في لقاء احتفائي بالشاعر الزجال عبد الرحيم لقلع بالمحمدية

خفيفي: عاشق مجنون بالقصيدة والحرف والإرث الضارب في أعماق التاريخ

الفارسي: الكتابة بلغة نابعة ونابتة بين شقوق الواقع

 

احتفت جمعية «هوس» بتجربة الشاعرالزجال عبد الرحيم لقلع في حفل توقيع ديوانه الجديد «رفود الميسان»، بالمكتبة الوسائطية بالمحمدية يوم السبت 18 فبراير الجاري
شارك في هذا الحفل بقراءات في الديوان كل من الناقد والروائي محمد خفيفي والشاعرة والإعلامية حفيظة الفارسي، وسير فقراته الشاعر والكاتب نور الدين ضرار، كما تخلل هذا اللقاء الاحتفائي إلقاء قصائد زجلية لكل من الزجالين حمو لعرجي ، « البوح نغام» و»نغمة السنتير» والزجال عزيز غالي الذي أهدى قصيدته إلى المرحوم عبد الله ودان، تحت عنوان «سرقتني عيني».
الاحتفاء الذي احتضنته مدينة فضالة مسقط رأس الزجال تميز بحضور العديد من محبيه من كتاب وشعراء وفنانين ومبدعين ، محتضنين الزجال عبد الرحيم لقلع وآخر أعماله الزجلية «رفود الميسان «، بعد دواوين « الرأس بحر» و»سلطان الحروف « و«السلطانة لهلالية

 

سجلت الشاعرة والاعلامية حفيظة الفارسي في مداخلتها التي اختارت لها عنوان : « تقاسيم على مقام الموت والحب» على أن قصيدة الزجل بالمغرب، راكمت منذ ما يقارب الثلاثة عقود منجزا نصيا ومعرفيا على مستوى الكم والكيف لا يمكن القفز عليه بعد أن انتهت القصيدة الزجلية إلى ترسيخ نفسها كشكل تعبيري طالما نازع بعض النقاد في شعريته.
وشددت الفارسي على أن التجربة الزجلية للشاعر عبد الرحيم لقلعتندرج ضمن هذا الأفق الذي يصرعلى ركوب موج اللغة،» مبحرا في يمها ومصرا على الحفاظ على نقائها الأول، لغة بسيطة، يومية تتمسح ببركة الأمكنة والأرواح، وتنشد القيم التي تتلاشى يوما بعد يوم».وأكدت الفارسي أن التيمة الرابط في كل أعمال لقلع تبقى هي تلك الدفقة العاطفية الفياضة المسكونة بألم الفقد وفراق الأحبة والأصدقاء.
واختارت الفارسي مقاربة الديوان من خلال تيمتي الموت والحب، مشيرة إلى أن طائر الموت يحلق ويحط على نافذة الديوان بدءا من الغلاف، مؤشرا على عوالمه الداخلية حيث عبارة الموت تتبدى تصريحا أو تلميحا «تيتمت، لفراق، بقيت مفرد، بكات عيوني، هزوه في الميسان، لقبر ، خطفتي…» مضيفة أن لقلع منسكن بهاجس الموت، ينازله في كل دواوينه لأنه يسرق منه الأب والأم والاخ والصديق حتى أنه يجرب الموت في حضن الحبيب.
إنه موت يرفرف على الديوان يفتح بابه، ويغلقه بآخر قصيدة وهو يشيع الحياة ممدة على ميسان. تارة نرى موت الجسد، وتارة تنبعث رائحة الموت من الأمكنة، وتارة تموت القيم ،لكن الذكريات توقظ الأحاسيس لتحرس ما تبقى.
وأضافت الفارسي أن كتابة الموت والتفكير في غياهبه وظلماته شعريا، ربما تخفف من انتظاره، «لكن الكتابة عن الموت وقد تحققت وصارت ظلال الفقد ممتدة في غابات الروح، فذلك ألم مضاعف ووحدة موحشة يعيشها الزجال. فحين يستحضر لقلع الموت في هذا الديوان، فإنها تتداعى بكل المرارة التي يولدها الفقد وبكل الاختلال والاهتزاز الذي تحدثه في الروح». كما أن لقلع يمنحنا إمكانية الكتابة عن الموت أحياء في تجربة فريدة يتحقق فيها الموت عبر الكينونة الوجود، وحيث يصبح الميت ظلا وحياة للحي، في لعبة الموت والظلال التي تدفعنا الى التساؤل: من الميت ومن الحي؟ هل هو جسد الصديق والأخ والأب والام الذي يعانق عشب الموتى، أم الجسد الظل الذي يمشي بيننا في الأسواق، يكتب الموت ويحياها رمزيا، وبكتابته تلك يخلد ذكرى من رحلوا عن العين وليس عن القلب».
إن الكتابة هنا عن الموت، كما جاء في المداخلة، تنكتب بلغة وفية لتربة الواقع اليومي، لغة نابعة ونابتة بين شقوقه وهو ما يجعل النص القلعي مفتوحا، نصا يشبهنا وبمكنة الجميع التفاعل معه قراءة وإلقاء وإحساسا. فنحن إذ نقرأ نصوص القلع المكتوبة، نقرأها بصوته، بإلقائه وبإحساسه كأننا نقرأ نصنا الجماعي الذي يعيد إلى الروح بداوتها الأولى، ولغتها الصافية النقية.
أما عن تيمة الحب، فتقول الفارسي ، أن الموت عند الشعراء يتحول دائما الى ذريعة لأنسنة الحياة، ولهذا فإن ديوان «رفود لميسان» يحمل بين دفتيه تضاداته ونقيضه من خلال الاحتفاء بالحب الذي ليس إلا الوجه الاكثر إشراقا للحياة. فالديوان» يتوسل ، نكاية في الموت هازم اللذات ومفرق الجماعات، بالحب المخلّص للذات من القلق والضياع ومن قتامة الواقع. إنه كمن يبدع ألوانا جديدة غير تلك التي تصطبغ بها جدران الواقع، يهرب من غلالة الحزن السميكة إلى شراشف اللغة الناعمة أملا في الخلاص من رائحة الموت النتنة، يمزق لحظة الموت ويزرع في عيون الحبيبة حقولا خضراء يستعيد من خلالها كينونته وإنسانيته» لتخلص الى أن هذه الولادة التي تخرج من تابوت الموتى، لا يستطيعها إلا الحب الذي يبعث الحياة وهي رميم، في انتظار لحظة عاجلة أو آجلة: لحظة «رفود الميسان».
من جهته أكد الناقد محمد خفيفي في قراءته لـ « رفود الميسان « التي عنونها ب « بلاغة الرثاء المُر» على أن الزجال عبد الرحيم لقلع قد راكم في تجربته الشعرية الزجلية أربعة دواوين : الراس بحر، وقد كان له شرف كتابة تقديمه، ثم» سلطان لحروف»، و»السلطانة الهلالية»، في مسار إبداعي يبسط الزجل المغربي في صورة من صوره الفريدة التي لا تتكرر سوى عند عبد الرحيم لقلع الذي انصهر منذ البداية في هذا العشق المجنون للقصيدة وللحرف، ولهذا الإرث المغربي الضارب في أعماق الوجدان و التاريخ .
وشدد خفيفي على أن لقلع شاعر مرهف الإحساس، يكتب بماء قلبه ووجدانه، يكتب بتأثر عميق فيه الإنصات والانتباه والصدح والانشاد، والنداء الطالع من حرقة الفؤاد وغليان المشاعر.
تنفتح تجربة «رفود الميسان» بهذا العنوان الغريب على عالم الفقدان والفقد والموت والغياب، كما أت عتبات الديوان تنويعات لهذه التيمة المهيمنة انطلاقا من العنوان وعناوين القصائد والصور الملحقة….
وأكد خفيفي في هذا الصدد أن عبد الرحيم لقلع شاعر لأنه صاحب الرثاء وصاحبه ولبسه غرضا شعريا حاضرا في كل دواوينه، فقد رثى رجل السياسة ورثى الفنان محمد الحياني ، ورثى أمه السلطانة الهلالية، ورثى أخاه نجيب، وكذا الصديق سلطان الما بوعزة المقلاشي، ودائما كانت الموت هي التي تستهدفه وتعريه من أوهامه وتوقظ فيه الحقيقة المخيفة . وأضاف خفيفي أن الرثاء وهيمنته أعطى للديوان مسحة الحزن حتى وإن حاول نص «فلسطين الأبية «ونص «رجع لصوابك يالمسخوط» أن يخرجا الديوان ويبعداه عن ذلك، إلا أنهما لم يفلحا في ذلك.
وخلص خفيفي في ورقته الى أن الزجال ظل وفيا ومخلصا لنهج ارتضاه سبيلا للتوقيع على خصوصيته المتفردة، ضمن سلسلة من التجارب التي شقت طريقها على مستوى الكتابة الزجلية المغربية باستلهام كل الغنى الذي تمتلكه اللغة الأم…


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 21/02/2023