في دراسة لمركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة  حول حصيلة الحوار الاجتماعي:محمد طارق يرصد الاختلالات البنيوية التي عرفتها السنة الاجتماعية، وهذه توصياته

عن مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، وتحت « شعار الدولة الاجتماعية في الميزان « قدم محمد طارق، أستاذ القانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، قراءة في حصيلة السنة الاجتماعية الأولى أبريل 2022- أبريل 2023 .
ورأى محمد طارق، في هذه الدراسة، ضرورة تكثيف المجهود الحكومي، وتعبئة التوافق المجتمعي من أجل تجاوز الاختلالات البنيوية التي عرفتها السنة الاجتماعية.
وتأتي هذه الدراسة بعد سنة من التوقيع على محضر الاتفاق الاجتماعي لجولة أبريل 2022، والذي تضـمن التزامات متبادلة بين أطراف الحوارالاجتماعي، وهي ورقة سعت إلى تقييم مستويات تنفيذ مخرجات الاتفاق، وخاصة الالتزامات التي اتفق الأطراف على تنزيلها خلال السنة الاجتماعية الأولى من الاتفاق: أبريل 2022 – أبريل 2023، حيث استعرض محمد طارق نقط قوة المنجز الحكومي في تنزيل مخرجات اتفاق 30 أبريل 2022، ثم الكشف عن أوجه قصور الفعل الحكومي في تنزيل مخرجاته، والهدف كما يقول طارق، الوصول إلى تقييم عام لحصيلة الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصـاديين خلال السـنة الاجتماعية الأولى بعد اتفاق 30 أبريل 2022.
وبعد أن عددت الدراسة نقط قوة المنجز الحكومي في تنزيل مخرجات اتفاق 30 أبريل 2022، وقفت أيضا على أوجه قصور الفعل الحكومي في تنزيل هذه المخرجات .
واعتبر محمد طارق أن الميثاق الوطني لمأسسة الحوار الاجتماعي، هو وثيقة مرجعية لمأسسة الحوار الاجتماعي بالمغرب، لكن يسجل أن التوافق الإيجابي الحاصل في أبريل 2022 لم يدم طويلا، إما بسبب عدم مبادرة الحكومة إلى تنفيذ بعض الالتزامات المتوافق عليها، أو بسبب عدم انخراط الفرقاء في تنزيل المقتضيات ذات الصلة بإقرار السلم الاجتماعي ومأسسة الحوار الاجتماعي على المستوى الترابي وإقرار السلم الاجتماعي، حيث سجل تأخر في تنزيل مخرجاته، وذلك على مستوى بعض الالتزامات .
ورصدت الدراسة عدم إصدار التقرير السنوي حول المناخ الاجتماعي، والذي كان مبرمجا في مارس 2023؛ كما لم تتم هيكلة اللجنة الجهوية للحوار الاجتماعي واللجنة الإقليمية، والتي يناط بهما دراسـة وضـعية مناخ الأعمال ووضـعية المناخ الاجتماعي جهويا وإقليميا؛ وعدم عقد الجن الجهوية للحوار الاجتماعي لاجتماعاتها الدورية في السنة الاجتماعية (أبريل / يونيو)؛ كما لم يتم تفعيل لجنة تشريعات العمل المنصوص عليها في الميثاق الوطني لمأسـسـة الحوار الاجتماعي، والتي يناط بها تتبع مراجعة الترسانة القانونية (تحديد محاور المراجعة / التعديلات / الجدولة الزمنية لدراستها)؛ وعدم إحداث المرصد الوطني للحوار الاجتماعي كفضاء لترسيخ الثلاثية؛ والأمر أيضا بالنسبة لإحداث أكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي؛ وعدم تفعيل المؤسسات التي تعمل على تكامل والتقائية آليات الحوار الاجتماعي.
وسجلت الدراسة على الحكومة عدم تفعيل مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بتنزيل الاتفاق الاجتماعي لـ30 أبريل 2022، على مستوى القطاع الخاص، والذي ظل يعرف مشاكل بنيوية، اتفق الأطراف على معالجتها بشكل سريع وجذري، حيث سجل محمد طارق، تأخر المبادرة الحكومية، على مستوى القطاع الخاص، إذ لم تقدم الحكومة أي عرض يهم تنفيذ الالتزامات المتعلقة بتيسير عمل المرأة، وخاصـة الالتزام بتخفيض كلفة الأجر الخاص بالعاملات والعمال المنزليين لدى مشغليهم؛ كما لم تتمكن الحكومة من إنشاء 100 حضانة سنويا، التي التزمت بإحداثها لفائدة عمال وعاملات المقاولات، عبر تخصيص منحة لبناء وتهيئة وتجهيز كل حضانة؛
ولم تستطع الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين تحقيق تحدي 100 اتفاقية شغل سنويا على الأقل، حيث لم تتجاوز الحصيلة 16 اتفاقية شغل جماعية خلال هذه السنة الاجتماعية (12 اتفاقية خلال سنة 2022، و04 اتفاقيات خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2023).
وشدد محمد طارق على أن القطاع العام حظي بنصيب وافر من النقاش داخل لجنة القطاع العام المنبثقة عن اللجنة العليا للحوار الاجتماعي، خاصة بعد سنوات من التضييق على الممارسة النقابية داخل الوظيفة العمومية، بالإضافة إلى حصيلة إيجابية على مستوى الحوار القطاعي (الصحة / التعليم والتربية الوطنية / التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار)، وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار التي وقعت في أكتوبر 2022 اتفاقا اجتماعيا مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، وأيضا الأمر نفسه بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في يناير 2023 مع النقابات الأكثر تمثيلا في القطاع، حيث سجل طارق أن هذه  المشـــاورات بالوظيفة العمومية، توجت بالتزامات لم تستطع الحكومة تنفيذ جزء منها خلال السـنة الاجتماعية(2022 – 2023)، ومنها إقرار الزيادة العامة في الأجور، حيث لم تستطع الحكومة التوافق مع الشركاء الاجتماعيين على أجرأة هذا الالتزام خلال دورة شتنبر 2022؛ وكذلك  عدم مراجعة نظام الضريبة على الدخل، من خلال مراجعة الأشطر ونسب الضريبة، إذ لم تتمكن الحكومة من إقراره بموجب قانون المالية للسنة المالية 2023؛ولم يتم إحداث درجة جديدة للترقي في أسلاك الوظيفة العمومية؛ مع تسجيل ضعف إرساء الحوار وأجرأة الاتفاقات في المؤسسات والمقاولات العمومية؛ كما لم يتم اعتماد إجراءات تشريعية وتنظيمية جديدة لتمكين الموظف المتضرر من مواجهة آثار الأمراض وحوادث الشـغل بالوظيفة العمومية.
ورصدت الدراسة عدم الالتزام بمراجعة المقتضيات التشريعية المتعلقة برخص المرض المتوسطة أو الطويلة الأمد، كما سجل عدم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين في تفعيل العديد من الالتزامات الأفقية، حيث إنه إلى حدود نهاية السنة الاجتماعية (أبريل 2023)، يسجل عدم برمجة حوارات قطاعية على مستوى الوظيفة العمومية، باستثناء قطاعات الصحة والتعليم والمالية؛وعدم فتح النقاش من أجل المصادقة على اتفاقيات منظمة العمل الدولية؛وكذلك عدم إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسـة حق الإضراب إلى حيز الوجود، قبل نهاية الدورة الأولى من السـنة التشريعية الثانية للولاية التشريعية الحالية (يناير 2023)؛ وعدم فتح النقاش حول مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية، وقوانين الانتخابات المهنية، ومراجعة مدونة الشغل؛ ولم يتم أيضا فتح ورش مراجعة بعض المقتضيات القانونية والتنظيمية في الوظيفة العمومية (مراجعة منظومة امتحانات الكفاءة المهنية / المقتضيات القانونية المتعلقة باستقالة الموظف/ منظومة التأديب / إصــدار قانون لحماية الموظفين المبلغين عن أفعال الفساد التي يرصدونها بمناسبة مزاولة مهامهم / مراجعة منظومة التنقيط والتقييم / مراجعة منظومة التكوين المستمر).
ثالثا: تقييم عام لحصيلة السنة الاجتماعية الأولى بعد اتفاق 30 أبريل 2022
ورأت الدراسة أن جولة أبريل 2022 للحوار الاجتماعي وما نتج عنها من مخرجات، شكلت محطة أسـاســـية للتوافق مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين حول خلق جيل جديد من الحوار الاجتماعي، والعمل على مأسسته تعاقديا، وضمان إجرائه بانتظام وبشكل مستدام.
وبعد أن توقفت الدراسة عند المجهودات المبذولة من طرف الجهاز التنفيذي، والإشارة إلى السياقات الدولية والوطنية، يقول محمد طارق، كل ذلك أثر على التوازنات الداخلية المطبوعة بالجفاف والتضخم وتباطؤ الاقتصـاد الوطني، وموجات غلاء المواد الغذائية، مما يولّد ضغطا كبيرا على القدرة الشرائية للمواطنين، وهو الســــيــاق الذي يكاد يجعل المجهود الحكومي في تنزيل مخرجات اتفاق 30 أبريل2022، غير ذي أثر اجتماعي مباشر على المواطنين والمواطنات، وخاصة الطبقة المتوسطة.
وشددت الدراسة على أن نجاعة آليات الحوار الاجتماعي لا تقاس بوجودها ومدى انتظام عملها فقط، وإنما بما تنتجه من آثار ملموسـة على مستوى الممارسة، وتحقيق السلم الاجتماعي، والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة الدامجة لمختلف فئات المجتمع، وهو ما يتطلب ضرورة تكثيف المجهود الحكومي، وتعبئة التوافق المجتمعي من أجل تجاوز الاختلالات البنيوية التي عرفتها السنة الاجتماعية(2022 – 2023) على مستوى تنزيل مخرجات اتفاق 30 أبريل 2022، وخاصة على مستوى ضرورة استكمال مأسـسـة الحوار الاجتماعي عبر التسريع بإحداث المرصـد الوطني للحوار الاجتماعي كفضـاء لترسيخ الثلاثية، وأكاديمية التكوين في مجال الشـغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي، وإقرار الزيادة العامة في الأجور، بما يحقق توازنا ماليا للأسر المغربية لدعم قدرتهم الشرائية، ومراجعة نظام الضريبة على الدخل، وحُسـن تطبيق قانون الشغل في الوحدات الإنتاجية بالقطاع الخاص، وتفعيل الحوارات القطاعية على مستوى القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية.
ودعا محمد طارق إلى ضرورة فتح ورش استكمال الترسانة القانونية المتعلقة بتشريعات العمل، عبر تفعيل دور لجنة تشريعات العمل المنصـــوص عليها في الميثاق الوطني لمأسـسـة للحوار الاجتماعي، والتي تحتاج إلى طلب الدعم التقني من منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية، بما يضمن التطبيق السليم لاتفاق 30 أبريل 2022، وفعلية شعار الدولة الاجتماعية الذي يروم في جوهره، جعل المواطن ضمن الأولويات الكبرى في مسلسل الإصلاح، من خلال ترسيخ مبادئ التضامن والتكافل والتآزر الاجتماعي.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 27/04/2023