في ظل الوضع المتأزم للصناع التقليديين وغيرهم من الحرفيين … إنقاذ المعمار والمآثر التاريخية بفاس العتيقة يقتضي تخليص ساكنتها من وطأة الهشاشة

عندما نتحدث عن المعمار بالمدن العتيقة، فان ذلك يدفعنا للتساؤل عن العلاقة بين الهندسة والمعمار، وهل يستحضر القائمون على صيانة المآثر التاريخية، من مساجد وكنائس وبيع تم بناؤها في العصور الماضية داخل المدن العتيقة، عمق ما توحي به الأشكال والأرقام والقبب، علما بأن الهندسة هي «المخطط الباطني للوجود» وأساس نشوء جميع أشكال الحياة، فالعالم عبارة عن مزيج من خمسة أشكال تعرف ب»الأشكال المقدسة الأفلطونية».
وقد استغل العرب الأرقام والمجسمات في بناء المساجد، كما ان المسيحيين واليهود استغلوا ذلك في بناء الكنائس والبيع؟
ومن المعلوم ان أجدادنا، سابقا، كانوا يوفرون للسكان داخل المدن العتيقة وخاصة فاس، كل وسائل الحياة التي يحتاجونها من أسواق ومساجد وحمامات وسقايات وأفرنة، زيادة على الكنائس والبيع المسيحية واليهودية، في إطار التعايش والتسامح الديني. أما الآن فالملاحظ، أن عددا هاما من التجار والصناع والسكان بالمدينة العتيقة قد انطلقوا إلى فضاءات وأحياء أخرى خارج المدينة العتيقة بحثا عن حياة أفضل، إذ لم تستغل الفنادق ولا المآثر التي أعيدت هيكلتها وأصبحت كثير من المتاجر مغلقة في جل الأسواق وب «قيسارية الكفاح» التي أضحت من أجمل الأسواق التجارية على المستوى الوطني، فكيف السبيل للمحافظة على فاس العتيقة وما تزخر به من درر نفيسة حتى تظل كمدينة تاريخية تتفاعل مع متطلبات العصر الحاضر؟
في السياق ذاته، فإن المسؤولين، أعطوا العناية الفائقة لصيانة المآثر التاريخية للمحافظة على الموروث الثفافي والحضاري للمدن العتيقة بصفة عامة وفاس بصفة خاصة ، حيث بذلت مجهودات جبارة لإعادة هيكلة عدد هام من البنايات والمآثر التاريخية، بتعليمات سامية من طرف جلالة الملك ،وصرفت الملايير من أجل إعادة هيكلتها وإعادة الحياة إليها كما كانت سابقا، وأصبحت العديد من المدارس العتيقة التي بنيت في العصر المريني تقوم بنفس الدور الذي قامت به سابقا لإيواء الطلبة القادمين من مدن أخرى لمواصلة دراستهم في العلوم الدينية والفقهية بجامعة القرويين.
ولعل هذا العمل الجبار الذي قامت به وكالة التنمية وإنقاذ فاس لإعادة الروح الى تلك المآثر والفنادق التاريخية بفاس ومكناس، وقد سارت على نهجها عدد من المدن العتيقة بمراكش والصويرة وطنجة..، عمل يستحق التنويه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح على المجالس المنتخبة، التي تعاقبت على تسيير دواليب فاس، ما ذا قدم هؤلاء لساكنة فاس العتيقة، والذين يستغلون في الحملات الانتخابية؟ وما هي البرامج الاقتصادية لإنقاذ الساكنة من حدة الفقر بعمق فاس، سيما وأن الأغلبية الساحقة منهم من الصناع التقليديين والتجار الصغار ومختلف الطبقات الشعبية المستضعفة، والذين فقدوا عملهم بعد ان بلغوا من السن عتيا وأصبحوا عرضة للضياع، إذ بات بعضهم يستجدي في أسواق المدينة العتيقة وأبواب المساجد، حتى يخيل للزوار والسياح أن العاصمة العلمية للمغرب باتت «مدينة الفقر والهشاشة»؟.


الكاتب : محمد بوهلال

  

بتاريخ : 19/07/2022