في كتاباتي دائما أبدو في حرب أو على أهبتها

هل الإلياذة بدء الآصرة بين الحرب والأدب؟
لا أظن. فالحرب والأدب كانا قبل الإلياذة وقبل القول بهما؛ والقول أحيانا من أدب
الحرب والأدب من فعلة الإنسان أو من صنيعه سيان. فلا معشر كائن يشنها على معشر كائن آخر إلا الإنسان؛ لم تهجم القطط قط على الفئران ولا الثعالب على الأرانب ولا الذئاب على الخرفان ولا إلخ على إلخ آخر… والجراد مثله الصراصير والجرذان يحارَبُ ولا يحارِب) الإنسان وحده اختلق الحرب والأدب ومنذ الصرخة الأولى التي قد تكون صرخة نصر قابيل على أخيه هابيل، أو صرخة آدم من جراء الفاجعة؛ وهم جمعا وإبليس معهم أصل حرب العشيرة… كان الإنسان قديما بجمعيه السالمين معا، يهجم على مثيله كي يأكله أو لنقل لكي يقتات من بعضه ويقتل البعض الآخر لا لشيء إلا قصد الإبادة؛ وأقل الدوافع كان سبي النساء والأطفال وامتلاك النار. فمنذ البدء والإنسان مصاب بالإنسان-فوبيا؛ والتاريخ يشهد بما وقع للغجر إبان هيتلر وللهنود الحمر وللسود إبان الاستعمار الأوروبي وما يقع الآن بفلسطين وحتى ها ترون ربما في أوكرانيا.
عديّ بن ربيعة بن الحارث التغلبي، مثلا، هلهل الشعر ومعه هلهل الحرب. ثمة حروب فُتحت عليها عقولنا دون أن نعي؛ من البسوس والغبراء، لا حصرا (تاريخ علمونا إياه دون أن يقصدوا فعلا تعليمنا الأدب والحرب)، إلى حرب أكتوبر وكل الهزائم بهلم جرا وجرا إلى سوريا مرورا بتخريب العراق ثم بكل الربيع العربي…
والإنسان منذ فجر وجوده وهو الكائن الوحيد الذي يشنها شنيعة على الطبيعة (انقراض بعض الحيوانات: وحيد القرن، النحل…)، بل بالأحرى على الحياة (انقراض بعض النبات ومجازر الغابات وثقب الأوزون…). وآخر حرب الإنسان ضد الحياة، هذه الوبلاء (الوباء والبلاء معا اللذان عما العالم) الويلة (الكوفيد 19) الجيوسياسية التي سلطها بعضه على بعضه بالاكتفان (الحجر) والأنفم (الكمامة) لا لشيء إلا لإعادة توازن القوى والطفور إلى ما بعد الحداثة (تعويض الجسمان بالجسمال)…
ومنذ البدء كان الأدب منزلة بين منزلتين؛ منه المهاجرين ومنه الأنصار، منه الذي مع، ومنه الذي ضد ومنه حتى المعتزلة والخوارج وأما أهل السنة فسنتهم الحرب على العالم بأسره وأسراره وأما المرجئة فهم الذين يشنونها حربا على الشعوب ببناء المساجد التي لا يدخلونها إلا نفاقا وتخريب المدارس التي لم يدخلوها إلا نفاقا… لا أعرف لم أعزفها وحدي (وليس لوحدي) سيمفونية خارج الموضوع الذي تظن نفسي الأمارة أنني في صميمه… ربما لأنني تذكرت دار أبي سفيان والفتنة الكبرى والصحف على رؤوس الحراب والخاتم وكل أدبيات هذه المرحلة؛ ربما…
هي حرب الأدب؛ أذكر من سماها في حديثه عن غير بؤرة هذا الموضوع: حرب القلم؛ والقلم بالحبر يكتب الحرب وحتى حين كان يحفرها بالرسوم على جدران المغاور أو على الألواح الطينية فقد كان يلطخ حفره بالحبر وإلا كان التأريخ آيل إلى التلف.
هناك أدب الحرب يسجل ويحكي ويؤرخ أو حتى يقترف الخنساء فيبكي الأموات والخسارات أو يتقمص ابن كلثوم ويشيد بأيام عصبته أو يقتفي الصعاليك ويشنها على عشيرته. وهناك حرب الأدب حيث الأديب يدخل في حرب ضد مجتمعه ومؤسساته أو ضد غيره من أدباء أو (وهذا الزبى حيث سيصل السيل) يدخل الأديب حربا ضد نفسه…
في كتاباتي دائما أبدو في حرب أو على أهبتها؛ دائما على قدم وساق بتطاول لساني (لغتنا التي يقتلها كثير الزملاء في معركة الكتابة) أدافع وحدي (وليس لوحدي) عن الذي أظنه يستحق أن نَقتل أو نُقتل من أجله.
فالحرب، وكأن الله قدرها وكتبها في اللوح المحفوظ، بدأت بقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولعلها ستنتهي بالهرمجدون (الكلمة مذكورة مرة واحدة في التوراة « l’Apocalypse Ap 16,16 » الحرب بين آل الدجال وآل يسوع). أو لنقل إنها بدايتها حرب التخوم ونهايتها حرب النجوم؛ والله أعلم. وأما بالنسبة إلي، فلا شيء في هذه الحياة، المبنية على الحروب، يشجعني على البقاء.


الكاتب : جمال خيري

  

بتاريخ : 01/07/2022