اعتبر المخرج الفرنسي من أصل جزائري مهدي بنعلال ، أن المهرجانات ليست نافعة فحسب، بل هي أكثر من ذلك، ضرورية جدا، ومرد ذلك إلى أنها وسيلة للتعريف بالأفلام التي لا يتم عرضها على الشاشة الكبيرة، وأيضا تلك التي تعرض بطريقة سرية. تعرف بها المهرجانات وتتكفل بإخراجها من حيز النسيان. وأرى أنه في مواجهة الإنتاجات السينمائية التي تغرقنا بها وسائل الإنتاج الضخمة الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية، فإن أي وسيلة أو محفل للنهوض بالسينما الوطنية والسينما المستقلة والترويج لها والتعريف بها مسألة بالغة الأهمية، وينبغي التأكيد على دورها.
و في سؤال حول المعنى الذي يمنح لمصطلح ومفهوم السينما المستقلة؟ و ما تحقق من هذه الإستقلالية؟، أوضح بنعلال، أن لديه القناعة أن أي سينمائي جدير بهذا الاسم، عليه أن يضمن استقلاليته، ويسعى في الحفاظ عليها،ويتحقق ذلك بدءا من نقد الأشكال التقليدية المتعارف عليها واتخاذ مسافة نقدية من الإيديولوجيات السائدة التي تفرض منطقها داخل الإنتاجات الضخمة.
و يرى أن السينما المستقلة الجديرة بهذا النعت هي أولا سينما يبدعها مجموعة من أشخاص يفكرون ويتحرزون ولا ينساقون، بل يصارعون، بل وحتى ضد أنفسهم، بعيدا عن الاستسهال والانسياق للرائج والسائد.
و في رده عن الكيفية التي تواجه بها أفلامه مسألة الجمهورالسينمائي خاصة و أن الجمهور غير متجانس إعتبر المخرج مهدي بنعلال أنه يجد نفسه مشاهدا طوال الوقت، قبل أن يكون سينمائيا، ولا يتخلى قط عن هذا التصور؛ ذلك أن هذه الرؤية في نظره هي التي تمكن من استحضار مسألة «الجمهور» في مختلف الأعمال التي يبدعها هذا المخرج أو ذاك. بعبارة أخرى: أن نصبح أول ناقد لعملنا نفسه، وأن نتحرى الصرامة مع عملنا وألا نستنيم للسهولة.
و عن المكانة التي تحتلها تركة ناقد ومفكر كإيريك هومر في عملك السينمائي كمخرج شاب، وما هي الأبعاد التي تتخذها في أعمالك؟ أجاب مهدي بنعلال، أن هناك أولا وقبل كل شيء العلاقة المرهفة المتفردة التي يقيمها مع الأمكنة، فهذا الجانب استثارني وأثر في كثيرا، لا شك في ذلك؛ ولا أنسى أيضا ميله إلى الحوادث الطارئة المفاجئة والمصادفات والأسرار. يمكن القول إن هذا السينمائي ساهم بحد كبير في تحديث السينما دون أن يتخلى عن البساطة في المعالجة الفنية، مع حرص واضح على أن يظل قريبا كل القرب من الشخصيات، وأحسب أن كل فيلم من أفلامه درس سينما مكتمل الجوانب، وهو أيضا درس في علم النفس، وسبر البواطن النفسية واستغوار الشخصيات.
إن العودة إلى إيريك هومر اليوم، وخاصة في المغرب، مسألة بالغة الأهمية، ذلك أن إعادة ابتداع السينما ورسم حدود جديدة لها يتم حتما على هامش السينما المهيمنة،والحال أن سينمائيا مثل إيريك هومر، على غرار كل رفاقه وزملائه في الموجة الجديدة، أتى من هوامش السينما الفرنسية في سنوات الخمسينات والستينات، لقد ابتدأ مساره الفني الحافل كاتبا قصصيا (قصص قصيرة وروايات)، قبل أن يجتذبه حب السينما ويختار العمل السينمائي، عن طريق الكتابة النقدية السينمائية، ولكن أيضا من خلال تنشيط النوادي السينمائية، وبعد ذلك من موقع الإشراف على المجلة الشهيرة دفاتر السينما. وجدير بالذكر أن أفلامه الأولى قد قام بإخراجها بحجم 16 ملم، وبوسائل وإمكانيات محدودة وضعيفة جدا، وبفضل مساعدة أصدقائه. ولنتذكر أيضا أن فيلمه الأول بعنوان إشارة الأسد مثل فشلا ذريعا. وهنا يتعين الإشادة بوفاء هذا السينمائي لخياراته وإصراره على المضي قدما وعدم تخليه عما تقصده، لهذا رأيناه بكل صبر ومواظبة يسعى إلى ابتداع سبل ووسائل كي ينجح في إنتاج أعمال فنية ذات قيمة كبرى. ويكمن السر في نجاحه ذاك، أولا وقبل كل شيء، في كونه جعل الأولوية للفن السينمائي في حد ذاته، قبل كل الاعتبارات الأخرى، يحدوه شغف وصبر وإصرار، يعزز كل ذلك روح نقدية قوية نافذة، والنتيجة هي ما نراه، إبداع أفلام تعبر الزمن وتتحدى الحدود، دون الإذعان للمواضعات السائدة والموضة الرائجة وإملاءاتها.
باختصار، إن السينما مدينة وستظل كذلك بالكثير لأشخاص ملتزمين بصدق ووفاء من عيار إيريك هومر. وأستشعر سعادة كبرى وأنا أرى مهرجان تطوان لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط يفرد به هذا التكريم في دورته التاسعة والعشرين،وأتمنى أن تحذو مهرجانات أخرى في بلدان أخرى من المغرب العربي وغيره حذو تطوان والمغرب في هذه المبادرة الهامة.