دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في رأيه حول مشروع القانون 89.15 المؤطر للمجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي، إلى احترام تركيبة المجلس لمبدأي التعددية والتنوع التي ينبغي أن تتضمن تمثيلية مختلف القوى الاجتماعية ، ولا سيما الحركة الجمعوية و الفاعلين الشباب من الجنسين، فضلا عن الكفاءات ذات التجربة. وشدد المجلس على ضرورة احترام استقلالية المؤسسة ومراعاة معايير الخبرة والكفاءة المهنية اللازمة لضمان الفعالية، ودعا ، من ناحية أخرى، إلى احترام هذه التركيبة لمبادئ التكافؤ، والمقاربات الدامجة والاستحضار الفعلي للبعد الجهوي . لذلك يعتبر المجلس أن كل تركيبة لا تراعي هذه الاعتبارات قد تكون منقوصة النجاعة وضعيفة الفعالية..
و بالنظر إلى الدور الحيوي و الاستراتيجي للمجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي و أدواره الدستورية الجديدة ، وإسهاما من الجريدة في فتح نقاش عمومي حول هذا الموضوع ، ننشر في ما يلي المضامين الأساسية للرأي الاستشاري الذي تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضمن هذه الورقة .
شهد القطاع الجمعوي بالمغرب تطورا مهما خلال الخمس وعشرين سنة الأخيرة، سواء من الناحية الكمية أو التوزيع الجغرافي أو على مستوى حقول اشتغاله، المتمثلة عموما في المجالات التربوية والتنموية والثقافية والحقوقية والدينية وغيرها، ويفرز هذا المجال بموازاة مع تطوره، تحديات ومتطلبات تشريعية وتنظيمية ومادية من بينها: مسألة التأطير القانوني، وتخليق الممارسة وشفافية التمويل، والمساهمة في التنمية، ورفع القدرات لتجاوز ما يعتريه من انخفاض في معدل التأطير الجمعوي للسكان وتقليص الفوارق المسجلة على مستوى انتشاره المجالي، والخصاص الهيكلي الذي تعرفه موارده المالية ومحدودية قدراته اللوجيستيكية والتدبيرية والبشرية.
لقد انتقل عدد الجمعيات من حوالي 000 4 جمعية في بداية سنوات التسعينات، إلى ما يربو عن 116 ألفا و836 سنة 2014. ووصل هذا العدد إلى 130 ألف جمعية سنة 2015. يتوزع هذا النسيج بشكل متفاوت على جهات المملكة. وتعتبر جمعيات القرب ذات الإشعاع المحلي إحدى مميزاته، إذ تشكل ما نسبته 93 بالمائة من العدد الإجمالي. أما الجمعيات ذات البعد الإقليمي (الإقليم أو العمالة) فلا تتجاوز 2 في المائة منه في حين تمثل الجمعيات ذات البعد الجهوي 1 في المائة، ولا تمثل الجمعيات التي تنشط عبر فروعها على المستوى الوطني سوى 4 في المائة.
وعلى المستوى المادي، فإن أكثر من نصف الجمعيات لا تتوفر على مقر، في حين أن 29,6٪ منها تتوفر على مقر منح لها بالمجان، و11٪ تكتري مقرها و8,4٪ تتوفر على مقر في ملكها الخاص. وتشتغل جمعية واحدة من أصل خمس بميزانية سنوية لا تتعدى 5000 درهم، و جمعية من أصل ثلاث بميزانية سنوية تقل عن 10.000 درهم. ولا تتجاوز نسبة الجمعيات التي تفوق ميزانيتها السنوية 500.000 درهم 5,4٪ من الجمعيات. أما الجمعيات التي تتعدى ميزانيتها مليون درهم فإنها لا تمثل سوى 2,5٪ من مجموع الجمعيات، والحال أن مواردها المالية تمثل 63٪ من مجموع الموارد المالية لمجمل الجمعيات. وفي المقابل، فإن الجمعيات التي تقل مواردها السنوية عن 100.000 درهم تبلغ نسبتها 80٪ من مجموع الجمعيات و تتقاسم أقل من 10٪ من مجموع الموارد المالية لهذا النسيج بمجمله.
وما يمكن استخلاصه من هذه المعطيات هو أن من شأن خلق هيئة خاصة بالمجتمع المدني أن يساهم في تجاوز بعض المشاكل البنيوية، والصعوبات المادية والعوائق القانونية التي تعترضه، وأن يساعد بكيفية فعلية وفعالة على تعزيز قيام المجتمع المدني بأدواره الدستورية، خاصة منها ما يتعلق بدعم مختلف مكونات المجتمع وفئاته وتأطيرها وتمثيلها.
الشباب في المغرب.. رأسمال أساسي وطاقات واعدة
أفرزت التحولات المهمة التي يعيشها المجتمع المغربي (وهي تحولات ديموغرافية واجتماعية وسياسية وثقافية، وغيرها) فاعلا جديدا ذا أهمية خاصة في الديناميكية المجتمعية هي فئة الشباب التي تبقى، رغم اختلاف الرؤى حول تحديد مفهومها، إن على المستوى الوطني أو الدولي، من أكثر الشرائح تأثيرا في المجتمعات عموما وفي المجتمع المغربي بصفة خاصة. وللإشارة فقد حددت منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها معيار سن الانتماء إلى فئة الشباب مابين 15 و24 سنة، في حين سارت مجموعة من الدول في اتجاه اعتماد معيار من 15 إلى 29 سنة في سياساتها العمومية، كما هو الشأن بالنسبة للحكومة المغربية، خلال اشتغالها على بلورة مشروع الاستراتيجية المندمجة للشباب (2015-2030) التي صادق عليها مجلس الحكومة شهر أبريل 2014. أما على المستوى التشريعي، فقد اختار المشرع المغربي سقف 40 سنة كحد أقصى لسن الشباب حيث تم اعتماده في القانون التنظيمي لمجلس النواب.
وعلى المستوى الديمغرافي تمثل فئة الشباب من 15 الى 29 سنة نسبة 30% من مجموع سكان المغرب، أي ما يقارب 8.4 ملايين شاب وشابة. وبالإضافة إلى العامل الديموغرافي، هناك مؤشرات أخرى تميز وضعية الشباب داخل المجتمع، حيث تسجل أعلى معدلات البطالة لدى فئة الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و 24 سنة، إذ تصل هذه النسبة الى 29.3%. كما أن 50 % من شباب ما بين 15 و24 سنة، أي ما يقارب 4.3 ملايين شاب وشابة ، لا يلجون سوق الشغل ومنظومة التعليم و التكوين.
من جهة ثانية، فقد أضحت هذه الفئة متميزة، بكونها أكثر إقبالا على التعلم بشكل مضطرد، وأكثر استقرارا في المدن وانفتاحا على العالم من خلال وسائل الاعلام والاتصال الحديثة التي تتيح لها امكانية المقارنة بين ما تعيشه في واقعها من صعوبات وعوائق، وما يعيشه الشباب في بلدان أخرى خاصة في ما يتعلق بالولوج الى الحقوق الأساسية.
وقد لعب هذا الفاعل الجديد، أي الشباب، دورا محوريا في جل الحركات الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة باختلاف أشكالها وطرق تعبيرها، حيث كان له دور تأطيري، من خلال أشكال جديدة من التعبير عبر شبكات افتراضية يسهل التواصل داخلها بواسطة الوسائل الحديثة للإعلام والاتصال (التلفون والأنترنت والشبكات الاجتماعية الافتراضية). وبالتالي، فإن هناك الآن شبابا ذا وعي سياسي، وحاملا لمطالب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يعبر عنها دون اللجوء إلى مؤسسات الوساطة المألوفة مثل الأحزاب والجمعيات والنقابات. فهذا الواقع الجديد يطرح تحديات جديدة ويسائل مجمل المؤسسات حول طريقة تنظيمها واشتغالها.
إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو يثمن عاليا إقدام مجلس المستشارين على طلب رأيه الاستشاري بخصوص هذا المشروع الهام، وإن كان لا يزال مقتنعا بجدوى وأهمية وراهنية مطلب إحداث مجلسين منفصلين أحدهما للشباب و الثاني للعمل الجمعوي، فإنه في ذات الآن يقدر ويحترم اختيار المشرع الذي استقر رأيه على إحداث مجلس واحد يضم المجالين، وتبعا لذلك ومساهمة منه في تجويد بعض المقتضيات الواردة في مشروع القانون رقم 89.15، فإنه يبدي بملاحظاته وتوصياته التالية:
ملاحظات عامة حول مشروع قانون رقم89.15
صلاحيات المجلس
لم يقف مشروع القانون عند مفهوم الشباب والفئات العمرية التي تندرج ضمن خانته؛ و يلاحظ أن مشروع القانون اكتفى بالإشارة الى الاستقلالية المالية للمجلس ولم يشر إلى الطابع التعددي.
كما يلاحظ أن إمكانية الإحالة الذاتية (أو التصدي التلقائي) من قبل المجلس غير منصوص عليها بصريح العبارة، مما يحمل على استنتاج أن المجلس ينتظر طلب رأيه، وأنه لا يبادر تلقائيا إلى إبداء رأيه في حالة عدم تلقيه طلبا من الجهات ذات الاختصاص؛ و لم يتوسع مشروع القانون في صلاحيات المجلس المتعلقة بالمساهمة في التحسيس والتربية على القيم و بتعزيز القدرات؛ كما لم تتعد الصلاحيات المخولة للمجلس في علاقة مع السياسات العمومية: “المساهمة في إغناء النقاش العمومي” حولها؛ و يلاحظ أن التقرير السنوي المنصوص عليه في مشروع القانون يقتصر فقط على أعمال المجلس، دون أي إشارة إلى التقرير الذي يهم مجالي عمل المجلس، أي مجال الشباب ومجال العمل الجمعوي؛ هذا إلى جانب تغييب صلاحية المجلس في معالجة وضعية الجمعيات التي تصادف بعض العوائق في ما يخص الحصول على الأهلية القانونية، أو حرية ممارسة أنشطتها وفقا لأحكام الدستور والقوانين الجاري بها العمل.
تأليف المجلس :
باستثناء بعض المعايير المرتبطة بالتجربة والكفاءة، يلاحظ أن الشروط المطلوبة لعضوية المجلس، لا تحدد بمعايير مضبوطة ومحددة (النوع، السن، التمثيلية الجهوية.. الخ.) يمكن الاحتكام إليها لبلوغ الأهداف المرجوة من إحداث هذا المجلس؛ و ينص مشروع القانون على عضوية ستة مدراء مركزيين من أصل 30 عضوا ، أي ما يشكل 20 في المائة من مجموع الأعضاء، وهو ما قد يؤثر على استقلالية المجلس، والمكرسة بقرار للمجلس الدستوري رقم 829/12 الصادر بتاريخ 04 فبراير 2012؛
كما اقتصرت حالات التنافي الواردة في المشروع على العضوية في الحكومة أو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي، أو في إحدى المؤسسات الدستورية المنصوص عليها في الفصول من 161 الى 170 من الدستور. وقد كان من الأولى توسيع نطاقها لتشمل جميع الوضعيات التي قد يترتب عنها تضارب مصالح أو مس باستقلالية القرار.
أجهزة المجلس :
يلاحظ غياب البعد الجهوي لعمل المجلس؛ إلى عدم التنصيص على إمكانية خلق لجن مؤقتة أو موضوعاتية عند الاقتضاء. كما لوحظ غياب أي تحديد لمدة انتداب الأمين العام.
توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان:
ضرورة التنصيص على الطابع التعددي و المستقل للمجلس ؛مع وجوب بلورة تعريف إجرائي للشباب، من أجل تحديد أدق للفئة التي ستكون موضوع اشتغال المجلس. وفي هذا الصدد يقترح المجلس الوطني لحقوق الانسان أن يشمل مفهوم الشباب الفئات العمرية المندرجة بين 15 سنة كحد أدنى (انسجاما مع تحديد بداية سن الشباب من لدن هيئة الأمم المتحدة) و40 سنة كحد أقصى (باعتباره الحد الأقصى للتمثيلية الشبابية المعتمد من قبل المشرع المغربي في القانون التنظيمي لمجلس النواب) بالإضافة إلى التنصيص الصريح في المادة الثانية من القانون على صلاحية التصدي التلقائي، توخيا للدقة وتلافيا لكل فهم ضيق لمقتضى النص؛ مع إضافة صلاحية جديدة تتعلق بأهلية المجلس في إبداء الرأي في مجالات عمل مجالس الجهات ذات الصلة باهتماماته؛ وكذا صلاحية جديدة تتعلق بالمساهمة في التربية على المواطنة وتعزيز المشاركة المدنية للشباب؛ وأخرى ضمن صلاحيات المجلس تتعلق بمنح جائزة وطنية في مجال الشباب وأخرى في مجال العمل الجمعوي ؛
مراجعة الصلاحية المتعلقة بالمساهمة في إثراء النقاش العمومي حول السياسات العمومية في ميادين الشباب و العمل الجمعوي، على أساس أن تشمل بصريح العبارة المساهمة في بلورة السياسات العمومية وتتبعها وتقييمها في ميادين الشباب و العمل الجمعوي؛
جعل المجلس آلية للانصاف في ما يخص حرية الجمعيات، بما في ذلك تلقي الشكايات ومعالجتها، وفقا للدستور والقوانين الجاري بها العمل، وتضمين المعطيات المتعلقة بالحق في تأسيس الجمعيات وحرية ممارسة أنشطتها ضمن التقرير السنوي للمجلس؛
تقليص عدد ممثلي السلطات الحكومية في المجلس، والتنصيص، في إطار تعزيز استقلالية المجلس، على أنهم أعضاء فيه بصفة ملاحظين، وعلى أنهم لا يشاركون في التصويت؛
تدقيق الشروط والمواصفات الواجب توفرها في العضوية للمجلس بالنسبة للهيأتين: يقترح أن يكون مبدأ المناصفة والنوع مبدأ عرضانيا سواء بالنسبة للشباب أو بالنسبة للعمل الجمعوي، إضافة إلى المعايير التالية:
بالنسبة للشباب : استحضار مبدأ التنوع والتعددية الثقافية واللغوية والمجالية (قروي، حضري)؛مع تغطية المجالات الأساسية في اهتمامات الشباب.
بالنسبة للعمل الجمعوي: استحضار مبدأ التوازن في مجالات اشتغال المرشحين؛ وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة؛ مع التأكيد على انفتاح على الفاعلين الجمعويين في المجالات الجديدة (جمعيات الأحياء، الجمعيات القروية، الجمعيات الفنية، جمعيات المهاجرين، جمعيات مشجعي الفرق الرياضية…)؛ و إضافة العضوية في مجلسي البرلمان والسلطة القضائية باعتبارها من حالات التنافي؛ و تحديد مدة انتداب الأمين العام في خمس سنوات إسوة بمدة انتداب الرئيس والأعضاء؛
إحداث لجن جهوية للمجلس يختار أعضاؤها من بين أعضاء الهيئات الاستشارية المحدثة بالمجالس الجهوية وفقا للقانون التنظيمي 114.14 المتعلق بالجهات؛مع التنصيص على إمكانية خلق لجان عمل مؤقتة أو موضوعاتية حسب الحاجة .