في «ديوان» دار الشعر بمراكش: أسئلة وقضايا المتخيل والتلقي الشعري والحكائي والفرجوي

احتضن مقر دار الشعر بمراكش، مساء يوم الجمعة 8 شتنبر، فقرة جديدة من برنامج «الديوان» احتفاء بإصدارات شعرية ونقدية حديثة. وقدم النقاد حسن بحراوي وصباح الدبي وأسامة الخضراوي، مداخلاتهم والتي همت أسئلة وقضايا تستقصي مواضيع: المتخيل الشعري والحكاية الشعبية وأسرار الحكواتي، ضمن فقرة جديدة من «الديوان»، والتي احتفت بإصدارات نقدية صدرت حديثا. كما شهد هذا اللقاء حوارا مفتوحا، بين النقاد وجمهور الدار، في سعي للاقتراب من أهم الأسئلة والقضايا التي شغلت الباحثين وفي تقاطع مع أسئلة النص الشعري والحكائي والفرجوي.
وأكد الناقد الدكتور حسن بحراوي، والذي مثل كتابه «بنية الشكل الروائي» مرجعا أساسيا، في وقت مبكر، للتفكير في طرائق حديثة للبحث في السرد من منظور المقاربة البنيوية، على قوة الطاقة الحكائية عند الشعوب، إلا أنه أثار فيما يشبه «وضعا مأساويا»، على أن «الحكايات الشعبية انقرضت» في إشارته لعدم القدرة على المحافظة ذاكرتنا الجماعية. الناقد والباحث حسن بحراوي، والذي ينشغل بأسئلة النقد الروائي والترجمة والأدب الشعبي والمسرح والشعر، قدم كتابيه: «حكايات شعبية مغربية»، والصادر عن منشورات ذات السلاسل الكويتية، و «سبع حكايات من ساحة جامع الفنا» والصادر عن معهد الشارقة للتراث.
وعاد الناقد بحراوي للكتابات الإثنوغرافية، وأيضا لمراحل تدوين التراث الشعبي بدء من المعهد العالي للدراسات، والذي جمع مجموعة هائلة من التراث الشعبي، خصوصا في المرحلة الكوليانية (1920-1959). كما توقف الباحث عند كتاب محكيات مراكش، والذي صدر مطلع العشرينيات من القرن الماضي، ويضم مجموعة من الحكايات الشعبية المغربية. غير أن هذا المثن الحكائي تم ترجمته الى اللغة الفرنسية، وتم حجب الأصل، مما يصعب الأمر أمام الباحثين بفعل ما تطرحه الترجمة نفسها من إشكالات. أما كتاب «سبع حكايات من ساحة جامع الفنا» فهو في الأصل حكايات رواها أحمد بنشكرة الى الكاتب الانجليزي طوني بورطون ونقلها الى الفرنسية مارتين دولاتر.
ويمثل كتاب «حكايات شعبية مغربية»، مرجعا أساسيا للباحثين ضمن  الكتاب الذي قام بجمع وتوزيع مجموعة من الحكايات الشعبية، امتحها الباحث من مرجعيات متعددة (عربية وأمازيغية وحسانية) وهو ما طبعها بالتنوع اللغوي والغنى الرمزي والدلالي، مركزا على حكايات الحيوان والحكايات العجائبية، كما عمد الباحث الى ترجمة ما كان محكيا، بغير لغة الضاد محافظا على سلاسة العبارة.
وقدمت الشاعرة والناقدة صباح الدبي، كتابها «المتخيل الشعري: المفهوم والمرجعية والرؤى»، والذي صدر لها عن منشورات دائرة الثقافة في الشارقة، بتنسيق مع دار الشعر بمراكش، وقد توقفت الباحثة والشاعرة صباح الدبي، عند أهم استقصاءات مفهوم «المتخيل الشعري» ضمن بحث هم أصوله النظرية ومرجعياته، متتبعة مسالك الرؤى القرائية في محاولة للإمساك بصيغ وتجليات مفاهيمية محددة. وتبدو أهمية هذا الكتاب، والذي يتناول مفهوم المتخيل الشعري من خلال مرجعياته ورؤاه، وأيضا في محاولة لضبط مفاهيمي، خصوصا مع حقل الشعريات ونظريات الخطاب وما تفتحه من آفاق قرائية جديدة.
ولعل بلاغة الاستقراء تكمن في ربط «المهاد النظري»، في مراجعة تقع ضمن سياق «نقد النقد»، كي تنطلق الى مستويات استقرائية ومقاربة لمتون نصية شعرية عربية. إن هذه الفاعلية والنزوع القرائي هو ما يجعل من محاور، هذه الكتاب، سعي حثيث لاستنكاه آليات وطرائق اشتغال هذا المتخيل الشعري ضمن أنماط ربط، المفهوم نفسه، بالمنجز النصي المتحقق والذات الشاعرة ووجودها الترميزي.
وركز الباحث الدكتور أسامة خضراوي، في تقديمه لكتابه «أسرار الحكواتي: جماليات الحكي وذخائر السير الشعبية»، والصادر عن منشورات الشارقة للتراث، عند أهم المرتكزات التي تحكمت في اختياره للموضوع، الى جانب ارتباطه بجماليات التلقي. إذ يمثل كتاب خضراوي جهدا معرفيا يسعى الى «تقديم صورة مبسطة لأحد تجليات جمالية التلقي لهانس روبر ياوس، وإسقاطها على ثنايا الأدب الشعبي، المتمثل في حلقة السير الشعبية التي تمثل مرآة تعكس واقع الشعوب».
كما ينطلق هذا الجهد، تحديدا، من دراسة مفاهيمية للأدب الشعبي (المصطلح والدلالة) وموضوعاته، كي يعرج على مقاربة الحلقة، بصفتها شكلا من أشكال الفرجة الشعبية، من خلال تحديد أبعادها الفرجوية وأدبياتها وجماليات الحكي، مع التوقف عند صانع الفرجة بامتياز «الحلايقي» (الحكواتي) وسردياته.
وقد ركزت الكثير من مداخلات الحضور، على هذا البعد النظري الذي تحكم في اختيار مفاهيم إجرائية خاصة بكتب الباحثين، الى جانب مساءلة «حيوات النصوص والمحكيات»، في غياب التوثيق وحضورها ضمن سياقات تعبيرية أخرى.


بتاريخ : 21/09/2023