في حوار مع خالد الوالي العلمي، أستاذ علم الإجرام والقانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس .. هيكلة الحقل الديني شكّلت أحد العوامل الأساسية في مواجهة الفكر المتطرف والدفاع عن مغرب الاعتدال 2/2

تواصل المصالح الأمنية في بلادنا حربها ضد الإرهاب متحلية باليقظة في تتبع خطوات كل مؤشر قد يكون له صلة بهذا الموضوع حتى يتم وضع اليد على كل من يشكلون تهديدا لأمن وسكينة المجتمع والمواطنين.
في هذا الإطار تم خلال الآونة الأخيرة تسجيل عدد من التدخلات النوعية التي مكنت من إحباط مخططات دموية، التي جعلت «الاتحاد الاشتراكي» تلتقي بخالد الوالي العلمي، أستاذ علم الإجرام والقانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، ومدير مؤسسة سجنية سابق، وإطار مراقب عام للسجون، وخبير في السياسات الأمنية و قضايا الإرهاب، للحديث عن الاستراتيجية المغربية لمكافحته في هذا الجزء الثاني من الحوار الذي أجريناه معه، والذي تم نشر الشقّ الأول منه في عدد أمس الاثنين.

 

– استمرارا في تسليط الضوء على عدد من النقاشات المرتبطة بموضوعنا، هل تؤثر البطالة والهشاشة الاجتماعية فعلا في توجّه بعض الأشخاص نحو الجماعات المتطرفة؟

– يجب التأكيد على أن الفقر ليس عاملا في نشوء السلوك الإجرامي، ولا يعد سببا رئيسيا للعنف، إلا إذا ترافق مع عوامل اجتماعية أخرى تؤثر على الفرد. فالفقر يشكل استعدادات مكتسبة، لكنه لا يؤدي بالضرورة إلى السلوك الإجرامي العنيف، إذ أن هناك فئات واسعة من المجتمع المغربي تعاني الفقر، لكنها لا تلجأ إلى العنف. لذلك يفند علماء الجريمة الفكرة القائلة بأن الفقر يؤدي إلى الإجرام، إذا ارتبط ببيئة حاضنة أو عوامل اجتماعية محفزة.

– يشهد العالم بالتميز المغربي في مواجهة الإرهاب، فعلى أي أسس تقوم الاستراتيجية التي يعتمدها؟

– لقد نهج المغرب إستراتيجية متعددة الأبعاد في مواجهة التهديدات الأمنية، وتتضمن هذه الاستراتيجية الشمولية، التي بدأ تنفيذها عام 2004، محورا أمنيا، ومحورا للتعاون الدولي، ومحورا سوسيو- اقتصاديا، عبر إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005، بالإضافة إلى محور إعادة هيكلة الحقل الديني بهدف حماية المغرب من التطرُّف والإرهاب، وحِفْظ هويته القائمة على أسس الاعتدال والانفتاح والتسامح، وتجسَّدت جهود إصلاح الحقل الديني عبر إنشاء معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات سنة 2014، الذي يستفيد من تداريبه أئمة من تونس ومالي وغينيا وساحل العاج وفرنسا، بالإضافة إلى إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة سنة 2015، والتي تهدف إلى توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين، في كلٍّ من المغرب وباقي الدول الأفريقية، للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها؛ وتوطيد العلاقات التاريخية التي تجمع المغرب وباقي دول أفريقيا والعمل على تطويرها.

– وماذا عن التعامل مع السجناء في قضايا الإرهاب؟

– لقد أعدت المندوبية العامة برامج مبتكرة على مستوى إدماج سجناء قضايا التطرف والإرهاب موجهة لفائدة سجناء التطرف العنيف في إطار إستراتيجية واضحة الأهداف والآليات والمؤشرات التي تستجيب لتصحيح الجانب الديني لديهم وتحقق إدماج سليم وفعال لهذه الفئة من المجتمع، ومنها ما يتعلق بالمحاضرات العلمية، حيث عملت على تخصيص برامج خاصة بهذه الفئة في إطار شراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وبعض الفعاليات الأخرى، بهدف تقاسم ما تقوم به الرابطة على مستوى تحصين الشباب والمجتمع من أفكار الغلو والتطرف وبث خطاب آمن وإرساء مفاهيم بناءة وسليمة لدين الإسلام، وكذا بناء كفايات وقدرات المستفيدين وفق خطاب مبني على المحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي ( ص ).
وتهدف هذه المحاضرات إلى مناقشة و تصحيح مجموعة من المفاهيم الدينية المغلوطة وتفكيك خطاب التطرف بالحجة و الدليل والبرهان من الكتاب والسنة والمذاهب الفقهية، وقد شملت هذه المبادرة 4 مؤسسات سجنية إلى حدود الساعة، حيث استفاد ما مجموعه 400 سجين من قضايا التطرف والإرهاب، من خلال إعتماد ورقة الفكر التصوفي في مخاطبة السجناء المعنيين بهذا البرنامج؛ ومناقشة الأفكار السلفية المتطرفة التي يحملها بعض السجناء؛ إضافة إلى تفريد محاضرات خاصة لهذه الفئة بمناسبة الجامعات الربيعية والخريفية والصيفية التي دأبت المندوبية العامة على تنظميها بمختلف المؤسسات السجنية بربوع المملكة، ثم اعتماد خطاب القيم الدينية الصحيحة المبنية على التكافل والتسامح والتحلي بمكارم الأخلاق وجميل الصفات، فتصحيح علاقة الفكر المتطرف بالجريمة المنظمة، والنظر الشرعي في دخول بلدان أجنبية؛ وأخيرا إبراز دور المرأة المسلمة في التأهيل الروحي والعمل الاجتماعي.
وإلى جانب ذلك فقد قامت المندوبية العامة بإعداد برنامج «مصالحة» في إطار الصلاحيات المخولة لها ومن منطلق المسؤولية المنوطة بها قانونا على مستوى تهيئ السجناء للإدماج، وكان لابد من التفكير في برنامج مخصص للمدانين في قضايا التطرف والإرهاب، على غرار بقية الساكنة السجنية معتقلي الحق العام. ومن ناحية ثانية، فهذا البرنامج تم إعداده في اطار التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على مستوى تأهيل العدالة الجنائية، وتكريس مفهومها العقابي والإصلاحي في الوقت نفسه، وكان لابد من استكمال إستراتيجية المملكة على مستوى مكافحة الإرهاب والتطرف على مستوى العناية والاهتمام بالساكنة السجنية المعتقلة في إطار قضايا التطرف والإرهاب، بحكم أن هناك موعدا للإفراج عنهم في يوم من الأيام، وبالتالي عودتهم إلى المجتمع، ولابد من اتخاذ تدابير تكفل إدماجهم بشكل سليم وفعال داخل المجتمع.

– فيما تتميز المقاربة المغربية عن مقاربات دول أخرى؟

– على خلاف المقاربات الدولية التي يطغى عليها التركيز على الجانبين الأمني والعسكري في الساحل الإفريقي، فإن المغرب عمل على بلورة إجراءات متكاملة لمواجهة التحديات الأمنية تنبني على الاستباقية، وذلك عبر الحدّ من أشكال الفقر، وتحسين أوضاع الفئات الهشَّة؛ تنظيم الحقل الديني، ونشر ثقافة التسامح والسلام؛ إرساء حوكمة أمنية لفهم ورصد ومواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية في إطار خطة استباقية؛ والدعوة إلى تنسيق التعاون الإقليمي بين دول الساحل الإفريقي والدول المجاورة له بغاية تحقيق التوافق العملياتي في الميدان.
وفي الأخير يظل المغرب في حالة يقظة دائمة تجاه التهديدات الإرهابية، معتمدا على المقاربة الأمنية شاملة تجمع بين العمليات الاستباقية و التوعية المجتمعية. ورغم التحديات، فقد أثبتت الاستراتيجية المغربية فعاليتها في الحد من الخطر الإرهابي و ضمان استقرار البلاد.


الكاتب : حاورته: لمياء الرايسي

  

بتاريخ : 25/03/2025