في لقاء تناظري لمنظمة النساء الاتحاديات حول ” الأسرة المغربية ومؤشرات التنمية قطاعي الصحة والتعليم نموذجا ”

التعليم والصحة من أبرز التحديات التي تواجه التنمية في المغرب والدولة مطالبة بتحمل مسؤولياتها وتقديم استراتيجيات فعالة وواضحة

 

حول موضوع «الأسرة المغربية ومؤشرات التنمية قطاعي الصحة والتعليم نموذجا» عقدت منظمة النساء الاتحاديات لقاء تناظريا، مساء أول أمس الأحد عبر منصة «زووم» شارك فيه مجموعة من النساء المناضلات المنتميات لمنظمة النساء الاتحاديات، واللواتي يشتغلن بالقطاعين، نذكر من بينهن عائشة زكري، سعاد طاهر، الدكتورة خديجة كانيان، بديعة مكور، ومينة الطالبي، وسيرت اللقاء فدوى الرجواني كما حضرته حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات.
وأجمعت التدخلات أن التنمية المستدامة تعد من أبرز الأولويات التي يجب أن تشغل كل دولة تسعى لتحقيق تطور اجتماعي واقتصادي شامل. وفي المغرب، يظل التحدي الأكبر هو كيفية تحسين جودة الحياة لمواطنيه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وقد كانت مداخلات مختلف المتحدثين في الندوة حول قضايا التنمية في المغرب فرصة لإلقاء الضوء على بعض من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة المغربية والسبل الممكنة لمواجهتها.
وفي هذا الصدد تحدثت عائشة زكري عن التحولات في بنية الأسرة المغربية التي كانت في الماضي تعد مؤسسة اجتماعية متكاملة تضم الزوج، الزوجة، الأبناء، الأعمام، والجدود وغيرهم، لكن ومع تطور المجتمع المغربي، أصبحت الأسرة تتكون أساسًا من الزوجين والأبناء، وفي بعض الحالات، قد تصبح الأسرة مكونة من فرد واحد، كما أن الرجل لم يعد وحده المعيل لأسرته بل قد أصبحت الزوجة أو المرأة بصفة عامة تعيل أسرة بكاملها، ورغم هذه التحولات، فإن الأسرة تلعب دورا أساسيا في نشر قيم المواطنة وتعزيز الحقوق والواجبات، غير أن دور الأسرة في هذا المجال تأثر سلبًا بسبب ارتفاع نسبة الأمية وغياب سياسة واضحة لتعزيز دورها في المجتمع.
ومن جانب آخر، تحدثت زكري عن الدور الكبير الذي يلعبه تعليم المرأة في ضمان أسرة متماسكة وصحية، مؤكدة أن تعليمها يساهم في تخفيض معدل الوفيات، قدرة النساء على اتخاذ قرارات صحية لأنفسهن ولأطفالهن، تحسين الصحة العامة للأسرة، زيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية والجمعوية، كما تطرقت إلى التفاوت الكبير في التعليم بين المدن والقرى، مشيرة إلى أن هذا التفاوت يعزز الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، نتيجة اختلالات بنيوية تمنع تحقيق الأهداف المرجوة في ظل غياب المحاسبة ووجود عراقيل تقف في وجه تعليم سليم، تعليم يسجل معدلات كبيرة من الهدر المدرسي وضعف توظيف التكنولوجيا وعدم نجاعة التوجيه الدراسي ناهيك عن مناهج دراسية ضعيفة فضلا عن أنه ينتج البطالة لكونه لا يتماشى مع سوق الشغل، فالمدرسة، تضيف، لم تعد قادرة على دمج التلاميذ في المحيط السوسيو اقتصادي والثقافي، كما عزز التعليم الخاص من الفوارق لأنه قائم على الربح أكثر من التربية والتعليم، وخلصت إلى أن الإصلاح التنموي الحقيقي يبدأ من التعليم وتأهيل المدرسة، لأن التعليم والتنمية كلاهما يؤثر في الآخر ولا يمكن الفصل بينهما .
من ناحيتها، تناولت سعاد طاهر، المناضلة النقابية، دور التعليم في تحقيق التنمية البشرية، موضحة أن هذا المفهوم يعكس مجموعة من المؤشرات التي تحدد مستوى تقدم البلدان. ولفتت إلى أن المغرب يحتل مراتب متدنية على مستوى مؤشرات التعليم والمستوى المعيشي بسبب رداءة التعليم وضعف الدخل الفردي. كما أشارت إلى أهمية التعليم كركيزة أساسية لبناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات المستقبل مبرزة أن تصنيف الدول يتم بناء على ثلاثة معطيات : التعليم ، الصحة، والمستوى المعيشي، والمغرب يوجد في المراتب الدنيا كدولة تسجل ضعفا ورداءة في الخدمات الصحية والتعليمية.
وأكدت طاهر أن القطاع التعليمي في المغرب يعاني من عدة اختلالات هيكلية، وأبرزها غياب التوجيه السليم، مما يؤدي إلى الهدر المدرسي وتزايد نسبة البطالة. وأوضحت أن هذا الهدر المدرسي يعود إلى ضعف البنية التحتية، خصوصًا في المناطق القروية، حيث تجد الأسر صعوبة في إرسال أبنائها إلى المدارس بسبب المشاكل الاقتصادية مما يؤثر على الاستثمار في تعليم أبنائها. وخلصت إلى أن الفقر يمنع الأسر المغربية من توفير التعليم الجيد والرعاية الصحية اللازمة، إضافة إلى التفاوتات بين الجنسين في التعليم خاصة في القرى مما يؤدي إلى تفكك الأسرة كما أن الهجرة القروية تؤثر سلبا على الاستقرار الأسري.
أما الدكتورة خديجة كانيان، فقد تناولت في مداخلتها التفاوتات المسجلة في الولوج إلى الخدمات الصحية في المغرب، مشيرة إلى أن تحقيق تنمية مستدامة يتطلب استثمارات واسعة في القطاعين الصحي والتعليمي. وأوضحت أن مؤشرات أمل الحياة قد تحسنت في المغرب، حيث ارتفعت لدى النساء إلى 78 عامًا، كما انخفضت وفيات الأمهات والأطفال أقل من خمس سنوات، غير أن هذا التحسن يبقى محدودا بسبب ظهور بعض الأوبئة خصوصا ما سجل مؤخرا من العودة القوية لداء الحصبة في صفوف الأطفال والوفيات التي سجلت على إثر انتشاره بشكل كبير نتيجة لضعف تلقيحهم، والذي تفاقم خلال فترة كوفيد حيث تساهلت الأسر وأهملت تلقيح أطفالها، مما أدى إلى تفشي الوباء بشكل كبير، كما أشارت كانيان إلى التفاوت الكبير في الولوج إلى الخدمات الصحية بين المدن والقرى، وتطرقت إلى ضعف البنية التحتية في المجال الطبي حيث يعاني العديد من المواطنين من ضعف التجهيزات مما يدفعهم للجوء إلى القطاع الخاص، الذي يرفع تكاليف العلاج بشكل كبير ويثقل كاهل الأسر الفقيرة ويحول بينها وبين الحصول على خدمة صحية في مستوى التطلعات.
في سياق متصل، تحدثت بديعة مكور، نائبة رئيس جهة بني ملال خنيفرة، عن تأثير التعليم على تقدم الدول، مشيرة إلى أن المناطق النائية في المغرب، خصوصًا المناطق الجبلية، ما زالت تعاني من تدني مستويات التعليم، رغم المجهودات التي تبذلها الدولة لتوفير المدارس الجماعاتية والنقل المدرسي، إلا أن هذه المجهودات لم تفلح في القضاء على الهدر المدرسي، خصوصا في صفوف الفتيات، ودعت مكور إلى ضرورة تكثيف الجهود التوعوية تجاه الأسر حول أهمية تعليم بناتها.
أما أمينة الطالبي، فقد أكدت في مداخلتها على فشل السياسات التعليمية والصحية المتبعة في المغرب، مشيرة إلى أن هذه السياسات لا تتماشى مع تطلعات المجتمع المغربي في القرن الواحد والعشرين. ولفتت إلى أن هذا الفشل يعود إلى غياب استراتيجيات فعالة لمعالجة الإشكاليات المتعلقة بالأمية وضعف التعليم. وأشارت الطالبي إلى تأثير اللوبيات في القطاع الخاص في المجالات الصحية والتعليمية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية والتعليمية، مما يعقد من إمكانية الوصول إليها من قبل الفئات الضعيفة.
ويبقى التعليم والصحة، حسب جميع المداخلات، من أبرز التحديات التي تواجه التنمية في المغرب، لأنهما الركيزتان الأساسيتان اللتان يجب تحسينهما لضمان تنمية مستدامة، كما أن الدولة مطالبة بتحمل مسؤولياتها في تطوير هذه القطاعات، وتقديم استراتيجيات فعالة تضمن المساواة في الولوج إلى الخدمات، خصوصا بين المناطق الحضرية والقروية. بالإضافة إلى ذلك، كما أكدن على ضرورة تعزيز دور الأسرة في نقل القيم التعليمية والصحية للأجيال القادمة، ومكافحة التفاوتات الاجتماعية التي تعيق التنمية .
في ختام هذا اللقاء التناظري، أكدت حنان رحاب الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، أن لقاء أول أمس هو آخر لقاء خلال هذا الشهر الفضيل، الذي شهد تنظيم عدة لقاءات تمحورت حول مواضيع مختلفة تهم الأسرة المغربية وسبل النهوض بها، سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو القانونية. كما أشادت رحاب بالمساهمات القيمة التي قدمها المشاركون، والتي أثرت النقاش وساهمت في تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الأسر المغربية في ظل التحولات المجتمعية الراهنة.

 


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 25/03/2025