في ظل فشل الحكومة في الرفع من تنافسية قطاع النسيج الوطني .. المغرب يستعد لمراجعة اتفاقيته التجارية مع تركيا

يستعد المغرب لمراجعة اتفاقه التجاري مع تركيا في محاولة للتصدي للعجز التجاري المتزايد، الذي بلغ حاليا 3 مليارات دولار، والذي يعزى بشكل كبير إلى الواردات الضخمة من الملابس التركية. في الوقت الذي فشلت فيه الحكومة لتعزيز القدرة التنافسية للقطاع، لا يزال قطاع النسيج يعاني من تحديات كبيرة تحول دون تحقيق أي تقدم ملموس. ورغم بعض الإجراءات الحكومية التي تهدف إلى تقليص هذا العجز، إلا أن الأرقام تظهر بوضوح أن المشكلة الأساسية تكمن في ضعف قدرة القطاع المحلي على التنافس في ظل ظروف اقتصادية صعبة، أبرزها فشل الحكومة في الحد من هيمنة القطاع غير المهيكل واعتماد صناعة النسيج المغربية على أزيد من 80 % من المواد الأولية المستوردة من الخارج.
وبدل انكباب الحكومة على معالجة أصل المشكل الذي هو ضعف تنافسية قطاع النسيج الوطني، نجدها في كل مرة تلجأ إلى الحلول الحمائية التي لم تنفع هي الأخرى في معالجة الأزمة، فعلى الرغم من رفع الحكومة الرسوم الجمركية على واردات الملابس التركية بنسبة 30% إلى 40% بموجب قانون المالية لعام 2024، إلا أن نتائج هذه الخطوة كانت محدودة، ولم تنجح في تحفيز صناعة النسيج المغربية كما كان مأمولا. فبينما كان من المتوقع أن تحسن هذه الزيادة في الرسوم من وضع القطاع، كانت الاستجابة أقل من التوقعات، وهو ما يكشف عن أزمة هيكلية أعمق تواجه القطاع.
وبينما يتزايد العجز التجاري مع تركيا، حيث بلغ مجموع الواردات المغربية من الملابس التركية 39 مليار درهم في 2024 مقابل صادرات لم تتجاوز 11.6 مليار درهم، يعكس هذا التفاوت الكبير صعوبة وضع القطاع المحلي في مواجهة المنافسة. هذا في وقت يشهد فيه المغرب زيادة في العجز التجاري العام بنسبة 22.8%، مما يضيف مزيدا من الضغط على الاقتصاد الوطني.
إحدى أبرز العوامل التي تساهم في تفاقم هذه الأزمة هي هيمنة الاقتصاد غير المهيكل على قطاع النسيج. دراسة حديثة للاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) أكدت أن أكثر من 50% من نشاط قطاع النسيج بالمغرب يتم في إطار الاقتصاد غير المهيكل، وهو ما يعكس ضعفا في قدرة الشركات المحلية على المنافسة. ومع أن الحكومة اتخذت خطوات لتحفيز القطاع، إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق نتائج ملموسة في مواجهة السوق غير الرسمية التي تساهم في خلق منافسة غير عادلة، إذ تعرض المنتجات بأسعار منخفضة للغاية، ما يعزز من صعوبة تعزيز التنافسية لدى المنتجين المحليين.
فضلا عن ذلك، يعاني قطاع النسيج المغربي من ضعف في الإنتاجية وفي القدرة على الابتكار، مما يصعب من مواجهة المنتجات المستوردة، سواء من تركيا أو من أسواق أخرى. ورغم ارتفاع تكاليف الإنتاج في تركيا بسبب زيادة الأجور بنسبة 49%، فإن هذا التغير لم يكن كافيا لإضعاف قدرة تركيا على الحفاظ على موقعها التنافسي في السوق المغربية، ما يبرز بشكل جلي فشل الحكومة المغربية في توفير البيئة المناسبة لتطوير صناعة النسيج المحلية.
في السياق ذاته، تظهر مؤشرات أخرى تراجع نشاط العديد من الشركات الأجنبية، كما هو الحال مثلا بالنسبة لـ «H&M «، التي عانت من تباطؤ في مبيعاتها في السوق المغربي نتيجة تدهور القدرة الشرائية. وهذا الواقع قد يشير إلى تزايد التحديات التي يواجهها القطاع، مما يهدد بمزيد من الانكماش في السوق المحلي.
وإذا كانت الحكومة المغربية تعتزم حقا تحسين وضع قطاع النسيج، فإن ذلك يتطلب تبني استراتيجيات أكثر فاعلية، بما في ذلك دعم الابتكار، وتقوية التعاون بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة الاقتصاد غير المهيكل. فبغض النظر عن الإجراءات الجمركية أو التعديلات على الاتفاقات التجارية، فإن النهوض بالقطاع يتطلب تغييرات جذرية تواكب التطورات الاقتصادية العالمية. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، قد يستمر العجز التجاري مع تركيا في الارتفاع، مما يفاقم من الضغوط على الاقتصاد المغربي ويقلل من قدرة المملكة على تعزيز قدرتها التصديرية في هذا القطاع الحيوي.


الكاتب : عماد عادل 

  

بتاريخ : 23/06/2025