في حوار مع خالد الوالي العلمي، أستاذ علم الإجرام والقانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس : التدخلات الاستباقية للمصالح الأمنية تجنّب المغرب والمغاربة مخاطر المخططات الإرهابية الدموية

تواصل المصالح الأمنية في بلادنا حربها ضد الإرهاب متحلية باليقظة في تتبع خطوات كل مؤشر قد يكون له صلة بهذا الموضوع حتى يتم وضع اليد على كل من يشكلون تهديدا لأمن وسكينة المجتمع والمواطنين.
في هذا الإطار تم خلال الآونة الأخيرة تسجيل عدد من التدخلات النوعية التي مكنت من إحباط مخططات دموية، التي جعلت «الاتحاد الاشتراكي» تلتقي بخالد الوالي العلمي، أستاذ علم الإجرام والقانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، ومدير مؤسسة سجنية سابق، وإطار مراقب عام للسجون، وخبير في السياسات الأمنية و قضايا الإرهاب، للحديث عن أبرز تحديات الإرهاب و الاستراتيجيات الفعالة لمكافحته.

 

– تابع الرأي العام الوطني وحتى الدولي تفاصيل تفكيك عدد من الخلايا، ما هو تعليقكم على هذا الأمر؟

– شهدت بلادنا منذ بداية السنة وقبل أسابيع كذلك أربعة مشاريع إرهابية، جربت فيها قوى التطرف والظلام عدة طرق وأساليب إرهابية مختلفة تستهدف بواعثها وأهدافها المس بأمن وباستقرار المملكة المغربية وتعريض سلامة الأشخاص والممتلكات للخطر، عن طريق التخويف والترهيب والعنف، حيث انتقلت بداية من تبني المشاريع الإرهابية الجماعية، إلى اعتماد مشاريع «الذئاب المنفردة « التي تتبني المشروع الإرهابي الفردي، ثم توجهت نحو الاستقطاب العائلي، ثم إلى اعتماد مشروع إرهابي جماعي وموسع متكون من 12 فردا بايعوا تنظيم داعش الإرهابي في الساحل والصحراء، الذي يتنكر للآخر ويتغذى على مشاعر الحقد والكراهية ويتخذ من الصراعات المذهبية والإثنية والإيديولوجية إطارا مرجعيا وبيئة مثالية حاضنة له وحالمة لزعزعة استقرار المملكة المغربية،
وتتجسد الوقائع ابتداء من توقيف شخص يتبني الفكر المشدد والمتطرف لتنظيم داعش بمدينة تاوريرت، وقبلها أجهض المكتب المركزي للأبحاث القضائية مخططا إرهابيا وشيكا كان في مرحلة التنفيذ المادي لعمليات تفجيرية بعد أن تم توقيف أربعة أشخاص من بينهم ثلاثة أشقاء بحد السوالم، تلتها الأربعاء 18 فبراير 2025، إحباط المكتب المركزي للأبحاث القضائية في عملية نوعية مخططا إرهابيا كان يهدد البلاد، بتكليف من «قيادي بارز» في تنظيم داعش بمنطقة الساحل الأفريقي، الذي كان يستهدف مدن عدة مغربية بينها الدار البيضاء، فاس، طنجة، أزمور، والعيون، وأسفرت عملية مداهمات أمنية متزامنة في مدن مختلفة عن توقيف 12 متهما، تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، قال بيان للمكتب إنهم بايعوا تنظيم داعش الإرهابي و»انخرطوا في التخطيط لتنفيذ عمليات خطيرة»، التي أفضت إلى العثور على مواد متفجرة في طور التركيب، وأسلحة بيضاء وأموال (الدولار الامريكي) ومواد كيميائية، ودعم ولوجيستيكي، تلتها عملية ضبط في مخبأ نواحي مدينة الرشيدية على 10 مسدسات وبندقيتين من سلاح كلاشنكوف وخراطيش وخزانين للرصاص وبنادق تقليدية.

– ما هو في نظركم الفرق بين المحاولات الإرهابية السابقة التي تم إحباطها والمشروع الأخير الذي تم إجهاضه؟

– يكمن الاختلاف في خطورتها وطريقة تشكيلها وطبيعة الأهداف التي تريد منها مهاجمتها. فمن حيت الخطورة نعد هذه الخلية الإرهابية من الخلايا الخطيرة جدا التي تم تفكيكها على امتداد العشرين سنة الأخيرة، والتي تشبه إلى حد بعيد المشروع الإرهابي الذي نفذ في أحداث 16 ماي الإرهابية الدموية التي خلّفت 51 قتيلا من ضمنهم 11 انتحاريا، حيث اعتمدت هذه الخلية الإرهابية على أسلوب حديث يتسم بتنظيم دقيق، بإيعاز من نفس القيادي في تنظيم داعش، يبتدئ بالتخطيط تم الإعداد تم التجهيز تم التنسيق تم التدريب تم العزم والتصميم تم التنفيذ، واعتمدت داخل هذا المشروع تنظيما خاصا من خلال تقسيم أدوارها وفق هيكلة تنظيمية داخلية تهم عدة خلايا فردية، منها خلية التنسيق ، خلية التمويل، خلية اللوجستيك، خلية التجهيز، خلية المراقبة، خلية التخزين، خلية المنسقين، خلية المنخرطين، في المشروع. فقد «كانت المخططات الإرهابية توجه حصريا لفريق المنسقين» الذين يتكلفون بتبليغ هذه المخططات لباقي الأعضاء إما بشكل مباشر أو عن طريق قنوات غير مباشرة، هذه الخطة بالإضافة إلى معلومات حول كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية وفرها لهم القيادي بتنظيم داعش المسؤول في ما يسمى بلجنة «العمليات الخارجية» المكلفة بتدويل المشاريع الإرهابية خارج منطقة الساحل جنوب الصحراء.
الملاحظة الثانية تتمثل في أنه من خلال استقراء بيان المكتب المركز للأبحاث القضائية نسجل بأن هذا المشروع الإرهابي التخريبي من بين ما كان يستهدفه ولأول مرة هو إشعال الحرائق في المجال البيئي المغربي، وهي عملية مستجدة في تاريخ العمليات الإرهابية التي استهدفت المملكة المغربية لم يسبق لها مثيل تأخذ بصمات النظام العسكري الجزائري الذي سبق وأن وعد المملكة المغربية بهذه الأفعال في حرائق التي شهدتها الجزائر في منطقة القبائل، حينما عرضت المملكة المساعدة على النظام الجزائري، وجريمة الإرهاب البيئي هي من الجرائم المستحدثة التي تناولها المشرع المغربي في القانون 03/03 المتعلق بمكافحة الإرهاب في الفصل 218.8 والذي نص على أنه «يعتبر أيضا فعلا إرهابيا، بالمفهوم الوارد في الفقرة الأولى من الفصل 1-218 أعلاه، إدخال أو وضع مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر، في الهواء أو في الأرض أو في الماء، بما في ذلك المياه الإقليمية،.يعاقب عن الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى بالسجن من 10 إلى 20 سنة وتكون العقوبة هي السجن المؤبد إذا ترتب عن الفعل فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى لشخص أو أكثر. كما تكون العقوبة هي الإعدام إذا ترتب عن الفعل موت شخص أو أكثر».

– انطلاقا من موقعكم الأكاديمي وبحكم انشغالكم وتتبعكم لهذا الموضوع، كيف تقيّمون تطور اليقظة الأمنية بالمغرب؟

–  من خلال دراسة المسار الكرونولوجي (التسلسل الزمني) ليقظة الأجهزة الأمنية المغربية لتفكيك الخلايا الإرهابية في السنوات الأخيرة، التي كانت تخطط لتنفيذ هجمات إرهابية داخل المغرب، بحيث تم بين 2003 و2025 تفكيك ما يزيد عن 240 خلية إرهابية، اثنتان وثلاثون منها كانت بين 2013 و2016 مكنت من إيقاف ما يزيد عن 3535 شخصا، وإحباط وإجهاض ما يفوق 500 مشروع تخريب، حيث ساهم إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية بنصيب وافر في الارتقاء وتطوير المقاربة الأمنية المغربية منذ إحداثه مما مكَّن المغرب من مواجهة خطر الإرهاب، بنجاعة وفعالية، عبر عمل استباقي يندرج ضمن مقاربة شمولية، تمثل النموذج في العالم تشمل المدخل الديني والعدالة الاجتماعية والإصلاحات السياسية والحقوقية، وفق رؤية إستراتيجية مجربة مكونة من أربعة محاور عمل أساسية تتمثل في تعزيز الجانب الوقائي، الاستعداد والاستباقية والملاحقة، الصرامة في التجريم والعقاب تم التحفيز والمكافئة وإعادة الإدماج والمصالحة.
هذه المؤشرات تدلّ بجلاء على جاهزية وفعالية الأجهزة الأمنية في التعاطي مع التطورات التي تعرفها الظاهرة الإرهابية، ما أسفر عن وضع حد للمخاطر الأمنية، وإفشال المشاريع التخريبية التي تهدد التراب الوطني. لقد جعلت هذه اليقظة الأمنية المملكة المغربية تساهم كذلك في إحباط عدة مخططات إرهابية بالخارج في كل من أوروبا وأمريكا إذ لعبت دورا حاسما في تجنيب الشركاء الدوليين حمامات دم، وآخر التدخلات في هذا الصدد ما خلص إليه التنسيق المغربي الإسباني في إفشال مخططات إرهابية كانت تستهدف مدينة الناظور ومليلية المحتلة، من خلال التنسيق والتعاون المشترك وتبادل المعلومات والخبرات، كذلك ظلت المملكة حريصة على تعزيز التعاون في إطار سياسة التعاون جنوب-جنوب مع باقي الدول الإفريقية التي تعتبرها امتدادا لمجالها الحيوي والأمني والاقتصادي.
واعترافا بإنجازاته في هذا الجانب، وبفعالية إستراتيجيته الأمنية الإستباقية، اتفقت منظمة الأمم المتحدة مع المغرب في أكتوبر 2020 على إنشاء مقر لـ «مكتب برنامج مكافحة الإرهاب والتدريب في أفريقيا»، ويعكس الدور المغربي في منطقة الساحل الأفريقي أولويات السياسة الخارجية للمغرب، وينسجم مع الجهود الدولية الهادفة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية، ويؤكد هذا المعطى ثقة القوى العالمية من ضمنها باريس وواشنطن، اللذان تُعتبران أبرز الفاعلين الدوليين في المنطقة.

 


الكاتب : حاورته: لمياء الرايسي

  

بتاريخ : 24/03/2025