تُعد المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء إحدى المؤسسات الجامعية المرموقة التابعة لجامعة الحسن الثاني، وواحدة من أبرز المدارس العليا التي تسهم بفعالية في تكوين أطر قيادية قادرة على مواكبة متطلبات الاقتصاد الوطني والعالمي. لقد تميزت المدرسة، منذ تأسيسها، بجودة تكوينها الأكاديمي، وانفتاحها على محيطها السوسيو- اقتصادي، وشراكاتها المتعددة مع مؤسسات وطنية ودولية، مما جعلها منارة للتميز في مجالات التجارة، التسيير، والابتكار.
وفي ظل الإصلاحات البيداغوجية والتحولات الرقمية التي تشهدها منظومة التعليم العالي بالمغرب، كان لنا هذا الحوار الخاص مع الدكتور إسماعيل القباج، المسؤول الأول عن المدرسة، الذي تحدث لنا بإسهاب عن أجواء الدخول الجامعي، أبرز مستجدات الموسم، المشاريع المستقبلية، ورؤية المؤسسة في المشهد الجامعي الوطني.
n بداية كيف تقيمون أجواء الدخول الجامعي لهذه السنة بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء؟
pp يمكن القول إن الدخول الجامعي لهذه السنة مرّ في ظروف جدّ إيجابية، فقد تمكّنا من تأمين انطلاقة سلسة ومنظمة، سواء على مستوى استقبال الطلبة الجدد أو على مستوى انطلاق الدروس والأنشطة الأكاديمية. الأجواء العامة داخل المؤسسة تتّسم بالجدية والانضباط، وهناك حماس كبير لدى الطلبة والأساتذة على حدّ سواء. لقد أصبح الدخول الجامعي في ENCG الدار البيضاء موعدا مميزا يترقبه الجميع، لما تعرفه المدرسة من مكانة خاصة ضمن المنظومة الجامعية الوطنية، وما يثلج الصدر هو أن الطلبة الجدد أبانوا منذ الأيام الأولى عن وعي وانخراط كبيرين، خصوصا في الأنشطة التعريفية التي تنظمها الإدارة والأندية الطلابية لمساعدتهم على الاندماج في محيطهم الجديد.
n ما هي أبرز المستجدات التي تميز هذا الموسم مقارنة بالسنوات الماضية؟
pp نعيش هذه السنة المرحلة الثانية من تنزيل الإصلاح البيداغوجي الجديد الذي أطلقته شبكة المدارس الوطنية للتجارة والتسيير بالمغرب، بعد أن طُبّق الإصلاح خلال الموسم الماضي على السنتين الأولى والثالثة، تمّ تعميمه هذه السنة على السنتين الثانية والرابعة. ويهدف هذا الإصلاح إلى تحديث مناهج التكوين لتتلاءم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب والعالم، من خلال إدماج وحدات جديدة تركز على المهارات الرقمية وريادة الأعمال والابتكار، إضافة إلى تعزيز اللغات الأجنبية والتواصل المهني. كما أن المدرسة كانت سبّاقة وطنياً إلى اعتماد ثمانية تخصصات تشمل مجالات دقيقة كالتسويق الرقمي، التدبير المالي، الذكاء الاقتصادي، وسلاسل الإمداد، وقد مكّن هذا التنوّع من استقطاب كفاءات جديدة من الطلبة المتميزين، إذ تجاوز عدد المسجلين هذه السنة 600 طالب، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المدارس الوطنية للتجارة والتسيير بالمغرب. هذا الإقبال الكبير دليل على الثقة المتزايدة التي يحظى بها تكويننا الأكاديمي لدى الأسر والمقاولات، وعلى سمعة المؤسسة كمحطة أساسية لإعداد قادة المستقبل في مجالات التدبير والتسيير.
n تعرف المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء إقبالا متزايدا كل سنة. كيف تتعاملون مع هذا الضغط من حيث البنيات التحتية والطاقات الاستيعابية؟
pp فعلا، هذا الإقبال المتزايد يشكل تحديا حقيقيا، لكنه أيضا مصدر فخر واعتزاز. فالمدرسة أصبحت اليوم قبلة للطلبة المتفوقين من مختلف أنحاء المملكة. ومع ارتفاع عدد الطلبة، كان من الضروري التفكير في حلول عملية لتوسيع الفضاءات وتحسين ظروف الدراسة.
لقد أطلقنا منذ مدة مشروع توسعة هيكلي كبير يهدف إلى مضاعفة الطاقة الاستيعابية للمدرسة تقريبا. ويتضمن هذا المشروع تشييد بناية جديدة سترفع العدد الإجمالي للقاعات إلى 50 موزعة بين قاعات دروس ومدرجات ومختبرات رقمية حديثة، فضلا عن فضاءات مخصصة للبحث العلمي، هذا إلى جانب مركب رياضي متكامل يضم، قاعة للياقة البدنية مجهزة بأحدث المعدات، وملعبي «بادل»، وملعب لكرة القدم بعشب اصطناعي، وملعب للرياضات المتعددة، وجدار للتسلق بمعدات حديثة، بالإضافة إلى ملعب خاص برياضة رمي السهم.
صحيح أن بعض العوائق التقنية والإدارية أخرت إنجاز مشروع التوسعة في الآجال التي كنا نطمح إليها، لكننا قطعنا مراحل مهمة، وجميع الصفقات الخاصة بالتجهيزات جاهزة، ونأمل أن نتمكن قريبا من استقبال الطلبة في هذه المرافق الجديدة التي ستشكل نقلة نوعية في حياة المؤسسة.
n ما هي التدابير التي اتخذتها الإدارة لضمان تكافؤ الفرص أمام الطلبة في ظل هذا الإقبال الكبير؟
pp نحن في ENCG الدار البيضاء نؤمن أن التعليم العمومي يجب أن يظل رافعة للعدالة الاجتماعية، لذلك نحرص على أن تظل فرص الولوج متكافئة أمام جميع الطلبة، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الجغرافية. نحن نعمل في هذا الصدد في إطار شبكة وطنية من المدارس التي تتعاون فيما بينها لتقاسم التجارب وتنظيم ولوج موحد عبر منصة مركزية تضمن الشفافية والإنصاف، كما تعمل الشبكة على توسيع انتشارها الجغرافي، حيث من المرتقب افتتاح مدرستين جديدتين بكل من الحسيمة وكلميم، وهو ما سيساهم في توزيع الطلبة بشكل متوازن ويخفف الضغط عن المراكز الكبرى.
n كيف تشتغلون على الحفاظ على جودة التكوين الأكاديمي رغم ارتفاع عدد الطلبة؟
pp هذا سؤال جوهري، لأن الجودة هي العمود الفقري لكل مؤسسة جامعية. نحن نشتغل وفق مقاربة تجمع بين الصرامة الأكاديمية والمرونة التنظيمية. من جهة، نحرص على تقسيم الطلبة إلى مجموعات محدودة العدد لضمان التفاعل والمواكبة، ومن جهة أخرى نعمل على الرفع من عدد الأساتذة العرضيين والمهنيين الذين يأتون بخبرة ميدانية من عالم المقاولة لتغذية الدروس بأمثلة واقعية وحالات تطبيقية. وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة إلى أن المدرسة استضافت السيد فتح الله ولعلو، وهو من القامات البارزة في المجال الاقتصادي، من أجل إلقاء درس افتتاحي يوم 15 من شهر أكتوبر. وبالإضافة إلى ما سبق نعمل حاليا على تطوير التعليم الرقمي، عبر منصات للتعلم عن بُعد وتدبير المحتوى البيداغوجي إلكترونيا، مما يتيح للطلبة متابعة المحاضرات والوثائق في أي وقت. هذه الدينامية سمحت بالحفاظ على جودة التكوين رغم الارتفاع المتزايد في عدد الطلبة.
n هل هناك تعزيزات في الطاقم البيداغوجي أو استقطاب كفاءات جديدة لتأطير هذا العدد المتزايد؟
pp طبعا، نقوم دوريا بتوظيف أساتذة باحثين جدد في تخصصات متنوعة، كما تعاقدنا مع عدد من الأساتذة المهنيين والخبراء الذين يزاوجون بين التكوين الأكاديمي والممارسة الميدانية في مجالات مثل المحاسبة، التسويق، والتحليل المالي. هذا التنوع في الأطر المؤطرة يتيح للطلبة تكويناً متوازناً يجمع بين النظرية والتطبيق، وهو ما يميز خريجي ENCG الدار البيضاء الذين يندمجون بسهولة في سوق الشغل.
n كيف تواكب الإدارة الطلبة الجدد لتسهيل اندماجهم في الحياة الجامعية؟
نعتبر مرحلة الاندماج أساسية في نجاح المسار الدراسي. لذلك، نخصص أسبوعاً توجيهياً في بداية الموسم يتعرف خلاله الطلبة الجدد على النظام البيداغوجي، ومختلف الخدمات التي توفرها المؤسسة، وعلى أندية الطلبة وأنشطتهم. كما نحرص على إشراك الطلبة القدامى في استقبال زملائهم الجدد، من خلال مبادرات تطوعية تُعرّفهم بثقافة المدرسة وروحها الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، نوفر خدمات الدعم النفسي والإرشاد الأكاديمي، لمساعدة الطلبة على التكيف مع الحياة الجامعية وضغوطها الجديدة.
n وماذا عن دعم الأنشطة الموازية والحياة الجامعية داخل المؤسسة؟
pp يمكن القول إن الأنشطة الطلابية تمثل نقطة قوة ENCG الدار البيضاء حيث تعد المدرسة من بين الأغنى وطنياً في هذا المجال. لدينا حوالي 20 نادياً طلابياً تنشط في مجالات متعددة: الخدمات الاجتماعية، المقاولة، الابتكار، الرياضة، الفن، البيئة والتطوع. نعتبر هذه الأنشطة امتداداً طبيعياً للتكوين الأكاديمي، لأنها تُنمّي لدى الطلبة مهارات القيادة، والعمل الجماعي، والاتصال، والمسؤولية الاجتماعية. الإدارة تدعم هذه الأندية مادياً ولوجيستيكياً، وهو ما مكنها ليس فقط من تحقيق نتائج إيجابية وملموسة على المستوى الوطني، بل حتى على المستوى الدولي، وذلك من خلال المشاركة في ملتقيات عالمية، كان آخرها ملتقى خاص بنوادي Enactus نظم في دولة تايلاند، هذا في الوقت الذي يستعد نادي «كورال» للمشاركة في مسابقة دولية بالولايات المتحدة الأمريكية، ولا يمكن في هذا الإطار المرور دون التنويه بالجهود التي يبذلها نادي «فانتازيا» الذي شارك في عدة عروض مسرحية شملت العشرات من البلدان في العالم. ولابد من الإشارة هنا إلى أن إدارة المدرسة وفرت للنوادي فضاءات خاصة للاشتغال، كما تُشجع تنظيم التظاهرات الكبرى التي أصبحت علامات مميزة في الحياة الطلابية مثل «أيام التشغيل» و»الأسابيع الجامعية».
n كيف تضمنون مرافقة الطلبة في مساراتهم البيداغوجية والمهنية؟
المواكبة مبدأ أساسي في فلسفة المدرسة. لدينا نظام متابعة دقيق يشمل حصص دعم للطلبة الذين يواجهون صعوبات، إلى جانب مكتب خاص بالتوجيه يساعدهم في اختيار تخصصاتهم وتدبير مراحل التدريب والمشاريع التطبيقية. كما نعمل بتعاون وثيق مع شبكة من خريجي المدرسة، الذين يساهمون بخبرتهم في تأطير الطلبة ومواكبتهم نحو سوق الشغل. هذا الرابط بين الأجيال يعزز انتماء الطلبة لمؤسستهم ويخلق جسوراً دائمة بين الجامعة والمقاولة.
n ما هي مشاريعكم المستقبلية لتوسيع الطاقة الاستيعابية وتحسين ظروف التكوين؟
pp كما قلت سابقا، يظل أهم مشروع في الأفق القريب هو استكمال البناية الجديدة وتجهيزها بمختبرات رقمية وقاعات تفاعلية حديثة. كما سنعمل على تطوير الخدمات الرقمية للطلبة من خلال منصة إلكترونية شاملة تسمح بالتسجيل، وتتبع المسار الدراسي، والتواصل مع الإدارة. على المدى المتوسط، نطمح إلى إحداث مركز للبحث والابتكار في ريادة الأعمال يكون مفتوحاً أمام الطلبة والخريجين والمقاولين الشباب، بهدف تحويل الأفكار إلى مشاريع حقيقية تخلق القيمة وفرص الشغل.
n في الختام، كيف ترون دور المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء في المشهد الجامعي والاقتصادي الوطني خلال السنوات المقبلة؟
pp أعتقد أن دور ENCG الدار البيضاء سيتعزز أكثر فأكثر في السنوات القادمة فالمغرب اليوم في حاجة إلى كفاءات مؤهلة قادرة على قيادة التحول الاقتصادي والرقمي، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء توجد في صلب هذا التحول. إن موقعها في العاصمة الاقتصادية للمملكة يمنحها ميزة استراتيجية، لأنها تتفاعل مباشرة مع الفاعلين الاقتصاديين وتستجيب لحاجياتهم من الأطر العليا، وهدفنا هو أن تظل المدرسة فضاءً للتميز والابتكار، وأن تساهم بقوة في بناء نموذج تنموي جديد يرتكز على الكفاءة والمعرفة والريادة.

