في لقاء تقديم وتوقيع كتاب «أوراق من دفاتر حقوقي» للنقيب والحقوقي محمد الصديقي

 

النقيب الصديقي يستعرض التدافع السياسي والحقوقي بعد الاستقلال

وتأسيس آليات الدفاع عن حقوق الإنسان بالبلاد

 

في سمر ليلي رمضاني ثقافي وفكري رفيع، ووسط حضور كثيف من الأساتذة المحامين، والإعلاميين والفعاليات السياسية والحقوقية، استضافت هيئة المحامين بالرباط، يوم الأربعاء 6 أبريل 2022، النقيب والحقوقي محمد الصديقي في إطار افتتاح سلسلة من الأنشطة الثقافية والفكرية للهيئة التي دأبت على تنظيمها في شهر رمضان من كل سنة.

فكرة خروج هذا الكتاب إلى الوجود

كان هذا اللقاء فرصة سانحة لإعادة تجديد العلاقات الإنسانية التي تربط النقيب محمد الصديقي وزملاءه في مهنة المحاماة والفعاليات السياسية والحقوقية التي تكن له كل الاحترام والتقدير بالنظر لمساره الطويل الذي يجمع بين مسارات متعددة سواء في مجال مهنة المحاماة أو الحقوق أو السياسة والإعلام.
في مستهل هذا اللقاء، الذي خصص لتقديم كتاب «أوراق من دفاتر حقوقي» للنقيب محمد الصديقي، ألقى النقيب عبد الإله عدنان كلمة ترحيبية بهذا الرجل الطيب الهادئ، الكتوم، الذي أعطى الكثير في شتى المجالات التي اشتغل فيها وأخلص لها، لقد أكد النقيب عدنان أن فكرة انبعاث هذا الكتاب، انطلقت من مقر هيئة المحامين بالرباط، في إشارة إلى اللقاء الذي استضافت فيه الهيئة النقيب الصديقي سنة 2019. وبالفعل هذا ما أكده النقيب الصديقي حين تناول الكلمة، «في شهر  ماي 2019 اتصل بي النقيب محمد بريكو نقيب هيئة الرباط حينئذ، لافتتاح الجلسات الحوارية التي دأبت  الهيئة على إقامتها منذ سنين في شهر رمضان، والتي تخصص لمحاورة نقيب من النقباء السابقين للهيئة حول مساره المهني وما واكب هذا المسار من تجارب وأحداث».
وأوضح النقيب الصديقي، في هذا الإطار «من خلال مراجعتي للحوار المجرى والمسجل في ذلك اللقاء، تساءلت مع نفسي ما الفائدة من أن أبقى محتفظا بهذا لوحدي؟ ألا يكون من الأجدى أن أعمل على إذاعته حتى يساعد من يكون معنيا أو مهتما بما يحتويه… وهكذا عزمت على ذلك وجاءت فكرة الكتاب.»
لقد أبرز النقيب الصديقي بنفس المناسبة  أن كتاب «أوراق من دفاتر حقوقي»،  قد استحضر فيه عدة محطات من مراحل حياته المهنية، بالإضافة إلى ما يتعلق بمسارات أخرى قدر له أن يساهم فيها، وخاصة في المجال الإعلامي والحقوقي والسياسي ومساهمته الأخيرة في مهام القضاء كعضو في المجلس الدستوري.
فبعد استعراضه لمساره الطلابي حين حصل على البكالوريا والتحق بالجامعة بالرباط، وتحمله لمسؤوليات كممثل القاطنين بالحي الجامعي وانتخابه عضوا باللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1960 برئاسة الأستاذ المرحوم عبد الرحمان القادري الذي كان يشاركه في كل أنشطة الاتحاد في تلك الفترة التي كانت الجامعة المغربية تزخر بعدد من الطاقات الطلابية الحاملة لأفكار تقدمية ومتشبعة بفكر الحركة الوطنية.

التدافع السياسي والحقوقي بعد الاستقلال

وانتقل المتحدث إلى الوضع السياسي والحقوقي الذي عاشته البلاد مباشرة بعد الاستقلال. حيث أوضح النقيب الصديقي بعض مظاهر الوضع السياسي والحقوقي الذي عاشته البلاد مباشرة بعد الاستقلال، مذكرا بأن الصراع كان قويا بين الملك الراحل الحسن الثاني من جهة والحركة التقدمية و الوطنية من جهة ثانية، التي كانت ترى أن من حقها أن تشارك في تسيير شؤون البلاد، باعتبارها ساهمت بدور كبير في تحرير المملكة وإرجاع الملك الراحل محمد الخامس إلى عرشه، لكن الملك الحسن الثاني كان له رأي مخالف لذلك يتجلى في أنه هو المؤهل لحكم البلاد بمفرده.
وأوضح النقيب الصديقي أن هذا الاختلاف أدى إلى تدافع سياسي وعراك قوي، بحيث أن النظام كان لا يقبل الاحتجاجات التي كان يدعو إليها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، مما كان يؤدي إلى تعسفات واعتقالات في صفوف المناضلين والوطنيين داخل أحزاب المعارضة، مما خلق أوضاعا متوترة بالبلاد، دفعت المناضلين للتفكير في انشاء إطار للدفاع عن حقوق الإنسان، والتصدي للتعسفات والاعتقالات، حيث بادر حزب الاستقلال إلى تأسيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، بينما أقدم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان

واسترسل النقيب الصديقي في الحديث، موضحا أن المناضلين الاتحاديين وصلوا إلى قناعة مفادها أن يكون هناك فاصل ما بين الدفاع عن حقوق الإنسان والممارسة السياسية، وأن يكون هناك نوع من الاستقلالية للإطار الذي يدافع عن حقوق الإنسان. فشرع المناضلون الاتحاديون والتقدميون المنتمون لليسار الراديكالي في التحضير لتأسيس إطار حقوقي جديد، منظمة حقوقية مستقلة، وهكذا بعد جهد كبير من مجموعة من الإرادات التقدمية، تم تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في مؤتمر تأسيسي عقد يوم 10 دجنبر 1988، بالرغم من محاولات النظام الذي كان يسعى إلى الحيلولة دون تأسيس هذه المنظمة.

سياق خلق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

أبرز النقيب الصديقي أن ما أعطى قوة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، هو قوة مكوناتها المتعددة بالداخل وعلاقاتها وإشعاعها في الخارج، مما جعل النظام يحاول ألا يترك لها الساحة لوحدها في هذا المجال، خاصة أن هناك سياقا دوليا جديدا نتج عن سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي، أي بروز ملامح عالم جديد.. اهتدى الملك الراحل الحسن الثاني إلى فكرة تجسدت في انشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وكان للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان حضور في هذا المجلس منذ تأسيسه عام 1990 حيث كان النقيب الصديقي يمثل المنظمة فيه، معتبرا أن هذا الإطار هو الآخر واجهة من واجهات النضال الحقوقي.

التجربة التأسيسية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان

عرج الصديقي في هذا السياق على مشاركته النضالية داخل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، حيث عرض على المجلس في أول اجتماع له مذكرة تفضح وضع حقوق الإنسان بالمغرب وما يجب أن يتخذ من إجراءات وتدابير بشأن ذلك، لكن المفاجأة ستكون في الجلسة الموالية التي عقدها المجلس، حيث سيتم عرض توصية محضرة سلفا، تؤكد على أن المغرب ليس فيه معتقلون سياسيون أو انتهاكات لحقوق الإنسان. وأمام صمت الجميع، يقول النقيب الصديقي، بادرت بالتدخل لأذكر الجميع بخطاب جلالة الملك الذي تحدث فيه عن تأسيس المجلس ومهامه وعمله المستقبلي، وما يفرضه ذلك من ضرورة التصدي لمناقشة مشروع التوصية من طرف المجلس قبل عرضها على المصادقة، وهو الأمر الذي لم يحدث إطلاقا، ليبقى تدخلي بدون رد أو تعليق عليه، مع رفع الجلسة مباشرة إثر ذلك. وفي الجلسة الثالثة للمجلس، سيتم إقبار تلك التوصية بالمرة، لننطلق في عمل المجلس بمسيرة جديدة وتكوين لجانه الوظيفية، واقتراح مراجعة المسطرة الجنائية، ومراجعة قانون السجون بالمغرب الذي كان يرجع لسنة 1915، ثم قضايا أخرى كالاعتقال الاحتياطي، والحراسة النظرية، رفعت لجلالة الملك وصادق عليها، فضلا عن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في وقت لم تكن الدولة تعترف بوجود معتقلين سياسيين، مسجلا أيضا، في نفس الصدد أن ميزان القوى لم يكن يسمح بتحقيق كل ما كان يطمح الحقوقيون إلى تحقيقه في تلك الفترة.

هيئة التحكيم المستقلة

سجل النقيب الصديقي أن هيئة التحكيم التي اشتغلت ما بين سنتي 1999- 2003، كانت تجربة من نوع آخر، تمكنت فيها من رد الاعتبار لضحايا الاعتقال التعسفي و الاختفاء القسري والاغتراب الاضطراري ، وحققت عددا من المكتسبات، عبر دراسة عدد من الملفات والاستماع للمناضلين وأفراد عائلاتهم، والمعاناة التي عاشوها والظروف القاسية التي مروا منها، مبرزا أن هيئة الإنصاف والمصالحة امتداد لهيئة التحكيم المستقلة.

محاكمة سياسية بالمغرب

كما تطرق النقيب الصديقي جوابا عن تساؤل للنقيب عدنان، إلى المحاكمة الشهيرة التي تعرض لها الزعيم النقابي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل والقيادي السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المرحوم نوبير الأموي ، على إثر حوار له مع جريدة إلباييس الإسبانية، وأكد الصديقي أن هذه المحاكمة كانت محاكمة لحرية التعبير ولم يكن الهدف منها إلا التضييق على الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في محاولة لايقاف امتدادها الجماهيري

شهادات في حق النقيب الصديقي

وبعد هذا العرض من قبل النقيب الصديقي والذي حاوره فيه النقيب عبد الإله عدنان، جاءت تدخلات عدد من الأساتذة المحامين لهيئة الرباط الذين عبروا عن اعتزازهم وتقديرهم لهذا الرجل الرمز في عدة مجالات.
وأكدت الأستاذة سلوى بلعطار من هيئة المحامين بالرباط، أن النقيب محمد الصديقي تميز بمسار حقوقي وسياسي حافل بالعطاء أهله لتقلد مناصب عديدة تتعلق بحقوق الإنسان، ودافع بقوة في المحطات التاريخية عن القيم والمبادئ الحقوقية في مفهومها الكوني والشمولي، كما ساهم بصفته نقيبا لهيئة المحامين بالرباط وعضو اتحاد المحامين العرب في تعزيز الأخلاق المهنية والأعراف والتقاليد والتشبث بها، فضلا عن أنه ساهم في تكوين عدة أفواج من المحامين.
وبدوره اعتبر الأستاذ نعيم شماعو، أن النقيب محمد الصديقي مفخرة لمهنة المحاماة بالمغرب، وأكد المتحدث الذي مارس مهنة المحاماة ما يقارب خمسين سنة، أن النقيب الصديقي يتميز بالهدوء والسكينة النفسية، ولم يحدث أن سمع صوته عاليا. ولم يلاحظ فيه أي تعال، رغم أن له الحق أن يتعالى بالنظر لتجربته المهنية الغنية والكبيرة.

توقيع الكتاب

وفي الأخير قام النقيب محمد الصديقي بتوقيع نسخ من كتابه لعدد من الأساتذة المحامين، الذين نالوا هذا الشرف النبيل.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 11/04/2022