في ذكرى رحيل عبد القادر البدوي 28 يناير 2022

 

ودعنا دون ان يلوح بيديه كما اعتدناه يفعل عند نهاية كل لقاء ، وودعناه بحسرة وشهقة تعتصرها الدموع ، عكس ما واظبنا على أن نفعل بالتصفيق والتهليل ، وبسمته البادخة تعانق بهجة فهمنا للمعنى . لحظتان فارقتان يتباين فيهما الزمن بين حمولة الحضور وزفرة الغياب ، كان في كل لقاء يحمل تباشير موعد قادم مثقل بالبهجة والكشف عما تحمله الأيام من أسرار. أحاديث مثقلة بالإيحاء لما يعيق السبيل لغدنا ويبقي على هلعنا مما تختزنه لنا الأيام. واثقا من أننا كنا نستوعب كل اشاراته وحمولة عباراته. تتفتق أساريره ويواصل العطاء. من حسن حظنا أننا صادفنه في خطواتنا الأولى لفهم بعض تفاصيل الحياة، ولنكتسب روحا دافقة العطاء ، في لحظة والوطن يخطو نحو أفق آخر يجابه تحديات الرقي في مدارج تناسب مجدنا التليد . سما اسمه علامة بوح على ما تنطوي عليه صفاقة من دبروا تفاصيل البلاد. الذين عطلوا خطونا نحو حلم يحملنا إلى منارات السمو والارتقاء ، لترفرف رايتنا وتعلن انا قادمون تعلو هاماتنا صولة مجد مفعم بالعناد. تعددت إشاراته لتحديد مكامن الاخفاق، سراديب العطب التي تشد مسيرنا إلى الوراء.
رافقناه في «انتظار القطار» فكشف لنا عن مجاهل التهميش في «العاطلون» وأعطاب الشح والتقطير في «المعلم زغلول» كما لم تكن «الهاربون» و «شجرة العائلة» فسحة للتملي في جراح الآخرين. بل رجة أخرى لنحاصر حجم الأهوال قبل أن تصير أيامنا مثقلة بالنكد وسديم الغم والأشجان.
معلمنا الذي يعتصرنا الأسى ونحن نستعيد تفاصيل ذكراه ، ظل شامخا في مدارج العزة مبتهجا بما تملكه يمناه ،لم تسبقه يده لمغانم ولا طرق أبوابا يشكو عوزا أو ارتضى ان يخطو دون أن يجلي صفاء مبتغاه ، علمنا ان الحقيقة لا تموت وان الشهامة من شيم الصادقين الوارعين ، وان العزة رداء الأوفياء الناصرين للحق ، المنافحين عن صولة البسطاء . أوصانا بالوطن خيرا وبالمسرح اب الفنون صفاء وصدقا ، وان لا نترك للعاديات صولة تتقاذفنا رجاتها يمنة ويسرى. في الحكمة كان شيخا يلفه وقار النبوغ وسعة النظر. حين التقيته آخر مرة طوقني بأمانة تحية عرفان، أرادها ان تصل ملتهبة إلى الاستاذ محمد بنسعيد أيت إيدر الذي كانت تربطه به اواصر مودة وكثير من التقدير والإعجاب ،لكل منهما عند الآخر مقام يلفه التبجيل والاحترام ، ما كان بنسعيد يذكره إلا وبسمة البهجة تعلو محياه. يوصي بأن تصله مؤلفاته مع دعواته له بالصحة وطول العمر . كان مناه أن يلتقي شبابا يؤمنهم بعض من وصاياه ، ان يبث في أعماقهم حب وطن يمتد في أعماقه من الوريد إلى الوريد. يدنيهم مما تعتمر به نفسه من آمال في تتفتح ألف زهر في مروج الابداع وخلق الطيب من الأحلام. فلروحه الطاهرة أزكى سلام.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 30/01/2023