بنيس: 7 أكتوبر أعاد القضية إلى مربع الضوء بعد أن كادت تغيب
بلقزيز: المتطاولون على القضية خرجوا من شقوق تداعي عمراننا السياسي والثقافي
عبر الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، وهو يسير لقاء حول «الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو» يوم الثلاثاء 22 أبريل بمعرض الكتاب، شارك فيه الأكاديميان محمد بنيس وعبد الإله بلقزيز، عبر عن صدمته من الاختراق الذي تم داخل الإجماع الوطني المغربي حول عدالة القضية الفلسطينية، معتبرا أن المغاربة اعتبروا أنفسهم دوما»فلسطينيين بالفطرة والبداهة»، لافتا إلى أن القضية ستظل في الوجدان المغربي رغم كل محاولات الاختراق هذه.
وعلاقة بموضوع الندوة، اعتبر ياسين أن الإبداع الفلسطيني محتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى الى الدعم والإسناد ضد كل الأصوات التي تحاول إخراسه خاصة في الغرب الذي ينتصر للسردية الصهيونية من بوابة الإعلام، محاولا طمس الهوية الفلسطينية.
عبر الشاعر والأكاديمي محمد بنيس عن قلقه مما تمر منه القضية الفلسطينية اليوم لأننا نعيش «زمنا آخر»، فكريا وسياسيا وإبداعيا، على المستوى العربي والعالمي، مضيفا أن الرهان الإبداعي اليوم هو كيفية الإبقاء على هذه الجذوة الإبداعية حول فلسطين متقدة ومستمرة، خاصة في ظل المنع الذي أصبح يواجَه به كل خطاب ثقافي عن فلسطين حتى داخل بعض الدول العربية، متسائلا عن الصيغة التي يمكن بها صياغة هذا الخطاب أمام جيل جديد وحساسية كتابية جديدة.
ولفت صاحب «فلسطين: ذاكرة مقاومات» إلى أن سؤال الاستمرارية مرتبط في شق كبير منه بالإسناد الفكري والدعم، نشرا وتعريفا، في ظل التحولات التي تعرفها القضية حتى تستمر هذه المقاومة التي أسس لها جيل ما قبل النكسة أمثال محمود درويش وإدوارد سعيد وغسان كنفاني وفدوى طوقان وجبرا إبراهيم جبرا، زمن ترافق فيه الشعر والأدب مع الحركة المسلحة والكفاح.
وأكد صاحب « يقظة الصمت» أن 7 أكتوبر أعاد القضية إلى مربع الضوء ومركز الخطاب العالمي بعد أن كادت تغيب وسط التحولات الإقليمية المتسارعة، ومخططات إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط الجديد، مشددا على أن الإبداع الفلسطيني كان ولايزال عنصرا أساسيا في الحفاظ على الهوية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني الذي حاول طمسها، إبداعيا وهوياتيا، معتبرا أن ما قدمه الجيل المؤسس، خاصة في فترة انتعاش اليسار العربي والمقاومة المسلحة والمشروع التحرري الفلسطيني «ليس إرثا ثقافيا فقط، بل هو واقع حي وممتد في الزمن لا يزال إشعاعه مستمرا إلى اليوم، رواية وشعرا وتشكيلا وسينما».
ولم يفت صاحب «هواء بيننا»، وهو يشير إلى عودة اسم فلسطين إلى مركزية الحدث الدولي، أن يشدد على أن «أكبر انتصار للفلسطينيين اليوم هو هذا الزخم والتضامن المدهش على المستوى العالمي مع القضية، ومع شعب أثبت أنه لن يتخلى عن أرضه ولن يستسلم، وهذا هو الثابت الذي يجب أن نقتنع به، وعلى ضوئه يكون عملنا وعلاقتنا بالإبداعية الفلسطينية».
هذه الإبداعية ، يقول بنيس، ساهمت وتساهم في إبقاء الارتباط بالقضية وفهمها والتعاطف معها أكثر، وعليه فإن النخبة الفلسطينية عليها أن تعي دورها وتتجه نحو أفق إبداعي جديد باجتراح أساليب جديدة تتماشى والمتغيرات التي تعرفها القضية، ميدانيا واسترتيجيا، وهو وعي يقول بنيس» انتبه إليه محمود درويش مبكرا خاصة ما ارتبط منه بالوضعية الثقافية الفلسطينية والعالمية»، لافتا إلى أن هذه الرؤية المتجددة هي ما سيمنح للقضية دعما وانتشارا أكبر بين صفوف الكتاب العالميين، في الغرب، الذين باتت القضية في السنتين الأخيرتين محور كتاباتهم في عدد من الدول رغم ضغوطات اليمين السياسي الصاعد أو طرف عائلاتهم أحيانا.
بدوره اعتبر الأكاديمي والمفكر عبد الإله بلقزيز أن التمييز الذي اعتمده في كتاباته منذ 30 سنة خلت، أي بين الغرب والثقافي (الامبريالي الاستعماري)، والغرب الثقافي( المناصر للعقلانية ولقيم الديمقراطية الإنسانوية والحرية) لم يعد اليوم صائبا لأنه» لا يستطيع قراءة اللحظة الراهنة بتعقدها»، خاصة مع سقوط ورق التوت عن «فلاسفة ومفكرين غربيين أفصحوا بعد 7 أكتوبر عن صهيونيتهم، متنكرين لإرثهم الفكري التنويري، مقدما المثال بهابرماس وقبله سارتر وفوكو»، وهو ما نبه إليه عبد الكبير الخطيبي سابقا، مضيفا أن هذا التمييز لم يعد صالحا للتداول بعد التماهي بين الغرب الثقافي والسياسي، لكن، يؤكد بلقزيز ،أن الواقع الجديد «لا ينبغي أن يُسقطنا في خطاب التعميم، فقد انبرت استثناءات داخل الجامعات والمؤسسات المدنية» ، استثناءات أثبتت أن «هناك طلاقا حقيقيا في الغرب بين النخب السياسية والثقافية وبين الجمهور الصاعد الذي كشف زيف وسطوة الصهيونية»، لافتا إلى أن الغرب اليوم هو الذي يعيش التحولات التي أفرزتها 7 أكتوبر».
صاحب «الجماعة السياسية والمواطنة» شدد على أن الحديث عن فلسطين لابد أن يمر من الماهية الأساس التي يقوم عليها الوجود الفلسطيني والمرتبط بالعروبة التي «قُدِّسَت في العالم العربي لعقود» قبل أن يطلق سهام نقده وغضبه نحو بعض الخوارج عن الإجماع المغربي حول القضية والذين وصفهم بـ»المتطاولين الذين بدأوا يخرجون من شقوق تداعي عمراننا السياسي والثقافي».
وعن حضور فلسطين في الثقافة العربية، شدد بلقزيز على أن فلسطين «ظلت وستظل حاضرة حضورا يعبر عن انتمائها الأصيل إلى المنظومة المرجعية العربية» ، كونها ظلت سؤالا وجوديا وثقافيا وسياسيا، باعتبار أن «نهضة حركات التحرر العربي واليسار واليسار الجديد، اقترنت بقضية فلسطين التي شكلت رافعة سياسية للنهضة العربية» ، مضيفا أن «الثقافة السياسية العربية خرجت من مصهر فلسطين التي شكلت بدورها مقياسا لقياس درجة اقتدار الخطاب السياسي العربي».
ثقافيا، يقول صاحب «الزمن، الهوية والقيم» حضرت فلسطين، إبداعيا وفكريا، «لا كموضوعة» بل «باعتبارها مرجعية وجودية للتفكير في قضايا الحاضر الإنساني»، مضيفا أن «اللحظات الثقافية العربية بدأت فلسطينيا قبل أن تعم عربيا» ( إدوارد سعيد، إميل حبيبي، غسان كنفاني…).
لايربط بلقزيز ريادية الثقافة الفلسطينية، عربيا، بطابع المقاومة الذي جعلها رفيقة للسلاح وهي تشتبك مع سياسات المحو لإثبات الهوية، بل لكونها «استطاعت أن تقترح على القريحة العربية المعاصرة، مستويات استثنائية من الجمالية جعلتها ذات مرجعية مزدوجة: من جهة طابعها الطليعي المقاوم ، ومن جهة أخرى أنها ثقافة قدمت وتقدم أرفع لحظات التعبير الأدبي والإبداعي للثقافة العربية» في مقابل الخواء الفكري والفقر الثقافي للمشروع الصهيوني الذي يلجأ إلى سرقة التراث الفلسطيني وتسويقه باسمه.
وخلص المفكر المغربي إلى أنه «إذا كانت فلسطين قد نجحت في تحويل قضيتها من قضية وطنية إلى عربية ثم إلى قضية إنسانية، فإن الأدب نجح أيضا في تكريس نفسه بما هو أدب عالمي»، ومن ثم فإن الإجابة عن البعد الإنساني في القضية تبقى هي المحدد للانتماء إلى ثقافة الإنسانية من عدمه.