في ظلال أرز إفران* -06- نسوية أبي نواس

 

النقاش لا يكون دوما بهذه الجدية؛ وبما أني رويت أنه خلال حفل 20 غشت، الذي يخلد ذكرى ترحيل العائلة الملكية إلى المنفى، كان الجمهور متحمسا، غير أن أغلبيته نساء، صرخ الحسن الثاني: «في المغرب، كما في بقية العالم المتحضر، للنساء أهمية كبيرة. إنهن هن اللواتي يقدن أزواجهن. فهل تعرفون حكاية هارون الرشيد وأبي نواس؟
يشرع جلالته في حكاية النقاش الذي دار أحد الأيام في بغداد حول السلطة النسبية للرجل والمرأة في صميم الحياة الأسرية.
زعم هارون الرشيد أن الرجل هو الذي يحكم داخل البيت، ورأى الشاعر أبو نواس أن المرأة هي التي تحكم.
وفي أفق حسم هذا الخلاف، تقرر أن يذهب الشاعر لإنجاز تحقيق عبر ربوع الإمبراطورية الإسلامية وتقييد جميع البيوت التي يحكمها الرجال، وتلك التي تحكمها النساء. وقد وعد السلطان أبا نواس بأن أي زوج مقتنع بالخوف من زوجته، سيعطي حمارا للمحقق.
بعد شهر أو شهرين، تم الإعلان عن عودة أبي نواس إلى بغداد كي يقدم تقريره بين يدي هارون الرشيد. كان السلطان وحاشيته متلهفين لمعرفة نتائج التحقيق. ولم تكن زبيدة المدللة الجميلة أقل فضولا. وطالما يمتنع حضورها وسط جماعة الرجال، تسترت خلف ستار، كي تسترق السمع لكل ما يروج ويدور دون أن يراها أحد.
غير أن لحظة قلق أعقبت هذا التشويق؛ إذ إن حرس المدينة أبصر، من أعلى الأسوار، سحابة في الأفق سريعة النمو. هل هو جيش من الأعداء يهاجم على حين غرة؟ وهل هي عربات العدو تثير عمود النقع والغبار؟
لكن، سرعان ما تبدد هذا القلق؛ إذ ظهر أبو نواس عائدا رفقة قطيع من الحمير. استقبله السلطان في الحين، وأخذ الشاعر يحكي رحلته؛ فقد اكتشف في عموم الإمبراطورية، ما خلا بعض الاستثناءات القليلة، أسرا يطيع فيها الرجل المرأة ولا تخضع المرأة لهيمنة الرجل. ولذلك، عاد بهذا القطيع الضخم من الحمير الذي وهبه له أشباه الرجال.
ومن جهة أخرى، أضاف الخبيث أبو نواس: استمتعت أثناء تحقيقي باستجواب الكثير من النساء الجميلات، بل حالفني الحظ أن ألمح داخل حريم عذراء ياقوتة اليواقيت. لها خصر مثل الكرمة، بيضاء مثل الحليب وأسنانها مثل عقد اللؤلؤ. وعيناها تضرمان النار في قلب من سعد بإبصارها.
وبينما أبو نواس يصف للسلطان مفاتن الجوهرة التي اكتشفها في الإقليم، أكل الغضب والغيرة قلب زبيدة، فانفعلت وجعلت الستار يتماوج. لاحظ هارون الرشيد ذلك، فمال نحو الشاعر هامسا: «تحدث بصوت خفيض يا صديقي».
حينها، أجاب نواس، جلالته ستهديني حمارين…
روى الملك هذه الحكاية العربية رواية لامعة؛ إذ وردت على لسانه أشد هزلا بحيث لا تمكن مجاراته في روايتها. وأثناء حفل الغداء، ظلت الحكايات الهزلية تتناوب مع النقاشات الجادة في شأن مسائل الراهن. كان الوزير مولاي أحمد العلوي مفعما حيوية. أما السيد أحمد بلافريج، الذي بدأ متميزا ومتفكرا، فكان يتدخل في النقاش حين يكون الأمر جديا، أي حين يتعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد – وهو ما كان الملك يعتذر عنه بتأدب متألق، خشية أن يفرض على ضيوفه حوارا مرهقا أثناء الوجبة التي تشكل لحظة الاستراحة خلال يوم من العمل، لحظة استرخاء بين مجلس الوزراء صباحا وجلسات اللجان والاستماع بعد الزوال.


الكاتب : n ترجمة د. عبد الجليل بن محمد الأزدي

  

بتاريخ : 21/03/2025