في حوار مع الأستاذة والخطاطة صفاء الفتيح : اشتغلت على عمل زخرفي يعكس القدس وكان يتوسط اللوحة منمنمة تجسد المسجد الأقصى

يتواجد بداخل كل منا فنان يحتاج لشخص يشد بيده
يعد الخط المغربي، حسب ما يعرفه المتخصصون، فنا مشتقا من الخط الكوفي القديم، لكنه تطور مع الوقت ليمر مما يعرف بالخط الكوفي القيرواني الذي ظهر من خلال الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي وبعدها للخط المبسوط الأندلسي في القرن الثامن الميلادي ليصل للخط المبسوط المغربي والخط المدمج وغيرها من الخطوط المغربية المتنوعة، التي تتميز باستعمالاتها العديدة وانتشارها بين مختلف الدول العربية والإسلامية
الخط المغربي له قيمة رمزية تراثية وفنية تتزايد مع مرور الزمن، ولأهميته كانت هناك أوامر ملكية لإحداث أكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء، وجائزة لكل فن من الفنون التي تحتضنها، وذلك سعيا وراء الحفاظ على هذا الموروث الثقافي والمغربي وتلقينه للأطفال والشباب
ومن بين الأساتذة الذين جعلوا على عاتقهم تدريس الطلبة في الاكاديمية، هناك الفنانة الشابة صفاء الفتيح، التي اختارت جريدة الاتحاد الاشتراكي لقاءها ذات صباح داخل فضاء الأكاديمية، بمعية طلبتها، فكان هذا الحوار التالي.

 أولا من هي صفاء الفتيح؟

صفاء الفتيح ابنة مدينة الدار البيضاء، وخريجة أكاديمية الفنون التقليدية، حاصلة على بكالوريا الفنون التطبيقية، تخصص الفنون التشكيلية. أعشق الرسم والصباغة منذ الصغر. بحصولي على بكالوريا الفنون التطبيقية، ولجت ميدان الفن التشكيلي، وهذا قبل التحاقي بالأكاديمية، وشاركت حينها بمعارض جماعية للفنون التشكيلية، درست الأدب الفرنسي بالجامعة لمدة سنتين، ثم التحقت بعدها بأكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمسجد الحسن الثاني وتحت سلطة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وذلك بعد أن اجتزت مباراة للولوج للأكاديمية

كيف تعرفت صفاء على الأكاديمية؟

صادفت إحدى دورات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، الذي يقام في فضاء مجاور لمقر الأكاديمية ولمسجد الحسن الثاني، فترة «الأبواب المفتوحة» التي نظمتها إدارة الأكاديمية للتعريف بها، وجئنا كطلبة لزيارة المعرض وكان مع المجموعة صديق لي فنان يهتم بالخط العربي سبق ودرس معي في ثانوية جابر بن حيان، ويسمى عادل الزعري، وهو حاليا خطاط ومصمم غرافيك، وبالمناسبة أود شكره من خلال منبركم، بحيث بفضله تعرفت على الأكاديمية وقررت ولوج مجال فن الخط.
تتطلب الدراسة سنتين، السنة الأولى هي جدع مشترك، نتعلم أثناءها سائر المواد، والسنة الثانية يكون فيها التخصص، شخصيا تخصصت في الخط العربي، لكن بعد ذلك استهوتني الزخرفة التي أشتغل بها لحدود الساعة. اختياري لهذا التخصص والحمد لله، جعلني أحقق حلما كان يراودني ويراود المرحوم والدي، مشجعي الأول، بحيث تم استقبالي من طرف جلالة الملك السنة الماضية بمسجد حسان بالرباط بمناسبة إحياء ذكرى المولد النبوي، على إثر حصولي على جائزة محمد السادس لفن الخط العربي.
فالأكاديمية تتوفر على عدة شعب، هناك الخط العربي، فن الزخرفة…وقد تم إحداث جائزة لكل تخصص، كما أن لكل فن دورته الخاصة. هناك جائزة محمد السادس لفن الزخرفة على الورق، وبعد فوزي بالجائزة الأولى وهي جائزة التفوق في فن الزخرفة على الورق، وكما تجري العادة في كل دورة، يتم تكريمنا من طرف جلالة الملك وبهذه المناسبة تشرفت بإهداء جلالة الملك لوحة من إبداعي مستوحاة هي الأخرى من المخطوطات المغربية.وفرحت جدا بالجائزة وبلقاء الملك ولكن فرحتي لم تكن مكتملة لأن والدي قد وافته المنية قبل ذلك، ولغريب الصدف فقد تنبأ لي بالفوز في هاته السنة

 هل شاركت صفاء الفتيح في معارض بعد تخصصها الجديد؟

بالفعل، شاركت في معارض دولية ووطنية داخل وخارج المغرب، وسأشارك مستقبلا في ملتقى الشارقة للخط العربي بالإمارات العربية المتحدة، ومنذ ما يزيد عن شهر، قمت برحلة فنية بتركيا، قدمنا خلالها، كفنانين مغاربة، فن الخط المغربي والزخرفة المغربية، وعرفنا بفننا كما تعرفنا على خطاطين، وقمنا بتنشيط ورشات، ليكون هناك تبادل للثقافات والتقنيات والأساليب والمدارس. وأود أن أسطر هنا، على أننا لنا رسالة نوصلها لسائر دول العالم، فعندما أسافر في زيارة لدولة من الدول مثلا، أوصل أولا رسالة الإسلام بما أنني خطاطة ومزخرفة.

حدثينا قليلا عن الأكاديمية وعن دورها بما أنك كنت طالبة بها وحاليا تدرسين بها.

دور الأكاديمية في الأصل، هو الحفاظ على الحرف التقليدية المغربية، وتلقينها للأجيال القادمة من خلال الطلبة الذين تستهدفهم هاته المؤسسة، وأيضا التعريف بها للأجانب سواء منهم الغربيين أو العرب والمسلمين، فكما لا يخفى عليكم يقوم العديد من الأجانب بزيارتنا وزيارة المتحف الذي يجاور الأكاديمية

 ما هي الشريحة من الطلبة التي تستهدفها الأكاديمية وتتوجه إليها؟

هناك شروط للتسجيل بالأكاديمية، ومن بينها السن الذي يجب ألا يتجاوز 23 سنة، وأن يكون الطالب حاصلا على بكالوريا زائد سنتين تخصص من اختياره. بالنسبة لشعبة الخط العربي، على الطالب ألا يكون متجاوزا لسن 30 سنة، وأن يكون متوفرا على البكالوريا أو الإجازة أو الماستر. بعدها يجب أن يجتاز المباراة: عبارة عن امتحان تطبيقي وامتحان كتابي ثم آخر شفوي. على الطالب الذي يريد الالتحاق بالأكاديمية أن يظهر كفاءته، وعند ولوجه مباشرة الأكاديمية، تمنح له منحة مالية لاتباع دراسته بها، وهاته من الشروط التي أقرها جلالة الملك عندما تم إحداث الأكاديمية

ما هي الشعب التي تدرس بالأكاديمية؟

هناك شعب تقنية وشعب فن الخط والزخرفة، وبالنسبة للمواد المدرسة فهي اللغات الفرنسية العربية والأجنبية، بحيث يتم إعداد الطلبة لسوق الشغل، وهناك المواد الفنية، مثل الرسم والنحت والصباغة وهناك المواد التطبيقية، مثل تصنيع مادة الخشب. وللإشارة فإن الفنانين العمال الذين اشتغلوا بمسجد الحسن الثاني أو من تتلمذوا على يدهم، هم من يدرسون حاليا طلبة المواد التطبيقية

 منذ حلولي بالأكاديمية وأنا ألاحظ تواجد الزخرفة على الحيطان والأبواب، هلا حدثتنا صفاء الفتيح عنها؟

الزخرفة تتضمن عدة أنواع، وما يتواجد بالأكاديمية هي من إبداعات طلبتها، وللإشارة فالأسلوب المتواجد بالأكاديمية، سواء منه الزخرفة الهندسية أو الزخرفة النباتية، هو أسلوب مغربي محض الذي يتواجد منذ سنوات ونراه بالكتيبة والقرويين وفي سائر العمارات الإسلامية المتواجدة بالمغرب بحيث نجد الزخرفة الكتابية والزخرفة النباتية والزخرفة الهندسية. الزخرفة عامة تنقسم لعدة فروع، هناك الزخرفة التي تناسب الخشب وهناك التي تناسب الورق أو التي تناسب الجبص أو الجلد أو الحديد..

 كيف يمر يوم التدريس لدى صفاء الفصيح؟

هناك برنامج تدريسي نتبعه، ونحرص بالأكاديمية على أن تكون الأجواء أسرية مريحة سواء للطالب أو للأستاذ، أقوم بإعداد الدروس بالطبع مسبقا على حسب المادة التي أدرسها وشخصيا أدرس الشعبة التقنية وشعبة الخط العربي. وقد أمنح الطلبة تمارين تطبيقية مثلا
هناك أشخاص لا تسمح لهم شروط التسجيل، الولوج للأكاديمية، باستطاعتنا تدريسهم عبر الأنترنيت، سواء كانوا مغاربة أو أجانب

 بعد تلك التمارين التطبيقية، ماذا يكون مصير تلك الإبداعات؟

تلك الإبداعات التطبيقية تخرج للوجود، وتصبح منتوجا تقليديا يعرض للبيع للسياح في المتحف التابع للأكاديمية، ويتواجد بجانبها وقرب المكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني، أي قطعة يبدعها الطالب تعرض بالمتحف للمغاربة والأجانب وبأثمنة مناسبة

بحسب معلوماتي المتواضعة، فإن الخط العربي لم يعد مرتبطا فقط بالمصحف الكريم، ما أساس صحة هذا النقاش؟

أولا، أود القول أن بعض الأشخاص يظنون بأن المصحف كان يطبع، بل هو يكتب من طرف خطاط أو خطاطة ويزخرف من طرف مزخرف ومزخرفة
حاليا وصلنا لدرجة إنتاج لوحات خطية نستعملها لإيصال رسائل في قضية معينة، وعلى سبيل المثال سبق وشاركت بمعرض يتناول موضوع القضية الفلسطينية، و قدمت عملا يعبر عن حبي للقدس ومدى تعلقنا كمغاربة بالقدس، وخير دليل، تواجد حي باسمنا في القدس، وارتأيت أنه على عاتقنا تبيان تلك المودة بيننا وبينا الفلسطينيين وحاولت الاشتغال على عمل زخرفي يعكس القدس وكان يتوسط اللوحة، المعبرة جدا، منمنمة تجسد المسجد الأقصى جدا ، و اللوحة ككل تحمل معاني التفاؤل إذ استعملت اللونين: الأصفر والأخضر، للقول أنه يوما ما ستزهر الأوضاع بفلسطين، وبالتالي فالخط أو الزخرفة لم يعودا حبيسي المصحف الكريم و تم تطوير هذين الفنين، بتوظيفهما في لوحات نوصل بها رسائل

 غير ما سبق، هل لا للأستاذة صفاء الفتيح رسالة تريد إيصالها للقراء؟

أريد أن أضيف بأنه على عاتق كل فنان، إتقان مجال معين وأن تكون رسالته نبيلة وأن يوصلها لسائر الفئات العمرية
من خلال الفن الذي أتقنه تمكنت والحمد الله من الدفع بخمسة أفواج من الطلبة بالأكاديمية، للتخرج، طلبة، ولله الحمد، تمكنوا من دخول مجال الشغل ومنهم من يعرف بأعماله، سواء وطنيا أو دوليا، وبالتالي فأنا أكون جد فخورة عندما أسمع بأن أحد طلبتي قد نجح في مجاله أو نال جائزة معينة.


الكاتب : أجرى الحوار: سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 05/07/2024