في خطاب موجه إلى القمة العربية الصينية الأولى بالرياض

جلالة الملك: المغرب يؤكد استعداده للإسهام في الرفع من مستوى الشراكة العربية – الصينية

أكد جلالة الملك محمد السادس أن المغرب على استعداد للإسهام الفعال في الرفع من مستوى الشراكة الاستراتيجية العربية الصينية، في التزام دائم بالقضايا العربية العادلة والمشروعة، من أجل بناء نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدلا وتوازنا.
وقال جلالة الملك في خطاب موجه إلى القمة العربية الصينية الأولى التي انعقدت بالمملكة العربية السعودية، الجمعة، إن « المملكة المغربية تجدد اليوم، تأكيد استعدادها للإسهام الفعال في الرفع من مستوى هذه الشراكة الاستراتيجية، في جميع المجالات، في التزام دائم بالقضايا العربية العادلة والمشروعة، من أجل بناء نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدلا وتوازنا، وفي احترام تام لسيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».
وأكد جلالة الملك في هذا الخطاب، الذي تلاه رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن المملكة المغربية، وكعادتها في منتديات التعاون التي تجمع المنطقة العربية بتجمعات ودول أخرى، شاركت في كل الاجتماعات والأنشطة الغنية والمتعددة المنظمة في إطار منتدى التعاون العربي الصيني، بروح بناءة ومسؤولة.
من جهة أخرى، قال جلالة الملك إن العلاقات العربية الصينية تعرف تنوعا وتطورا على الصعيد السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي والإنساني، بفضل ما تزخر به من مؤهلات يجدر استثمارها بالشكل الأمثل للمساهمة في تحقيق ما يصبو له العالم العربي من نهضة اقتصادية حقيقية وتطور علمي وتكنولوجي، لاسيما من خلال إطلاق مشاريع تنموية، ودعم البنيات التحتية واللوجستيكية، والتنمية البشرية ونقل للتكنلوجيا.
واعتبر جلالة الملك أنه على الرغم من أن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول للدول العربية، إلا أن التبادل التجاري بين الجانبين، و»إن سجل مستويات جيدة من حيث الحجم والتنوع والكثافة، حيث ناهز 240 مليار دولار سنة 2020، فهو لم يرق بعد إلى مستوى المؤهلات المتاحة».
وأضاف جلالته أن هذا التبادل يعرف عجزا كبيرا في الصادرات العربية نحو الصين، باستثناء الصادرات من النفط والغاز، مشيرا إلى أن الأمر يستدعي العمل المشترك من أجل تشجيع هذه الصادرات وتنويعها، لتكون قاطرة للنهوض بالاقتصاد العربي الصناعي والفلاحي والخدماتي.
وارتباطا بالسياحة، سجل جلالة الملك أن عدد السياح الصينيين الذين يزورون الدول العربية، أقل من عدد نظرائهم العرب الذين يتوجهون إلى الصين، داعيا إلى العمل على رفع عدد السياح في الاتجاهين، لتحقيق (…) مزيد التقارب والتواصل بين الشعوب العربية والشعب الصيني.
واعتبر جلالة الملك أن التعاون بين الصين والدول العربية خلال فترة الجائحة على كافة المستويات الصحية، والذي ارتقى في بعض الأحيان، كما هو الشأن بالنسبة للمملكة المغربية، إلى مستوى شراكة مؤسساتية وعلمية وصناعية، لاسيما في مجال التلقيحات، يشكل خير مثال على «أهمية وجدوى التعاون الوثيق القائم بيننا».
وفي شأن العلاقات المغربية الصينية، أعرب جلالة الملك عن ارتياحه العميق لما «يطبع العلاقات المغربية الصينية من صداقة تاريخية متينة، وتعاون مثمر في مختلف المجالات، ومن تنسيق وتشاور بناء، بخصوص مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وبما يتقاسمه البلدان من رغبة أكيدة وصادقة في تطويرها»، مؤكدا جلالته انخراط المملكة المغربية في سياسة الصين الواحدة، كأساس للعلاقات بين البلدين الصديقين.
وقال جلالة الملك إن «دعمنا للمبادرات التي قدمتها الصين، «كمجموعة أصدقاء المبادرة الدولية للتنمية»، يعكس مستوى التعاون الوثيق بين البلدين الصديقين، مؤكدا جلالته حرص المغرب على المضي قدما في ترسيخ «الشراكة الاستراتيجية» المبرمة بين البلدين في ماي 2016، و»مذكرة التفاهم حول مبادرة الحزام والطريق»، وبالتالي توسيع آفاق التعاون الثنائي ليشمل قطاعات جديدة وواعدة وذات قيمة مضافة، للارتقاء بالعلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الصديقة إلى مستويات أعلى.
كما أكد جلالة الملك، أن ما تواجهه دول المنطقة العربية من تحديات تهدد أمنها واستقرارها، مرده في بعض الحالات، مع الأسف، إلى سياسات وسلوكيات بعض الدول العربية تجاه البعض الآخر.
وأبرز جلالة الملك في خطابه، أنه لا يمكن تجاوز هذا الوضع المليء بالمخاطر دون الالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية.
وأشاد جلالة الملك، في هذا الخطاب، بدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة العربية، ومساندتها لتجاوز الأزمات التي تشهدها، والحد من تداعياتها، و»ذلك بما هو مشهود به للدبلوماسية الصينية من حكمة ورزانة، تسهم في التقريب بين وجهات نظر الفرقاء، وتغليب فضائل الحوار، لتجاوز واقع الاضطراب وعدم الاستقرار الذي تعاني منه بعض الدول العربية الشقيقة».
وأوضح جلالة الملك، في هذا الصدد، أن دعم الصين الراسخ للقضية الفلسطينية العادلة، يعتبر مكسبا دوليا ثمينا، من أجل إيجاد حل عادل ودائم لهذه القضية، في إطار قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالقدس الشريف.
وفي هذا الإطار، يضيف جلالة الملك «وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، لا يسعنا إلا أن نثمن عاليا دعم الصين الثابت للحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة، ورفضها لاتخاذ أي قرارات أحادية الجانب، من شأنها أن تقوض جهود إحياء عملية السلام، وإبعاد ملف القدس عن طاولة المفاوضات، وعزله عن ملفات الوضع النهائي».
وأبرز جلالته أن هذا العزل سيزيد من توتر الأوضاع وتعقيدها في الوقت الذي «نسعى فيه، مع كل القوى المحبة للسلام، لتوفير الظروف الملائمة، لتغليب خيار السلام، وعودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات.»
من جهة أخرى، قال جلالة الملك إن القمة العربية الصينية الأولى تشكل لحظة قوية في مسار التعاون العربي الصيني، وحدثا تاريخيا ومنعطفا مهما في العلاقات بين الجانبين، معتبرا جلالته أن هذا اللقاء يمثل أيضا فرصة سانحة لإضافة لبنة جديدة إلى صرح العلاقات التقليدية القوية القائمة بين العالم العربي والصين.
وأوضح جلالة الملك، بهذه المناسبة، أن القمة تعتبر مناسبة لاستشراف الآفاق المستقبلية للتأسيس لشراكة متميزة، مؤكدا حرص جلالته أن تحتل مكانة مرموقة في خارطة علاقات «منطقتنا العربية مع مختلف شركائها، من دول وتجمعات ومنظمات إقليمية وقارية».
كما تشكل القمة، يضيف جلالة الملك «موعدا لاستحضار الأبعاد الحضارية، والروابط التاريخية، التي استندت على شبكة علاقات إنسانية وتمازج ثقافي مثمر، وتأثير إيجابي متبادل، في إطار طريق الحرير القديم».
وأبرز جلالته أن هذه العلاقات العريقة التي نسجت من خلال هذا التلاقح الثقافي والحضاري الذي امتد عبر الزمن، وربط الماضي بالحاضر، تستشرف المستقبل اليوم، في تعاون متجدد ومستمر، لعل أبرز تجلياته هو التعاون العربي الصيني القائم في إطار مبادرة الحزام والطريق.


بتاريخ : 12/12/2022