرته الشخصية مختلفة عن تلك التي نشأ وترعرع عليها.


بتاريخ : 29/01/2024