في رحاب القصر الملكي : استقبال المنتخب الوطني من محمد الخامس 1959 إلى محمد السادس 2022

استقبل جلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، يوم الثلاثاء الأخير، بقاعة العرش بالقصر الملكي بالرباط، أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم، بعد أدائهم المتميز في كأس العالم (فيفا) – قطر 2022.
وخلال هذا الحفل وشح الملك رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، ومدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي، واللاعبين الذين كانوا مرفوقين بأمهاتهم، بأوسمة ملكية.
إثر ذلك أخذت للملك، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، صورة تذكارية مع أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم وأمهات اللاعبين الحاضرات. وبهذه المناسبة، قدم أعضاء الفريق الوطني تذكارات للملك محمد السادس تعبيرا عن امتنانهم للعاهل المغربي على الدعم الذي قدمه لهم طيلة أطوار هذه المنافسة العالمية.
ويعكس هذا الاستقبال العناية السامية التي ما فتئ الملك يحيط بها الشباب، والاهتمام الخاص الذي يوليه لقطاع الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا؛ ويأتي إثر الإنجاز التاريخي وغير المسبوق الذي حققه المنتخب الوطني الذي تمكن من بلوغ الدور نصف النهائي، في أول وأبهى تألق من نوعه لكرة القدم المغربية والعربية والإفريقية في نهائيات هذه التظاهرة الرياضية العالمية.
أكيد لم يكن استقبال جلالة الملك لأعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم،الثلاثاء الأخير، الأول من نوعه يخصصه ملك البلاد لفئة من الرياضيين، فقد سبقته لقاءات كثيرة ولج فيها الرياضيون رحاب القصر الملكي وحظيوا باستقبال ملكي.
وتسجل صفحات التاريخ المغربي في هذا السياق، أن العلاقة بين العائلة الملكية والعائلة الرياضية تميزت دائما بروابط قويةومتجذرة منذ زمن بعيد.. في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، كما في عهد الملك محمد السادس، تمتع الرياضيون بكل الحظوة لدى القصر الملكي.. كثير منهم تحسنت وضعيتهم الاجتماعية بفضل تدخل ملكي، وعدد منهم جالس الملك، تحدث مع جلالته مباشرة، ومنهم من وُضع اسمه في خانة “أصدقاء الملك”، يتم استدعاؤهم في المناسبات الرسمية، وفي الجلسات الخاصة، ويشاركون الملك في نشاطاته الرياضية الترفيهية..


في كتاب ” رياضيون في حضرة الملك”،يحكي الرياضيون الذين عاشوا في الحقبة التي حكم فيها السلطان محمد الخامس، كيف كان ملك المغرب، قبل وبعد عهد الحماية الفرنسية، حاضرا مدعما للوسط الرياضي. يحكون عن مواقف عديدة ظهر فيها محمد الخامس نصيرا للرياضيين، مدعما لمختلف الأنشطةالتي كانت تنظم عبر كل مناطق المغرب. كثير من رموز الرياضة الذين عاشوا تلك الحقبة من حكم محمد الخامس، يؤكدون أن حاكم المغرب كان يتدخل شخصيا في المجال الرياضي بدافع، أولا عشقه للرياضة،وثانيا لاقتناعه بقيمة الرياضة وما يمكن أن تلعبه من دور إيجابي على مستوى الرفع من روح الانتماء للوطن وكذا لإسهامها في توحيد قلوب المغاربة، وأيضا لما يمكن أن تلعبه من دور وقائي لصحتهم وسلامتهم الجسدية.
الذاكرة الرياضية تحتفظ لمحمد الخامس بصورته سنة 1959، وهو يستقبل أعضاء المنتخب المغربي لكرة القدم قبل توجّههم إلى العاصمة اللبنانية بيروت للمشاركة في أول بطولة عربية.
محمد الخامس، وكما يؤكد المؤرخون، وكما جاء في كتابات مجموعة من الزملاء تناولوا موضوع علاقة ملوك المغرب بالرياضة،ارتبط بعالم الرياضة، ممارسا وعاشقا ومهتما بتطويرها ومنحها المكانة التي تستحقها. كما كان مقتنعا أن الرياضة ممكن أن تلعب دورا هاما في ترسيخ الوجود المغربي ورفع الحس الوطني والإسهام في مقاومة الاحتلال.
في هذا الإطار، يحكي التاريخ كيف تدخل الملك محمد الخامس شخصيا وبشكل مباشر أو غير مباشر في دعم إنشاء وخلق مجموعة من الجمعيات الرياضية التي كانت تضم بين صفوفها رجالا مناضلين وطنيين مدركا أن الرياضة ممكن أن تلعب دورا هاما في توطيد علاقات المغاربة فيما بينهم، وتجعلهم كثلة واحدة بما تثيره في نفس ممارسها من قيم التآزر والتكافل وما تخلق فيه من روح المثابرة
والحماس والرغبة في تحقيق الانتصارات.ولم يكن ملك البلاد، بالرغم من وجود المستعمر ورقابته، يخفي مؤازرته للأندية المغربية خاصة في كرة القدم خلال مواجهاتها لأندية فرنسية، وكم من صور فوتوغرافية ماتزال حية وشاهدة على حضور جلالته في مدرجات الملاعب لتشجيع الوداد البيضاوي مثلا وغيره من الفرق في الرباط أو في مدن أخرى. مع حصول المملكة على استقلالها عام 1956. كانت البداية مع الراحل محمد الخامس وتطوّر الأمر مع الملك الراحل الحسن الثاني، ثم الملك محمد السادس. توزّع اهتمام أعلى سلطة في المغرب، ألا وهي الملك، بالرياضة بين الممارسة والمتابعة والتأطير، وكان لقب “الرياضي الأول”، الذي كان يطلق على الراحل الحسن الثاني وحالياً على الملك محمد السادس، يحمل مدلولاً عميقاً على مكانة الرياضة لدى المؤسسة الملكية.
كان الحسن الثاني مولعاً بالرياضة،فكان يهوى ركوب الخيل والغولف وكرة القدم. كما كان حريصاً على متابعة الأحداث الرياضية المهمة. ففي عهده، احتضن المغرب الألعاب المتوسطية عام 1983 والألعاب العربية عام 1985 وكأس إفريقيا للأمم عام 1988 . وفي عهده، حققت الرياضة المغربية إنجازات خالدة، كانت أبرزها إحراز المنتخب المغربي لكأس إفريقيا للأمم سنة 1976 ، وبلوغ “أسود الأطلس” الدور الثاني لمونديال مكسيكو عام 1986 كأول بلد عربي وإسلامي وإفريقي يتجاوز هذا الدور. لكن يبقى الإنجاز الأبرز الذي منحه الراحل اهتماماً أكبر هو تتويج العدّاءيْن سعيد عويطة ونوال المتوكل بالذهب في أولمبياد لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1984 ، وما رافق ذلك من احتفالات شعبية والاستقبال الكبير الذي خصه الحسن الثاني للبطلين الأولمبيين ودخول جلالته برفقتهما إلى مركب محمد الخامس بمدينة الدارالبيضاء وسط الآلاف من الجماهير التي ملئت مدرجات الملعب، بمناسبة نهاية كأس العرش التي جمعت بين الرجاء البيضاوي وجمعية الحليب.

في عهد الحسن الثاني، ترشّح المغرب مرتين لاحتضان مونديال كرة القدم لدورتي 94 و 98.
عرف عن الملك الراحل الحسن الثاني اهتمامه الشديد بموضوع الرياضة كقاطرة لتحقيق التنمية المحلية، وقد ترجم ذلك في مناسبات عدة وفي بعض خطبه. ففي 1965 فاجأ الحسن الثاني المشاركين في المناظرة الوطنية الأولى حول الرياضة التي نظمت في مارس بمدينة مراكش، إذ لم يكن حضوره وإلقاؤه كلمة بالمناسبة ضمن البرنامج.
وعلى الرغم من أنه وجّه الرسالة في ندوة تناقش موضوع الرياضة على الصعيد الوطني، ركّز جزءٌ من الخطبة على ضرورة اهتمام الأقاليم والبلديات بموضوع الرياضة من خلال تجهيز الملاعب والبنيات التحتية الرياضية.
بعد مضي ثماني سنوات على مناظرة مراكش، دعا الملك الحسن الثاني في خطاب ملكي وجهه بمناسبة لقاء مع عمال الأقاليم يوم 31 يناير ودعا فيه إلى توفير الإمكانات الضرورية لبناء الملاعب وتأسيس الأندية الرياضية والثقافية والمدارس.
كما عرف عن الراحل الحسن الثاني عدم تردده في التدخل في اختيار تشكيلة لاعبي الفريق الوطني، ما يؤكد قربه ودرايته أولا بكرة
القدم المغربية، ومعرفته الواسعة، ثانيا، بخبايا المنتخب الوطني بشكل خاص وكرة القدم المغربية بشكل عام.
عشق الحسن الثاني لكرة القدم جعله يعلن يوم عودة المنتخب الوطني الفائز بكأس إفريقيا للأمم 1976، إلى أرض الوطن، يوم عطلة، من أجل أن يخرج الكل لتحيته، ورؤية تلويحات النصر.
وكان للراحل الحسن الثاني عشق خاص بكرة القدم، التي اعتبرها دائما قضية وطنية مثل أي قضية تتعلق بالأمة.
في 1998،استقبل الحسن الثاني الفريق الوطني بعد الأداء المتميز له في مونديال فرنسا 1998.


في عهد الملك محمد السادس، لم تحظَ الرياضة بالاهتمام والمتابعة فحسب، بل تجاوزتهما إلى البعث برسائل شكّلت خارطة الطريق لتأهيل الشأن الرياضي على مختلف المستويات، أبرزها الشق القانوني. تمّت دسترة الحق في الرياضة للمرة الأولى في تاريخ المملكة. تناول الدستور المغربي لعام 2011 موضوع الرياضة والشباب في ثلاثة فصول، هي 26و 31 و 33 معتبراً إياه حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان.
لقد عُرف عن الملك محمد السادس منذ أن كان ولياً للعهد، اهتمامه بممارسة الرياضة لا سيما رياضة الجيت سكي والفنون الحربية والغطس وركوب الخيل.
عدد من نجوم كرة القدم الوطنية يحكون عن ” علاقات صداقة” ربطتهم بملك البلاد، وكيف يسهر جلالته على السؤال عن أحوالهم والتدخل في كثير من المناسبات من أجل مساعدة المحتاجين منهم أو لفك أزمة البعض منهم. ويضيف نجوم الكرة والرياضة بشكل عام أن الملك محمد السادس يفاجئ المحيطين به في مرات عديدة وهو يسأل عن اسم من أسماء الرياضة الوطنية، ويطلب بالعمل على الاطلاع على أحواله الاجتماعية والصحية. ولن ينسى في هذا الباب، أحمد فرس أسطورة الكرة المغربية، يوم تلقى اتصالا هاتفيا من جلال الملك محمد السادس يخبره من خلاله أنه سيعمل شخصيا ومن ماله الخاص على فك أزمة عميد المنتخب المغربي السابق مع مصالح الضرائب التي كانت تهدده بانتزاع ملكية سكناه.
عدد كبير من الرياضيين يحكون كيف استقبلهم جلالة الملك محمد السادس في رحاب القصر الملكي، وكيف ظهر في لقاءاته معهم ملما ومتتبعا لكل أخبار الرياضة الوطنية وعارفا بأوضاع الرياضيين. كما أكد العديد منهم على تمتعهم بكل الحظوة لدى القصر الملكي..وقالوا إن كثير منهم تحسنت وضعيتهم الاجتماعية بفضل تدخل ملكي، وعدد منهم جالس الملك، تحدث مع جلالته مباشرة.
ملك رياضي بمعنى الكلمة، هكذا وصف أحد الرياضيين البارزين في الساحة الوطنية جلالة الملك محمد السادس، حيث قال: الملك محمد السادس يملك مواهب متعددة، إنه بارع في القيام ببعض الرياضات الصعبة مثل التزحلق على الجليد والغطس وركوب الخيل وغيرها من الرياضات هذا إلى جانب حرص جلالته على تفقد أحوال الرياضيين والعطف عليهم.
ويظل أهم ما ميز علاقة الملك محمد السادس بالرياضة تلك المبادرات التي التي قام بها وتلك الإجراءات الهامة التي اتخذها من أجل دعم الرياضة المغربية وتشجيع رياضييها على الاجتهاد. في هذا السياق،لن ينس الرياضيون كيف بادر جلالته إلى ضخ مبلغ كبير من ماله الخاص قيمته 33 مليار سنتيما وضعه رهن إشارة اللجنة الوطنية الأولمبية من أجل توفير أفضل الشروط لإعداد الرياضيين للألعاب الأولمبية، وكيف أعطى أوامره بتخصيص ما يقارب 25 مليار سنتيما لدعم ميزانية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وكيف وضع استراتيجية تطوير الرياضة الوطنية من خلال الرسالة الملكية التي وجهها للمناظرة الوطنية للرياضة سنة 2008 . كما سيسجل التاريخ ذلك المضمون الهام الذي حملته رسالة جلالته للمؤتمر العام للاتحاد الافريقي لألعاب القوى الذي احتضنته مدينة الصخيرات بالمغرب سنة 2017.
سيشكل الاستقبال الملكي لأعضاء المنتخب الوطني المتألق في مونديال قطر 2022، محطة أخرى تؤكد بالملموس الرعاية السامية لجلالة الملك للرياضة الوطنية، كما ستشكل عاملا محفزا للرياضيين المغاربة من أجل بذل الجهد ليكونوا في مستوى نيل حظوة الولوج إلى القصر الملكي والمثول في حضرة جلالة الملك.


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 24/12/2022