في لقاء احتفى بتجربته الإبداعية: حسن نجمي يتحدث عن شعرية الأنقاض في زمن الانهيارات

 

بين الرواية والشعر، أنا مسافر أغير الأرصفة ولا أغير المحطة

 

في لقاء حواري، احتفى بالتجربة الكتابية للشاعر والروائي حسن نجمي، واحتضنه مقر دار الثقافة للنشر والتوزيع يوم الجمعة 24 نونبر الجاري، ضمن تقليد دأبت عليه الدار، حسب مديرها التنفيذي هشام القادري، اعتبر القادري أن هذا الحرص نابع من إيمان الدار بجعلها دارا لكل المبدعين وحضنا للاحتفاء بتجارب الكتاب تقديرا لكل من يساهم في تطور مغربنا الثقافي والحضاري، ومنهم الشاعر المحتفى به الذي ربطته بالدار ثلاثة مشاريع أدبية: “شعرية الأنقاض”، الشاعر والتجربة”، “المستحمات”.
في تقديمه للشاعر حسن نجمي، اعتبر الكاتب والقاص عبد النبي دشين أن اللقاء يمتزج فيه الخصوصي مع الجمعي، وتتماهى فيه صورة الآخر مع ذواتنا جميعا، لأنه حديث عن “حياة صغيرة لطفل كبير، طفلمثل سنبلة شاوية ينحني للتقلبات ، لكن دون أن تقتلعه العواصف من جذوره”، كاتب وإنسان”يستوعب اللحظة وبتأمل صامت يتخذ القرار، ويجيد لف الحرير على الحديد، حريص على إقامة التوازنات ولو كلفه الأمر ضريبة موجعة”.
وأضاف دشين أن صاحب” فكرة النهر” انتصر دوما للقصيدة ، وجعلها رهانه الباذخ متدثرا بها من كل عراء الخذلانات والانهيارات، هو الذي “تشبهه قصيدته وتجليه في لعبة المرايا المتجاورة”، تجاور وتعدد اهتماماته.
هل يمكن أن نكتب بدون ألم؟
سؤال لا يمكن إلا أن نقف أمامه شاهرين تاريخ الألم البشري الذي أبدع أرقى وأبلغ ما يمكن أن يُكتب، وهو ما أكده الشاعر حسن نجمي وهو يقول إن ما يتبقى أمام كل هذا العراء والانكسار، “ونحن نواجه سيرورة الحياة الصعبة، هو الإبداع الذي لا نملك شيئا غيره، لأنه هو الملاذ عندما ينتفي المهرب”، مضيفا أنه شخصيا لا يعثر على نفسه إلا في كل ما يكتبه، مشيرا إلى أننا نعيش اليوم أقسى لحظات الأمة العربية ألما وحسرة.. نعيشها بنوع من الفجيعة والإحساس الممض بالعجز، “عجز لا يمكن مقاومته إلا بالكتابة”. فقلما ينجح كاتب ومبدع في كتابة نص جميل وهو مبتهج، أي أن”النص العظيم، يكمن خلفه دائما ألم عظيم”.
وعن تعدد مصادر تجربته، ونجاحه في صهر كل هذه المصادر ليتخلق النص الإبداعي دون أن يحنطه اليومي وإكراهاته الضاغطة، أكد مؤلف”شعرية الفضاء” أنه
عندما يكتب نصا، يكتبه مستندا إلى ذاكرة قرائية متنوعة ومتعددة المشارب، فالكاتب هو محصلة قراءات ومشاهدات، يتعلم مما يقرأه ويراه، يتعلم من اليومي، من البسطاء، من الثقافة الشعبية، ومن الأصوات المتعددة في الفضاءات العمومية، ف”حتى العامية ، يقول نجمي، فيها بلاغة قد لا نعثر عليها في العربية الفصحى”، معتبرا أن الثقافة الشفوية في المغرب مرتكز أساسي في الثقافة المغربية، ولا ينبغي تبخيسها. فتاريخنا الثقافي المغربي لم يبدأ مع العربية الفصحى، بل هو ثاوٍ في كل ما هو شفوي بكل تعدده ومظاهره.
الانتقال إلى الرواية، وكيفية تدبير علاقة التساكن بين الشعر والرواية، اعتبره نجمي لا يتعلق بانتقال، بل إن الأمر” شبيه بمسافر في محطة قطار، أغير الأرصفة ولا أغير المحطة”.
وأضاف مؤلف “جرترود” أنه في هذه المراوحة بين الرواية والشعر، ينتصر لصورة الشاعر أساسا، قائلا:”أشتغل وأثري وأدعم صورتي كشاعر، ليس تخففا من مسؤولية الروائي’ مؤكدا أن في الشعر هناك دائما سرد و”لا خصومة بين الشعر والنثر”، لأن الأجناس الأدبية لكل منها شخصيتها العفوية، ورهاناتها وحدودها والأهم هو أن العملية الأدبية برمتها، عملية إبداعية، بينها الكثير من المشتركات.
وعن كتابة الرواية يقول نجمي: “كتابتي للرواية لم تأت نتيجة استراتيجية كتابية محددة سلفا، بل جاءت عفو الخاطر، كما أن الرواية تكتنز كثيرا من المحفزات التي تصنع، لحظة القراءة، اللحظة الشعرية”. وفي هذا السياق، أعلن نجمي عن مشروع روائي جديد يتخذ من موضوعة الهروب الكبير من السجن المركزي للقنيطرة في 1955 تيمته الكبرى لإضاءة تجربة مهمة في تاريخ المغرب السياسي، والتي كان من أبطالها( عبد الله لخصاصي، الفقيه البصري، عبد السلام الجبلي، احمد الصباغ، بوشعيب الحريزي، عبد الفتاح سباطة، عبروق، سي علال، الباعمراني، المير، الطنجاوي، ….) والتي نفذها 37 سجينا، وقد أعدم بسببها مناضلون تم إلقاء القبض عليهم بعد الهروب.
الحديث عن تعدد اهتمامات نجمي يقود إلى الحديث عن ترجمة أعماله الى أكثر من لغة، والتي يعتبرها مكسبا و”مصدر غبطة طفولية” لأنها تجعل المبدع يرى إبداعه” يحلق بأجنحة أخرى وبلغات أخرى وفي فضاءات أخرى لا يعرفها”. وفي هذا الصدد اعتبر صاحب”المستحمات” أن الترجمة في المحصلة “فعل حضاري لمد جسور الحوار بين الحضارات”.
أما عن تجربته في التعاطي مع التراث الشعبي، والغنائي منه بالخصوص، والذي جعله يخصص أطروحته لنيل الدكتوراه لموضوع العيطة بعد أن كان المشروع ، في بداياته، مجرد فكرة لإنجاز أنطولوجيا شعرية تحت مسمى “الباكيات”، يجمع فيها شتات أغاني الشيخات قبل أن تلعب الصدفة دورها بلقائه باحثةً إيطالية قدمت من أمريكا للمغرب لإنجاز بحث حول فن العيطة، حيث اكتشف معها علم الأصول الموسيقية، واكتشف من خلاله أن الأشعار والأغاني الشعبية الشفوية والموسيقات التقليدية في المغرب دُرست بمنهج وصفي تقليدي عكس ما يحدث في الغرب، حيث تبنى الدراسات وفق منهج ناضج وقوي، مؤكدا أن الأهم هو دراسة أي موسيقى في تعالقها مع نظامها الاجتماعي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 27/11/2023