في خطاب عنصري ينهل من قاموس اليمين المتطرف في الغرب ونظرية «الاستبدال الكبير»

 

بالموازاة مع الهجوم المتواصل على المعارضة والنشطاء الحقوقيين والنقابيين، خرج الرئيس التونسي بخطاب عنصري مليء بالكراهية ضد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، خطاب ينهل من معجم اليمين المتطرف الأوروبي، ويبرز طبيعة النظام الاستبدادي والعنصري الذي يعمل قيس سعيد على إرسائه في تونس.
وكان قيس سعيد قد ترأس، يوم الثلاثاء الماضي بقصر قرطاج، اجتماعا لمجلس الأمن القومي خصص «للإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس»، كما جاء في بيان للرئاسة التونسية.
وأضاف البيان أن قيس سعيد أكد بأن « هذا الوضع غير طبيعي»، مشيرا إلى أن هناك ترتيبا إجراميا تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس» مضيفا أن سعيد شدد على « ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة خاصة وأن جحافل المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء مازالت مستمرة مع ما تؤدي إليه من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة فضلا عن أنها مجرّمة قانونا».
هذا الكلام الذي قاله قيس سعيد، أعاد إلى الأذهان الخطاب العنصري الذي يروج له عدد من زعماء اليمين المتطرف في الغرب، ومن بينهم « إريك زمور» المستند إلى نظرية « الاستبدال الكبير» ، وهي النظرية التي روج لها بشدة خلال الانتخابات الرئاسية بفرنسا، ولاقت استهجانا كبيرا من طرف المدافعين عن حقوق الإنسان والقوى التقدمية في مختلف بقاع العالم.
وتستند هذه النظرية العنصرية، على أن الهجرة المكثفة للمسلمين والعرب إلى الدول الغربية ونموهم الديموغرافي السريع سيؤديان في نهاية المطاف إلى استبدال الشعوب «الأصلية» بأخرى عربية ومسلمة تنتشر وتحتل هذه البلدان بحكم التفوق العددي.
والغريب في الأمر، أن قيس سعيد يروج لخطاب عنصري، مستند إلى نظرية تقوم في الأساس على استهداف العرب والمسلمين في أوروبا خصوصا، والأغرب من ذلك، أنه في الوقت الذي يروج لها زعماء لتيارات سياسية ليست في السلطة، أصبح الآن يتبناها رئيس دولة، والأشد غرابة أن تصدر عن مسؤول ضد مواطنين من نفس القارة يجمعهم نفس المصير، ويواجهون نفس التحديات، مما يتطلب توحيد جهود جميع الأفارقة للدفاع عن مصالح القارة السمراء وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دولها، ناهيك عن أنه خطاب غريب عن طبيعة الشعب التونسي والشعوب العربية، التي لطالما عانت من تبعات العنصرية.
المواقف التي جاءت على لسان قيس سعيد أثارت حفيظة المنظمات الحقوقية التونسية، التي أدانت هذا التوجه، معتبرة خطابه «عنصريا» ويدعو «للكراهية» ويؤجج الأوضاع، داعية السلطات التونسية إلى التصدي «لخطاب الكراهية والتمييز والعنصرية» على شبكات التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الإعلام.
وفي تعليقه على هذه التصريحات أكد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر في تصريح لوكالة فرانس برس أنه «خطاب مغرق في العنصرية وفي الكراهية للأسف. كنا ننتظر رئيس الدولة الذي يمثل الدولة التي صادقت على المعاهدات الدولية والترسانة القانونية الدولية، واليوم يمارس مثل هذا الخطاب، هذا أمر خطير جدا… نندد بالكامل بهذا الخطاب».
واعتبر بن عمر أن سعيد «يوظف» أزمة المهاجرين «لتحقيق هدفين، أولهما إلهاء الرأي العام الداخلي بقضايا غير حقيقية، وتصوير خطر جديد لصرف الأنظار عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية، والهدف الثاني هو رضوخ واضح وتام لمطالب وضغوطات السلطات الإيطالية بضبط تدفق المهاجرين». مضيفا أن الخطاب أحدث «خيبة أمل وسخطا كبيرين».
كما أعربت 18 منظمة غير حكومية، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان مشترك عن «تضامنها الكامل واللامشروط مع كامل المهاجرين والمهاجرات من إفريقيا جنوب الصحراء ومع كافة الجمعيات والمنظمات المدافعة عنهم».
وحملت هذه المنظمات في بيان لها، رئاسة الجمهورية، كل خطر أومكروه من شأنه أن يصيب المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء على التراب التونسي وجميع أعمال التنكيل التي يمكن أن تطالهم وتهدد السلم والأمن الاجتماعيين بالبلاد التونسية، بما أن رئيس الجمهورية «يمثل تشريعا غير مباشر من أعلى هرم في السلطة».
واعتبرت هذه المنظمات أن خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد الأخير ، من شأنه أن يؤلب عدة شرائح من المجتمع التونسي على المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء والمتواجدين بالتراب التونسي، مؤكدة أن ما صدر عن رئاسة الجمهورية يمثل انتهاكا صارخا للدستور التونسي وللمعاهدات الدولية والإفريقية التي التزمت بها الجمهورية التونسية منذ الاستقلال بالإضافة إلى القوانين الداخلية وعلى رأسها القانون عدد 50 لسنة 2018 والمتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
وقالت إن « خطابا كهذا يمثل تحريضا على الكراهية وتذكيرا بحقبة معسكرات الإبادة العرقية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية»، مؤكدة أن هذه التصريحات معاداة لقيم الإنسانية والتسامح التي ما انفكت «تتبجح بها الدولة التونسية في المحافل الدولية».
منظمة «منامتي» التونسية والمناهضة للعنصرية، ذكرت بدورها، في بيان لها صدر يوم الأربعاء «نسجل بغضب واحتجاج شديدين ما صدر عن رئاسة الجمهورية من حقد وعدوانية ودعوة مؤججة للعنف ضد السود المهاجرين من جنوب الصحراء المقيمين في تونس».


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 24/02/2023