في ظل الشعور العام بفقدان الثقة في قدرة الحكومة على كبح الغلاء .. التضخم السنوي يرتفع بـ0,4% والمعيش اليومي للمغاربة يزداد اختناقا

منذ تولي الحكومة الحالية مهامها في خريف 2021، والمغاربة يرزحون تحت وطأة غلاء فاحش طال مختلف مناحي حياتهم اليومية، دون أن تلوح في الأفق بوادر لانفراج قريب. فالأسعار تتصاعد بوتيرة صامتة، والقوة الشرائية تتآكل من دون تعويض، بينما تكتفي الحكومة بخطابات التطمين ووعود الإصلاح التي لم تجد طريقها إلى جيوب المواطنين. في هذا السياق، يأتي الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك لشهر ماي 2025 ليؤكد استمرار الضغط التضخمي، إذ سجل ارتفاعا سنويا بنسبة 0,4%، وهو ما يعكس المسار التصاعدي لكلفة المعيشة، خلافا للانخفاض الطفيف الشهري الذي لا يحمل أي دلالة بنيوية أو تحسن مستدام.
فحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، ارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال سنة بنسبة 0,5%، فيما ارتفعت أسعار المواد غير الغذائية ب 0,3%. وهذه الأرقام، وإن بدت متواضعة، فإنها تخفي تباينات داخلية صارخة بين أقسام المواد، إذ شهدت أسعار خدمات المطاعم والفنادق على سبيل المثال ارتفاعا قويا بنسبة 3,9%، بينما تراجعت أسعار النقل ب 4,3%، ما ساهم في تخفيف المعدل العام للتضخم، دون أن يعكس هذا التراجع أثرا حقيقيا على جيوب المواطنين. ويكشف المؤشر كذلك عن ارتفاع التضخم الأساسي – الذي يستثني المواد ذات الأسعار المتقلبة والمواد المحددة الأسعار – بنسبة 1,1% مقارنة مع ماي 2024، ما يدل على استمرار الغلاء في المواد والخدمات الأساسية التي تمس بشكل مباشر معيش المواطنين، كالإيجارات، والنقل الحضري، والتعليم، والرعاية الصحية. فحتى في ظل الحديث عن «انخفاض شهري» في الأسعار، تبقى دينامية الغلاء قائمة على امتداد السنة، بل تزداد استفحالا بفعل الصمت السياسي والجمود في تدبير السياسات العمومية.
وعلى المستوى المجالي، سجلت مدن مثل كلميم (2,9%) وفاس (2,2%) والقنيطرة (2,1%) نسب ارتفاع قوية في الرقم الاستدلالي خلال الخمسة أشهر الأولى من 2025، ما يعكس تمركز الضغوط التضخمية بشكل متفاوت بين الجهات، ويطرح علامات استفهام حول العدالة المجالية في التدخلات العمومية. فبينما تشهد بعض المدن تراجعات طفيفة بفعل ظرفيات السوق، تتعرض مناطق أخرى لموجات متتالية من ارتفاع الأسعار دون حماية أو آليات تخفيف ناجعة.
وإذا ما انتقلنا إلى تحليل مكونات سلة الاستهلاك، نجد أن المواد الغذائية الأساسية – التي تشكل النسبة الأكبر من نفقات الأسر ذات الدخل المحدود – لم تسلم بدورها من الارتفاع السنوي، رغم ما سجلته من انخفاض شهري مؤقت. فقد ارتفعت أسعار الخبز والحبوب، ومشتقات الحليب، واللحوم، والزيوت، بنسب متفاوتة على مدى السنة، ما جعل الغذاء يتحول إلى عبء ثقيل على ميزانية الأسر.
في المقابل، لا تزال الأجور راكدة، دون مراجعات تواكب وتيرة التضخم، في ظل تعثر الحوار الاجتماعي، وتراجع القيمة الحقيقية للرواتب، واتساع رقعة القطاع غير المهيكل. وهو ما يعمق الشعور العام بفقدان الثقة في قدرة الحكومة على كبح الغلاء أو توفير حماية اجتماعية حقيقية. فالطبقة الوسطى لم تعد قادرة على الصمود، والفئات الهشة تغرق في دوامة الديون، بينما تستمر الحكومة في تبرير عجزها بمعطيات ظرفية مرتبطة بالسوق الدولية، دون أن تقدم بدائل اقتصادية ملموسة.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 21/06/2025