في الصباح الباكر من اليوم ما قبل الأخير من شهر دجنبر 2024 استفاقت ساكنة دوار العمامرة والنواحي على صوت محركات قوية لجرافات ضخمة وهي تزحف نحو منطقة آهلة بسكان بسطاء كانوا ينعمون بحياة بسيطة وعادية لكنها هادئة.
«فيلق» الهدم
كانت الجرافات تنتهك حرمة المكان الآمن في جنح الظلام، وعندما وصلت إلى المكان الذي تم إرسالها إليه كان الإنزال الكثيف والمتنوع للقوات العمومية قد وصل هو الآخر، واصطفت مركباته بنظام وانتظام بجانب ملعب القرب، تنتظر أمر التدخل لكبح كل شغب رياضي، عفوا كل مقاومة في وجه محاولات التصدي لهدم مساكن، تقول السلطات إن أصحابها عبروا عن رغبة في ذلك ومن تلقاء أنفسهم من اجل إن ينالوا بعد ذلك، بفخر أو بمذلة ، شيكات الهدم ومقابل قبوله.
في هذا الإطار حري بنا أن نقول إن النزول الميداني والقوي للسلطات كان دون مبرر قانوني على اعتبار أن لا احد من المسئولين الذي نزلوا الساحة استطاع، رغم إلحاح الساكنة الشديد، أن يقدم وثيقة واحدة رسمية في موضوع تفويت الأرض واقتلاع المساكن بأصحابها.
لقد نظمت السلطات سباقا لهدم المساكن بمحض الإرادة ( زعما لا يد للسلطات في هذا الأمر؟ ) ، ولان الهدف من تنظيم هذا السباق هو تسريع وتيرة الهدم لتقديم عقار الرسم 4021 د على طبق من ذهب مرصع بعبارة ارض عارية وخالية من السكان، ويعلم الله وحده ساعتها قيمة تفويت المتر مربع للمستثمر أو المستثمرين الوافدين من داخل الوطن أو من خارجه، أما الخاسر الأكبر في هذه النازلة هي السلالات الثلاثة صاحبة الأرض ( العمامرة والعبدالسلاميين والعيايسة ) التي كانت تستغل العقار منذ زمن بعيد، فقد روجوا لمراجعة السعر الذي أصبح 200 درهم للم2 بعدما كان الاقتراح الأول 130 درهم للم2 في ضرب سافر للقوانين الاقتصادية والأثمان المرجعية للمنطقة وأسعار أراضي الجوار .
«درونات» لاحتساب التعويض
من غرائب وعجائب وحتى طرائف ملف تفويت ال70 هكتار (قالوا بالمراضاة بالنيابة مع نواب جماعيين مطعون في شرعيتهم) من العقار 4021/ د أن السلطة، وفي لقاء تواصلي مع الساكنة، قدمت بعض مكونات العرض المالي لتعويض المساكن التي سيتم هدمها ولم تتمكن الساكنة بعد من فك طلاسمه وخوارزمياته لاعتماده تعبيرات جزافية لم تنجزها لجنة تقنية للمعاينة والتقييم موكول لها القيام بمهمة انجاز محاضر بالصور والأرقام والقياسات والتعرف على مواد البناء، التي تم استعمالها كنوعية الأجور، والصباغة، والزليج، والرخام، والجبص، والدواليب، والواقيات الحديدية، والأشجار المثمرة، وغير المثمرة، والآبار، وبيوت المضخات، ومراب السيارات….
في غياب نزول ميداني لمثل هذه اللجان التي تبقى محاضرها بطبيعة الحال قابلة للطعن في غياب رأي مطابق لصاحب المسكن، يبقى الاعتقاد السائد بأنه كان للمسيرات أي الدرونات، الدور الأساسي والحاسم في اعتماد قياسات فوقية أي مأخوذة من السماء وصور عن المواد المستعملة في بناء الأسطح.
ويبقى لأمر اللجوء إلى المسيرات محدودية كبيرة جدا على اعتبار أنها أي الدرونات لا تستطيع مثلا معرفة المكونات غير المرئية كداخل المنازل وعمق الآبار ( حيث حددت السلطات عمق 70 متر كمرجع للتعويض)، وحدود الملكية بين الجيران والأقارب، وملكية الأشجار المثمرة وغير المثمرة التي يبقى صاحبها مجهولا، حتى وإن رصدتها كاميرات المسيرات وبالتالي على من سيتم احتسابها.
إنه العبث بكل تجلياته : كيف سيتم إنصاف الساكنة وهي التي سيتم اقتلاعها من مساكنها التي استقرت فيها منذ زمن طويل ومارست فيها أنشطة الفلاحة عبر الزراعة وتربية المواشي ؟
ترهيب متواصل
إن مسلسل الرعب والترهيب والاعتداء المادي على ملك الغير لا زال مستمرا من طرف السلطة المحلية التي بدأت في نشر لغة التهديد والوعيد والقول جهرا وأمام الملأ، على لسان أحد مسؤوليها، أنها أي السلطة لا تحتاج إلى تقديم الوثائق لأنها هي الوثائق، وكأننا نعيش في رقعة يحكمها قانون الغابة وليست بجزء لا يتجزأ من دولة القانون. ونهمس في أذن هذا المسؤول هل سيادتكم تمارس مهماتها دون وثائق إدارية كقرار التعيين أو الانتقال مثلا ؟
وأضاف أحد مسؤولي عمالة إقليم النواصر في تصريح أمام العديد من ذوي الحقوق إن عملية الهدم والتهجير ستستمر حتى آخر فصل من فصول العملية، وإذا لم تتمكن القوات العمومية اليوم من تأمين هذه المهمة فإننا سنستعين ب 900 فرد إضافي من القوات العمومية إن تطلب الأمر ذلك، وكأن السلطة كانت في مواجهة جيش نظامي أو ميليشيات إرهابية.
في القرن الواحد والعشرين لا زالت تتكلم السلطة بهذه اللغة وهذه الحكرة وهذه النظرة الدونية، في الوقت الذي أصبح فيه الحق في السكن من الحقوق الأساسية الواجب على الدولة ضمانه وتوفيره لمن لا يتوفر عليه بدل نزعه من أصحابه وإخراجهم منه وإلحاقهم قسرا بجيش المشردين.
ورغم مرور أكثر من نصف شهر على أول عملية هدم طالت مساكن الراغبين في ذلك فانه لحد الساعة لم يتمكن أي واحد منهم من سحب الشيك الموعود وانطبق عليهم مثل « لا ديدي لا حب الملوك» أو « لا حمار لا سبعة فرنك» وللحديث بقية…