يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية لمناقشة مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي نعتبره محطة تشريعية بالغة الأهمية في مسار تأهيل الإعلام المغربي ومؤسساته المهنية، وتنظيم مؤسسة مهنية جوهرية في البناء الديمقراطي لبلادنا. وإنه لمن صميم مسؤوليتنا، كمعارضة اتحادية، أن نواكب هذا الورش التشريعي الحيوي برؤية نقدية بناءة، تستند إلى قناعتنا الراسخة بأن لا ديمقراطية بدون صحافة حرة، ولا حرية بدون استقلالية مؤسساتية، ولا مؤسساتية بدون تمثيلية ديمقراطية وعدالة مهنية.
يأتي مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة كمبادرة تشريعية تستجيب لحاجة موضوعية إلى تحديث الإطار القانوني الذي ينظم هذه المؤسسة المهنية، وذلك بعد التجربة الأولى التي انطلقت سنة 2018. ويمكن القول إن المشروع يحمل في طياته مجموعة من الإيجابيات والمستجدات، أبرزها: تعزيز مهام المجلس في مجال الوساطة والتحكيم، تكريس الطابع المؤسساتي للتقرير السنوي حول وضعية الصحافة، تدقيق مساطر الانتخاب والانتداب، إقرار نظام اشتراكات يمكّن المجلس من موارد مالية ذاتية، وتوسيع تمثيلية المجلس لتشمل مؤسسات دستورية. كما يُعد هذا المشروع خطوة متقدمة نحو مأسسة التنظيم الذاتي للمهنة، وهو ما نعتبره في الفريق الاشتراكي مكسباً ينبغي تثمينه.
إننا لا ننظر إلى الصحافة فقط كقطاع مهني، بل نراها مجالاً مؤسِّساً للوعي الجماعي، وشرطاً ضرورياً لأي انتقال ديمقراطي حقيقي. فالإعلام في تصورنا ليس مجرد ناقل للمعلومة، بل قوة اقتراحية، سلطة مضادة، ضمير مجتمعي، ومرآة حية لما يجري في عمق المجتمع.
ومن هذا المنطلق، فإن أي نص تشريعي يتعلق بتنظيم الصحافة، باعتبارها إحدى أهم قلاع التعبير الحر والديمقراطية في بلادنا، لا يمكن أن يُقاس فقط بجودته التقنية، بل بمقدار وفائه لقيم الحرية، والاستقلالية، والمهنية، والتعددية.
إن مشروع القانون رقم 026.25، ورغم بعض عناصر التقدم التي يتضمنها، يثير لدينا عدة تحفظات وتساؤلات جوهرية، سنعرضها في هذه المداخلة المفصلة على الشكل التالي:
أولاً: الفلسفة العامة للمشروع – هل نحن أمام تنظيم أم مراقبة؟
يبدو أن المشروع ينطلق من منطق تنظيمي تأطيري، لكنه لا يُخفي خلف سطوره رغبة في مراقبة الجسم الصحافي من الداخل. إذ يمنح المجلس الوطني سلطات تأديبية واسعة، ويُرسّخ آليات انتخابية وانتدابية قد تعيد إنتاج هيمنة أقلية اقتصادية على الحقل الإعلامي. وهذا يتناقض مع روح دستور 2011 الذي أقر بحرية الصحافة كحق دستوري لا يقبل التقييد إلا بحدود القانون وفي إطار احترام حقوق الغير.
نحن مع التنظيم الذاتي للمهنة، لكن بشرط أن يكون تنظيماً ديمقراطياً، حراً، ومستقلاً، لا امتداداً تقنياً لسياسات الضبط والاحتواء.
ثانياً: حول استقلالية المجلس الوطني للصحافة
ينص المشروع على تعيين مندوب حكومي لدى المجلس بصفة استشارية. ورغم الصيغة المخففة، فإننا نعتبر أن هذا المندوب يُمثل وصاية غير مبررة على مؤسسة من المفروض أن تكون مستقلة استقلالاً كاملاً عن الجهاز التنفيذي.
نطالب بحذف هذا المقتضى أو على الأقل التنصيص على أن وظيفته إدارية محضة، ولا تمتد إلى التوجيه أو التدخل في قرارات المجلس أو لجانه.
كما أن طريقة تعيين بعض الأعضاء من طرف مؤسسات رسمية، دون إشراك فعلي للمجتمع المهني أو النقابي، يُفرغ فكرة التنظيم الذاتي من مضمونها.
ثالثاً: السلطة التأديبية بين الضرورة والتوجس
نحن لا نعترض على وجود آليات تأديب تضمن احترام أخلاقيات المهنة. بالعكس، نعتبر أن ميثاق الأخلاقيات يجب أن يكون المرجع الأعلى لأي ممارسة صحافية. لكننا نتحفظ على ما يلي:
غياب ضمانات المحاكمة العادلة داخل المساطر التأديبية؛
إمكانية التوظيف السياسي أو المهني للعقوبات؛
غياب التوازن في تركيبة اللجنة التأديبية؛
عدم التنصيص الصريح على إمكانية الطعن أمام القضاء الدستوري في كل العقوبات التي تمس الحق في الممارسة المهنية.
ونحذر من أن تتحول آليات التأديب إلى آليات ترهيب، خصوصاً في السياقات التي يُنتقد فيها الفساد أو تُكشف فيها خروقات السلطة.
رابعاً: الاختلالات المرتبطة بآلية الانتخاب وتمثيلية الصحافيين داخل المجلس الوطني للصحافة
يُثير مشروع القانون رقم 026.25 إشكالات ديمقراطية ومهنية، خاصة من خلال تبنيه نمط الاقتراع الفردي الاسمي لانتخاب ممثلي الصحافيين، في تراجع واضح عن تجربة 2018 التي اعتمدت اللوائح النقابية وحققت توازناً تمثيلياً.
هذا التوجه يُقصي التنظيمات النقابية، ويُضعف شرعية التمثيل، خصوصاً لفئات الصحافة الجهوية والسمعي البصري والمستقلة. كما يتعارض مع مقتضيات الدستور، لاسيما الفصول 8 و11 و12، ومع التزامات المغرب الدولية في مجال الحريات النقابية والتمثيل المهني.
يتحدث المشروع عن التوازن بين ممثلي الصحافيين والناشرين، لكنه يمنح الأفضلية الضمنية للناشرين من خلال ربط التمثيلية بمعايير رقم المعاملات وعدد المستخدمين، وهو ما يفتح الباب أمام هيمنة المؤسسات الإعلامية الكبرى، ويقصي الصحافة الجهوية والصحافيين المستقلين.
نحن مع تمثيلية منصفة، عادلة، متوازنة. ونطالب بالتالي:
إشراك النقابات المهنية الأكثر تمثيلية في تركيبة المجلس؛
تخصيص مقاعد للصحافة الجهوية والمحلية؛
ضمان تمثيلية النساء بما يتجاوز الحد الأدنى العددي، نحو مشاركة فعلية في كل مستويات القرار داخل المجلس.
خامساً: الإعلام الرقمي – الغائب الحاضر
لا يمكن اليوم الحديث عن تنظيم الصحافة دون التطرق للإعلام الرقمي، الذي أصبح الساحة الأساسية لتداول المعلومة. لكن المشروع يُعامله كمُلحق بالصحافة الورقية، دون أن يُقرّ بخصوصيته، وتحدياته، وضرورة ميثاق خاص به.
نقترح:
إحداث لجنة دائمة خاصة بالإعلام الرقمي؛
تكوين الصحافيين في تقنيات الصحافة الرقمية والتحقق من الأخبار؛
تشجيع الابتكار الصحفي وتشريع أدوات جديدة للحماية الرقمية.
سادساً: التقرير السنوي – من حق المواطن أن يعرف
ينص المشروع على إعداد تقرير سنوي حول حرية الصحافة، لكنه لا يلزم المجلس بنشره أو مناقشته أمام البرلمان أو العموم. نطالب بأن يُحال هذا التقرير وجوباً على البرلمان، وأن تتم مناقشته داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال، وأن يُنشر في الجريدة الرسمية وموقع المجلس.
الشفافية هي شرط الثقة.
سابعاً: تمويل المجلس – بين الاستقلالية والتضييق
نحن مع إقرار اشتراكات على الناشرين، لكن يجب مراعاة:
الفوارق بين الصحافة الكبرى والصغرى؛
صعوبات التمويل والتوزيع التي تعرفها الصحافة الورقية؛
تخصيص موارد داعمة للإعلام الجهوي والمقاولات الناشئة.
كما نطالب بإخضاع مالية المجلس لتدقيق سنوي يُحال إلى المجلس الأعلى للحسابات.
ثامناً: دور المجلس في تأهيل القطاع وتثمين الصحافي
نؤكد على ضرورة أن لا يُختزل دور المجلس في الزجر والعقاب، بل يجب أن يكون فضاء لتطوير المهنة، من خلال:
التكوين المستمر؛
مواكبة التطورات التكنولوجية؛
الدفاع عن الوضعية الاجتماعية للصحافيين؛
إطلاق مبادرات وطنية لتشجيع القراءة الإعلامية لدى الشباب.
السيد الوزير، السيدات والسادة النواب،
نحن لا نعارض هذا المشروع جملة وتفصيلاً، بل نرى فيه قاعدة يمكن البناء عليها، لكن شرط أن يُعدل بما يضمن:
استقلالية المجلس عن الحكومة والسلطة؛
ديمقراطية الانتخاب والانتداب؛
حماية الصحافيين من التعسف؛
انفتاح المجلس على كل مكونات الحقل الإعلامي.
نحن نؤمن بأن لا ديمقراطية دون صحافة حرة، ولا صحافة حرة دون حماية قانونية ومؤسساتية، ولا حماية دون ثقة، ولا ثقة دون تمثيلية، وشفافية، واستقلالية.
لذلك ندعو الحكومة إلى التفاعل مع تعديلاتنا بروح منفتحة، ونأمل أن يُصبح هذا النص أداة لترسيخ حرية الإعلام لا لتقييدها.