جلالة الملك يجسد «استمرارا لإحدى أعرق الملكيات في العالم وأحد وجوه الحداثة»
الدعوة إلى تطوير شراكات جديدة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية
«لإدراج علاقاتنا ضمن مسار يستشرف المستقبل، والتمكن من تحقيق هذا الطموح وهذه المشاريع»، أكد ماكرون أنه اقترح على جلالة الملك محمد السادس أن «يجمع فرنسا والمغرب إطار استراتيجي جديد قد يتم التوقيع عليه 70 سنة بعد اتفاق (لا سين-سانت-كلود)، بمناسبة زيارة دولة لفرنسا قبلها جلالة الملك»
روابط الصداقة الفريدة بين باريس والرباط «فرصة تاريخية»، بل «واجبا استراتيجيا» للبناء بين البلدين، وأيضا بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي، وما وراء إفريقيا، وهو «مشروع يوفر لشعوبنا واقتصاداتنا إمكانية الرخاء والأمن وأفقا جديدا بالكامل»
جدد رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، التأكيد بقوة، على دعم فرنسا لسيادة المغرب على صحرائه، وذلك خلال جلسة مشتركة لغرفتي البرلمان المغربي.
وقال رئيس الجمهورية الفرنسية «أجدد التأكيد على ذلك هنا أمامكم. بالنسبة لفرنسا، فإن حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية. الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية»، مذكرا بذلك بالموقف الواضح والقوي الذي عبر عنه في الرسالة التي وجهها لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال 25 لعيد العرش.
وعبر الرئيس الفرنسي أيضا، باسم فرنسا، عن الالتزام ب»الوقوف إلى جانب المغرب في الهيئات الدولية»، مؤكدا أن «مخطط الحكم الذاتي لسنة 2007 يشكل الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
وأضاف أمام منتخبي الأمة «وأقولها هنا أيضا، وبكل قوة، سيواكب فاعلونا ومقاولاتنا تنمية هذه المنطقة من خلال استثمارات ومبادرات مستدامة وتضامنية لفائدة الساكنة المحلية».
هذا التطور المهم في موقف فرنسا، يضعه الرئيس إيمانويل ماكرون في إطار سياق إقليمي يتعين أن يمنح الأسبقية للتعاون والتشاور. وأوضح الرئيس الفرنسي في هذا السياق أن «هذا الموقف لا يعادي أحدا. فهو يسمح بفتح صفحة جديدة بيننا، ومع كل من يريد العمل في إطار التعاون الإقليمي، في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومع دول جوار المغرب والاتحاد الأوروبي».
وباعترافها بالحقوق الراسخة للمملكة، تؤكد فرنسا من خلال هذا الخطاب التاريخي الذي ألقاه رئيسها تحت قبة البرلمان، على عمق الروابط بين الدولتين والشعبين.
وحرص الرئيس الفرنسي على التأكيد على أن «المغرب وفرنسا ظلا، طوال العقود الماضية، حليفين مخلصين في الأوقات الصعبة، ففرنسا لم تخذل أبدا المغرب في جميع القضايا المصيرية التي واجهها».
وأكد رئيس الجمهورية الفرنسية في خطابه أن جلالة الملك محمد السادس يجسد، منذ اعتلائه العرش قبل أزيد من 25 سنة، «استمرارا لإحدى أعرق الملكيات في العالم وأحد وجوه الحداثة الصناعية والتكنولوجية».
وأوضح الرئيس الفرنسي أن «25 سنة مرت منذ اعتلاء جلالته عرش المملكة المغربية، مجسدا بذلك استمرارية إحدى أعرق الملكيات في العالم وأحد وجوه الحداثة الصناعية والتكنولوجية».
فمن بين أعرق الملكيات في العالم، يضيف إيمانويل ماكرون، «تتقدم المملكة إلى الأمام بثقة، وهي ثقة في ذاتها وفي ملكها، ثقة يمنحها إياها تاريخها الطويل وطاقات شبابها المتعدد، المتطلع بقوة إلى مواكبة تطورها».
كما أكد أن الإسلام المتسامح، الذي يدعو إليه جلالة الملك، أمير المؤمنين، «يشكل تحديا لجميع أشكال التطرف». وقال في هذا الصدد «إن غنى المغرب هذا يكتسي قيمة ثمينة وهو جدير بالتقدير في عالم يمزقه اللاتسامح والحروب».
واعتبر الرئيس الفرنسي، غداة التوقيع على الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، أنه «تلوح أمامنا، بالنسبة لربع القرن المقبل، جميع الرهانات وكل الممكنات».
وفي هذا الصدد، أكد الرئيس ماكرون، في خطابه، أن «الرؤية المستنيرة» لجلالة الملك محمد السادس، والإنجازات التي تحققت خلال السنوات الـ25 الأولى من عهده، هي «دعوة لنا للتوجه نحو المستقبل».
وقال ماكرون، متوجها إلى أعضاء غرفتي البرلمان، «كما فهمتم، هذا هو ما جئت لأقوم به إلى جانبكم ومعكم».
وأعرب ماكرون عن أمله في أن «تمكن زيارة الدولة هاته من فتح فصل جديد في تاريخنا المشترك العريق، مما سيمكن أمتينا من المضي قدما بعزم في هذا القرن الذي يسوده اللايقين، والذي هو في نفس الوقت بحاجة إلى ثراء صداقتنا».
وقال ماكرون «أنتم أيضا ممثلو شعب رسخ، مع إرادة عاهله، التنوع والحوار والتسامح في قلب هويته ومؤسساته ودستوره».
كما دعا الرئيس الفرنسي إلى تطوير شراكات جديدة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، «من خلال تعبئة كل قوانا الاقتصادية والتكنولوجية والأكاديمية والفنية».
وأعرب ماكرون عن قناعته بأن تعزيز المصير المشترك بين البلدين في المجالات الأساسية سيساهم في التنمية والتحكم في زمام المستقبل.
وشدد ماكرون، في هذا الصدد، على أن الواقع الحالي يتطلب هذه الشراكة الاستثنائية بين البلدين «في ساحة دولية تشهد أيضا تحولات متسارعة».
وأشار الرئيس الفرنسي، في هذا السياق، إلى أنه «في الوقت الذي قررنا فيه أنا وصاحب الجلالة الملك محمد السادس أن نكتب معا كتابا جديدا، أود أن أشارككم يقيني بأن هذه العلاقات ستستمر في التوطد من دون توقف». معربا عن شكره لجلالة الملك على «العبارات القوية التي خص بها جلالته فرنسا هنا في 11 أكتوبر الجاري».
وأضاف أن المطلوب من البلدين اليوم إرساء أسس «شراكة استثنائية وطيدة»، وأن نقدم لأجيال السنوات ال25 المقبلة «هذا الكتاب الجديد واضح المعالم. الواضح بشأن الماضي، والمتوجه في الوقت ذاته نحو المستقبل».
من جانب آخر، أعرب ماكرون عن التزام باريس بتعزيز التعاون مع المغرب حول قضية المياه والتكيف، مشيدا، في الوقت نفسه، بالتقدم الذي أحرزته المملكة في هذا المجال، ومؤكدا أن المغرب يملك تجربة جديرة بالاقتداء من قبل بقية بلدان العالم «ولهذا السبب آمل أن يكون الطريق السيار للماء في صلب أشغال قمة (وان واتر ساميت) التي سيتم تنظيمها في نهاية العام، وأن يتسنى لنا مواكبتكم في هذا المسار غير المسبوق للتكيف والسيادة».
وبالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية، والحاجة إلى تعاون سلس في المجال القنصلي، توقف ماكرون عند الشراكة الثنائية في مجال الأمن ومكافحة التهريب بجميع أنواعه، والإرهاب، والجريمة المنظمة، ولا سيما الاتجار بالمخدرات.
وفي معرض حديثه عن قطاعات التعاون الثنائي، أشار ماكرون إلى التربية والتعليم العالي، والمقاولات الفرنسية التي آمنت بالمغرب و»تجعل من فرنسا اليوم المستثمر الأجنبي الأول (بالمغرب)، والمحدث لفرص عمل مؤهلة ومهمة ومتنامية»، وكذا الوكالة الفرنسية للتنمية التي يعد المغرب الشريك الأول لها في العالم.
كما أبرز ماكرون إطلاق القطار فائق السرعة (TGV) المغربي، وتطوير الصناعات الثقافية والإبداعية لجعلها عنصرا مركزيا للجذب، ومنتج لمناصب الشغل في صفوف الشباب، والبنيات التحتية، والطاقة، ومعالجة المياه والنفايات.
وشدد على أهمية التحول الطاقي ومكافحة الاحتباس الحراري، وهو المجال الذي يضطلع فيه المغرب وفرنسا «بدور بارز على الساحة الدولية».
وفي هذا الإطار، أوضح الرئيس الفرنسي أن «المغرب لديه الكثير ليقدمه لباقي العالم»، مبرزا أن المملكة، الغنية بمزارع الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح من بين الأكبر في إفريقيا، «وضعت الإطار الذي سيمكنها قريبا» من أن تصبح فاعلا أساسيا في مجال الطاقة المتجددة، سواء تعلق الأمر بالإلكترونات أو الهيدروجين الأخضر».
وأعرب رئيس الجمهورية الفرنسية عن اقتناعه بنجاح ليس فقط في إزالة الكربون من الاستهلاك المنزلي والصناعي في المغرب، بل أيضا بقدرة المملكة على تقديم إمدادات محلية مستقرة وآمنة لأوروبا بطريقة تكاملية.
وأضاف «نعم، أنا مقتنع بأن مستقبل البحر الأبيض المتوسط ستكتبه أيضا ممرات الهيدروجين الأخضر وممراته الكهربائية التي ستربط بين بلدينا».
وأكد ماكرون أن تواجد القطاعات الصناعية الحيوية مكن من جعل المغرب منصة إنتاج فعالة ومتكاملة بالنسبة للصناعة الفرنسية والأوروبية، مشيرا إلى أن المرحلة الجديدة من العولمة منذ الأزمة الصحية تتطلب «التفكير في طريقة مستدامة في إدماج سلاسل القيمة بين أوروبا وإفريقيا».
وأبرز عزم فرنسا على إقامة شراكات أكاديمية جديدة مع المغرب في مهن الصناعة والصحة والرقمنة، وكذا في مجالات الفلاحة التي تعتبر أساسية للأمن الغذائي. وقال : «ما أدعو إليه بأمنياتي في جميع المجالات التي ذكرتها للتو هو هذا الكتاب الجديد في علاقتنا، من أجل استعادة كلمات جلالة الملك، الذي لا يتردد أيضا في تسريع المكتسبات والأطر الكلاسيكية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الطموحات».
وخلص إلى القول «لأنه أعتقد، علاوة على بلدينا، أن هذا الكتاب الجديد يحمل كذلك إمكانية كتابة صفحة جديدة في مستقبل وتنمية القارة الإفريقية».
كما أكد الرئيس الفرنسي أن بلاده ترغب في استلهام مبادرات المغرب في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل.
وأبرز الرئيس الفرنسي أن استقرار المغرب وانفتاحه وتطوره «مؤهلات لا مثيل لها، نعترف بقيمتها الحقيقية، ويمكن أن تلهم العديد من المبادرات المشتركة» في هذه المناطق.
وعبر ماكرون، بهذه المناسبة، عن انخراط فرنسا في بناء علاقات متجددة مع شعوب ودول إفريقيا، مشيرا إلى أن المغرب، «بموقعه الجغرافي، وبتاريخه، وبثقافته، وبرؤية ملوكه، أكد منذ زمن بعيد توجهه كمنصة، وصلة وصل ومسار متفرد».
وشدد، في هذا السياق، على حاجة إفريقيا إلى استقرار يراعي طموحات الشعوب والمشاريع التنموية للشباب الإفريقي.
ومن منطلق هذه الاستراتيجية الجديدة التي ستمكن فرنسا والمغرب من العمل في هذه المنطقة، أعرب الرئيس الفرنسي عن رغبة بلاده في «بناء استراتيجية شراكة جديدة».
وأضاف ماكرون أن هذه الشراكة الجديدة مع إفريقيا هي التي «نرغب في بنائها بشكل مشترك»، في جميع أنحاء القارة، من خلال التعليم والفلاحة والمشاريع البيئية والرقمنة والطاقة، مشيرا إلى وجود أعمال مشتركة تهم هذه المحاور.
وقال ماكرون «إنها قصة تهمنا بين المغرب وفرنسا، ولكنها منفتحة على أوروبا وعلى إفريقيا»، مشيدا، في هذا الصدد، بالرؤية الملكية لتنمية القارة. وأكد أن المغرب سيضطلع دائما بدور بوابة نحو «إفريقيا المنشودة».
وفي مواجهة تحديات القرن، يرى الرئيس الفرنسي في روابط الصداقة الفريدة بين باريس والرباط «فرصة تاريخية»، بل «واجبا استراتيجيا» للبناء بين البلدين، وأيضا بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي، وما وراء إفريقيا، وهو «مشروع يوفر لشعوبنا واقتصاداتنا إمكانية الرخاء والأمن وأفقا جديدا بالكامل».
وبعدما سلط الضوء على الحاجة إلى إرساء شراكة ثلاثية جديدة مع إفريقيا، استعرض الرئيس الفرنسي قطاعات من قبيل التربية، والفلاحة، والمشاريع الإيكولوجية، والمجال الرقمي، والطاقة كمجالات يمكن أن تكون موضوع مبادرات مشتركة.
و«لإدراج علاقاتنا ضمن مسار يستشرف المستقبل، والتمكن من تحقيق هذا الطموح وهذه المشاريع»، أكد ماكرون أنه اقترح على جلالة الملك محمد السادس أن «يجمع فرنسا والمغرب إطار استراتيجي جديد قد يتم التوقيع عليه 70 سنة بعد اتفاق (لا سين-سانت-كلود)، بمناسبة زيارة دولة لفرنسا قبلها جلالة الملك».
وفي معرض حديثه عن الوضع بالشرق الأوسط، أشاد الرئيس ماكرون بالدور الذي يضطلع به جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، والتزامه الشخصي من أجل تقديم المساعدات الإنسانية المستعجلة للساكنتين الفلسطينية واللبنانية.
وتابع بالقول «أشيد بالانخراط القوي لجلالته وللمغرب قاطبة، من أجل نزع فتيل التصعيد، واستئناف الحوار وإطلاق مسار سياسي موثوق»، مسجلا أنه في ظل حالة الشد والجذب الراهنة، التي تتداخل فيها نزعات التطرف من كل حدب وصوب، يصدح صوت المغرب قويا ومتفردا».