في عرض حول «الدور الترافعي للبرلمان المغربي في قضية الصحراء»بمجلس المستشارين .. الكاتب الأول إدريس لشكر : يجب اتباع سياسة هجومية دفاعا عن النموذج المغربي

قال إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مداخلته خلال ندوة نُظمت أمس الاثنين، بمقر مجلس المستشارين، تحت عنوان: «البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال»، إن «قضية الصحراء المغربية ليست فقط قضية دولة ومؤسسات، بل هي أيضا قضية مجتمع بكل مكوناته»، مؤكدا أن البرلمان المغربي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بلعب أدوار متقدمة في الدبلوماسية الموازية، خاصة في ظل ما يشهده الملف من تحولات إقليمية ودولية متسارعة.
هذه الندوة التي تندرج ضمن برنامج عمل مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، والذي يشمل أيضاً تنظيم جلسات استماع، وورشات عمل داخلية، وتتبع الإنتاجات الأكاديمية والوثائقية المرتبطة بالملف، توزعت أشغالها على ثلاث جلسات، افتتحت بكلمات لممثلي الأحزاب السياسية، تلتها جلستان موضوعيتان؛ الأولى ناقشت تدبير الأمم المتحدة لقضية الصحراء وآفاق التسوية، فيما تناولت الثانية الأبعاد التنموية والحقوقية ذات الصلة.
وشارك في الندوة عدد من الفاعلين السياسيين والأكاديميين والخبراء، واختتمت بإصدار تقرير تركيبي تضمن الخلاصات والتوصيات المنبثقة عن النقاش، في سياق وطني تطبعه التعبئة المستمرة لتعزيز المكتسبات وتحصين الوحدة الترابية للمملكة، حيث تشكل الدبلوماسية البرلمانية إحدى الواجهات الحيوية لمواصلة كسب الدعم.
وأكد لشكر خلال مداخلته أن «المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، حقق مكاسب استراتيجية على المستوى الدولي، ويجب مواكبة هذه الانتصارات بدبلوماسية برلمانية حية، فاعلة، ومؤسساتية، تنطلق من وحدة الصف الوطني وتستند إلى مرجعية حقوقية وتنموية صلبة». وأضاف أن «النخب السياسية والبرلمانية مدعوة إلى الانخراط في هذا الورش، ليس فقط من خلال المبادرات الظرفية، بل عبر بلورة رؤية طويلة الأمد قادرة على إقناع الشركاء الدوليين بعدالة ومشروعية الموقف المغربي».
وأشار إلى أن «الترافع المؤسساتي لا ينبغي أن يقتصر على الدفاع، بل يجب أن يتحول إلى فعل هجومي مبادر، يفضح مناورات الخصوم، ويقدم النموذج المغربي في تدبير النزاع المفتعل باعتباره نموذجاً يحترم السيادة ويوفر شروط التنمية والكرامة لساكنة
الأقاليم الجنوبية».
وفي ما يلي العرض الكامل للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر
أمام مجلس المستشارين :

«يشرفني أن أشارك معكم اليوم في هذه الندوة الهامة، المنظمة من طرف مجلس المستشارين، حول الدور الترافعي للبرلمان المغربي في قضية الصحراء.
أولاً: ما هي الدبلوماسية الموازية؟ وما الغاية منها؟
هذا مفهوم جديد نوعاً ما حيث ظهر لأول مرة سنة 1981 من طرف دبلوماسي أمريكي رأى أن الجهود الرسمية للدول ليست كافية وحدها لحل النزاعات المعقدة. فالدبلوماسية الموازية تقوم على مساهمة الأفراد والمنظمات غير الرسمية – من جامعات، نقابات، أحزاب، جمعيات ومراكز أبحاث – في التأثير على العلاقات الدولية خارج القنوات الرسمية.
وتتحرك الدبلوماسية الموازية في مسارين متكاملين:
* أولاً: خلق فضاءات غير رسمية للحوار والتواصل بين أطراف النزاع أو بين ممثلين عن مجتمعات مختلفة، بهدف بناء الثقة وتبادل وجهات النظر خارج ضغوط الإعلام والسياسة الرسمية.
* ثانياً: التأثير على الرأي العام، سواء المحلي أو الدولي، عبر الترافع المدني، وتنظيم التظاهرات الفكرية، والنقاشات الأكاديمية، من أجل حشد الدعم لقضية معينة.
وفي هذا السياق، تتجلى أهمية التكامل بين الدبلوماسية الرسمية والموازية. فبينما تشتغل الأولى ضمن إطار السياسات العامة للدولة، وتمثل مصالحها بشكل مباشر على المستوى الحكومي، فإن الثانية تُوفر هامشًا من المرونة والحركية. كما يمكن للدبلوماسية الموازية أن تهيئ الأرضية لحوار رسمي، أو تمهّد لتفاهمات سياسية، أو تخفف التوتر في أوقات الأزمة.
إن العلاقة بين المسارين ليست تنافسية، بل تكاملية، حيث تستفيد الدبلوماسية الرسمية من الروابط المجتمعية والثقافية التي تنسجها المبادرات الموازية، في حين تستند هذه الأخيرة إلى الشرعية والمكانة التي تمنحها الدولة للمواقف والقضايا الوطنية.
ومن جهة أخرى، تلعب الدبلوماسية الرسمية دورًا أساسيًا في دعم وتأطير المسارات الموازية ضمن رؤية وطنية موحدة، مما يُعزّز من فعالية القوة الناعمة للدولة. فحين يتم استثمار هذه الجهود المدنية والثقافية بشكل منسق، تتحول إلى أداة استراتيجية لخلق صورة إيجابية عن البلد، وتعزيز حضوره الرمزي والسياسي في المحافل الدولية، بما يخدم المصالح العليا للأمة.
وفي هذا الإطار، لا يفوتني التذكير بما جاء في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خلال افتتاح الدورة البرلمانية، حيث شدّد على أهمية تعزيز الدبلوماسية الحزبية والبرلمانية كرافعتين أساسيتين في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية، مؤكدًا على:  «ضرورة الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، في التعامل مع قضية الصحراء المغربية»، داعيًا إلى «مواصلة الترافع عن عدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم» .
وهذا التوجيه الملكي يضع على عاتقنا مسؤولية تطوير استراتيجيات وأدوات الترافع، وتبني أساليب جديدة تتلاءم مع التحديات المعاصرة، بهدف التصدي لمناورات الخصوم وتحقيق الأهداف الوطنية العليا.
وهذا هو الهدف الذي يسعى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى تحقيقه في إطار التعاون مع شركائه الدوليين، سواءً مع الأحزاب السياسية أو البرلمانيين التابعين لها. ومثال على ذلك هو المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين ، الذي تم إنشاؤه بمبادرة من الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية. والذي اختتمت دورته الثالثة السبت 3 ماي2025 بمشاركة 120 شابًا برلمانيًا من مختلف القارات. وكانت هذه الدورة ناجحة بشكل خاص لأنها شكلت فرصة للتعبير عن دعم المشاركين الواضح للمبادرة المغربية في حل النزاع في الصحراء وعموما للرؤية المغربية لنشر السلم والنمو بالقارة الأفريقية، وخاصة الخطة الملكية المتعلقة بالواجهة الأطلسية الجنوبية.
هذا النجاح يعكس التزام الاتحاد الاشتراكي بتعزيز رؤيته الاستراتيجية والمشتركة في إطار هذا المحفل الدولي، ويعزز الدبلوماسية المغربية على الساحة الدولية.
ثانياً: تجربة الاتحاد الاشتراكي
ينبع انخراط الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الدبلوماسية الموازية من كونه امتدادًا لحركة التحرر الوطني. فمنذ تأسيسه، انخرط الحزب في دعم قضايا الشعوب المستعمرة والمجتمعات التي تناضل من أجل بناء دولة الحق والقانون وخلق علاقات دولية قوية، بدءًا من :
* المساهمة في منظمة التضامن بين شعوب إفريقيا وآسيا
* الإعداد لمؤتمر القارات الثلاث
ثم في الفترة المعاصرة :
* الانضمام إلى الأممية الاشتراكية ولعديد المنتديات الدولية والإقليمية كالرابطة التقدمية Alliance Progressiste التي يقودها كل من الحزب الاشتراكي الألماني والسويدي ومجموعة الكوبال ( COPPAL) التي هي تجمع لكل الأحزاب اليسارية بأمريكا اللاتينية.
* إيلاء الأهمية لربط علاقات ثنائية مع أحزاب قريبة إيديولوجيًا كالحزب الاشتراكي الفرنسي، الإسباني، السنغالي، والأحزاب الاشتراكية في أمريكا اللاتينية، هدفنا الأساسي من هذا الانخراط هو الترافع عن الوحدة الترابية للمغرب، والتعريف بالنموذج التنموي الوطني ومسار الاختيار الديمقراطي.
ما يميز التجربة الاتحادية في هذا المجال:
* الالتزام والانتظام رغم الصعوبات.
* الانفتاح على قضايا الشعوب الصديقة دون المس بمبادئ الحزب وثوابت الوطن.
* الاعتماد على مصداقية مضمونه الترافعي المستند لمرجعية الحزب الوطنية والتقدمية.

ثالثاً: الخلاصات
من خلال هذه التجربة، نستخلص ما يلي:
* ضرورة البحث عن قضايا مشتركة لتقوية روابط التعاون.
* اعتماد مبدأ الترافع المتبادل، مع احترام الثوابت الوطنية.
* الاهتمام الخاص بالواجهة الإفريقية كعمق استراتيجي للمغرب.
* مواصلة الجهود لضم أصوات داعمة لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
* توسيع دائرة التعاطف الدولي مع المغرب.
في الختام
الدبلوماسية الموازية لم تعد مجرد خيار، بل أضحت ضرورة في عالم متعدد القوى ومتغير باستمرار. ومن واجبنا، كأحزاب تقدمية، أن نستثمر فيها للدفاع عن قضايانا الوطنية العادلة، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.


الكاتب : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 06/05/2025