في ندوة «المنظومة الاجتماعية وتحديات المستقبل» التي نظمتها لجنة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية:

أحمد العاقد: الحماية الاجتماعية تتطلب سلوكا سياسيا نزيها يحتكم إلى المقتضيات القانونية

محمد المرجان: التباعد الجسدي لتحقيق التقارب الاجتماعي حفاظا على التماسك المجتمعي

جمال الصباني: البحث العلمي ضروري للتقدم والتحديث

خولة لشكر:لا بد من إعادة هيكلة سوق الشغل وإعطاء الأولوية للنساء والشباب

 

نظمت لجنة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالمجلس الوطني للحزب، يوم الثلاثاء 21 يوليوز 2020، على الساعة السادسة مساء، ندوة عن بعد حول موضوع « المنظومة الاجتماعية وتحديات المستقبل»، بمشاركة الأخت خولة لشكر، خبيرة في التنمية الاقتصادية وعضو المجلس الوطني للحزب، والأستاذ محمد المرجان، أستاذ جامعي ورئيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، والأخ جمال الصباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي وعضو المجلس الوطني للحزب.
وفي بداية اللقاء، رحب الأخ أحمد العاقد، مسير الندوة ومنسق لجنة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بالمشاركين الحاضرين، مرحبا بمتابعي صفحة الحزب على الفايسبوك المخصصة للنقل المباشر،ومعبرا عن شكره لكل من ساهم في إعداد هذا اللقاء الفكري بامتياز، معتبرا أنها فرصة لاستحضار مهام الحزب التاريخية في محاربة الفقر والأمية والبطالة والهشاشة، مذكرا بالمشروع الاتحادي المجتمعي الحداثي، المحافظ على الهوية المغربية والذي يتم الاعتماد فيه بالأساس على الرأسمال البشري لتحقيق التنمية، عبر تعزيز دور الدولة والتدخل لصالح الفئات الاجتماعية المتضررة في المجتمع. فالمواطن المغربي يحتاج اليوم وأكثر من أي زمن آخر إلى الرعاية لا إلى الإحسان، كما يؤكد الأخ أحمد العاقد الذي أشار إلى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حريص في جميع قراراته وأوراقه السياسية ومؤتمراته على الحماية الاجتماعية، وأنه كان من المطالبين منذ عقود بالدعم الاجتماعي المباشر لمواجهة الهشاشة. وذكر مسير اللقاء بالانفراج الاقتصادي والاجتماعي الذي شهده المغرب إبان حكومة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، معبرا عن تأسفه للتراجعات الحكومية التي عرفها المغرب بعد إقرار دستور 2011، من تهميش للمسألة الاجتماعية والتضييق على الطبقة الوسطى وعدم استثمار المكتسبات السياسية.
وانطلاقا من القيم الإنسانية الكونية والحق في الحياة ومبدأ قبول واحترام الآخر، شدد الأخ أحمد العاقد على أهمية التماسك الاجتماعي الذي برهن عليه التناغم بين كافة مكونات المجتمع المغربي حيث كانت هناك قرارات ملكية حكيمة واستباقية، وكان هناك انخراط للمواطنين ولكافة مكونات المجتمع بشكل جماعي وتلقائي وراء كل التدابير التي تتعلق بالحجر الصحي أو حالة الطوارئ الصحية.
واعتبر أن المنظومة الاجتماعية التي تشكل موضوع اللقاء تمثل شرطا أساسيا من شروط التماسك المجتمعي، وأنها تتطلب إرادة سياسية وسلوكا سياسيا حازما وواعيا لكافة الأطراف السياسية، ولا يمكن للمرء إلا أن يستنكر في ظل هذه الجائحة خرق بعض المسؤولين الحكوميين للمقتضيات القانونية المتعلقة بالحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي. وفي هذا الصدد، ذكر بأن للاتحاد الاشتراكي تصورا متكاملا تحكمه الرؤية الاجتماعية ومبدأ العدالة الاجتماعية، لكن كذلك تحكمه الميل للقوات الشعبية والفئات الهشة الصامدة دائما، وهو ما عبرت عنه الأرضية التوجيهية للأخ الكاتب الأول في كيفية تدبير الجائحة خاصة بالنسبة للمرحلة المقبلة، وعبر عنه آخر بيان للمكتب السياسي والذي أكد على البعد الاجتماعي للسياسات العمومية في المرحلة المقبلة.
بعد ذلك، قدم مسير اللقاء، المداخل الأساسية للقاء: المدخل الأول هو الجانب الصحي ومحاربة الفقر، والمدخل الثاني هو التأكيد على التربية للعموم وللجميع بنفس القدر وبنفس الجودة، والمدخل الثالث هو التشغيل لأنه بدون تشغيل لا يمكن الاستجابة إلى تطلعات المواطنات والمواطنين لا في بناء أسرهم ولا في مساهماتهم السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
فبالنسبة للمدخل المتعلق بالجانب الصحي ومحاربة الفقر، أكد الأخ المسير على ثلات نقط فيما يتعلق بالمنظومة الصحية. أولا، رغم ضعف المنظومة الصحية الوطنية واختلالاتها، لكن على محك الجائحة أبانت عن أشياء إيجابية لابد من الاحتفاظ بها، كدورالمرأة في المجتمع التي كانت في طليعة الذين دعموا المجتمع واشتغلوا ليل نهار وأبانواعن ذلك في المستشفيات وفي مختلف المواقع داخل المنظومة الصحية. ثانيا، الصحة العمومية تعيد النظر اليوم في دور القطاع الخاص مؤكدة على دورها الحاسم والهام. وثالثا، المقاولات الوطنية هي مقاولات منتجة، وكلما تعززت المبادرات، كلما تقوى الإنتاج الوطني لخدمة الاستهلاك المحلي أو للتوجه نحو التصدير (إنتاج الكمامات وأجهزة التنفس الاصطناعي).
بعد ذلك، تناول الكلمة الأستاذ محمد المرجان، أستاذ جامعي ورئيس الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، الذي اعتبر أن هذه الظاهرة التي هاجمت الإنسانية الآن بشكل أو بآخر، شكلت نوعا من الاختلال العميق جدا في البنيات والمؤسسات والأنساق والقيم بشكل مهول ومرعب غير مسبوق.
وأبرز المتدخل أنه حدثت في التاريخ البشري العديد من الأوبئة بشكل أكثر انتشارا، ولكن الوعي بها وإدراك المخاطر ربما انفجر بشكل قوي جدا في العصر الحالي إلى درجة أنه أصبح رعبا يقابل أنواع الرعب الأخرى التي كانت مرتبطة بالقنبلة الذرية ومرتبطة بالجناح العسكري القائم على الإبادة القاتلة لكل البشرية. وأوضح الأستاذ مرجان أن الأمر يتعلق بظاهرة جديدة من حيث تكوينها ومن حيث طبيعتها، لكن أيضا بظاهرة جديدة هي وعي البشرية وإحساسها بالخطر تجاه هذا المرض الفتاك ومحاولة التضامن على المستوى العالمي، وليس فقط على المستوى المحلي. الأمر يهم البشرية جمعاء إذ بقدر ما أحدث من رعب على مستوى الكون، بقدر ما جعل البشرية تتكاثف وتتضامن من أجل إنتاج الذكاء الاجتماعي العالمي الذي يدفع الآن إلى إفراز نوع من الوعي ومن المسؤولية الكاملة من أجل الحفاظ على استمرارية البشرية في جو آمن وسليم.
وأشار المتدخل إلى أن الظاهرة الوبائية بعثت في المجتمع الدولي نوعا من التحدي الذي بمقتضاه يمكن المحافظة على التوازن الاجتماعي وإن تطلب ذلك زمنا طويلا للوصول إلى النتائج المرجوة والتمكن من فهمها واستعابها بشكل ما.
وتوقف الأستاذ مرجان عند موقفين، الأول يتأسس على نوع من التفاؤل على اعتبار أن العالم ما بعد كورونا سيعيد بناء نفسه من جديد ويسعى جاهدا إلى تضميد جروحه والاستفادة من أخطائه بحق الطبيعة والإنسان مما سيؤدي إلى تراجع فرص التناحر والصراع بين الدول. وبموجب هذا الموقف الأول، سيعرف العالم بأن العلم في كل هذا هو مفتاح الفرج وأن الاستثمار في الصحة وفي التعليم وفي التقنية هو السبيل لتأمين البناء والخطاب الذي تعمل رأسمالية الكوارث على نشره لأن يكون خطابا ينتمي إلى الطابور الخامس. والموقف الثاني الذي توقف عنده المتدخل، يعتقد أن التغيير يكون ضمن نسق الاستمرار، معنى ذلك أن البنيات الأشد رسوخا في المشهد العالمي ستواصل دور حياتها أو مايسميه بعض المفكرين السياسيين بالبلطجة الدولية ويستمر العالم في صناعة نهاية التاريخ.
وأوضح أننا أمام رأيين متضاربين كلاهما يحاول أن يرى نوعا من التفاؤل في المستقبل بينما الآخر يرى أن هذا المرض لن يستطيع أن يغير المجرى العام ولا التحولات العالمية بشكل من الأشكال، كما أوضح المتدخل أن المغرب، في إطار الحسم والرهان العقلاني القائم على احترام التوازنات، اختار الإنسان وربح الرهان في المرحلة الأولى عبر سياسة معقلنة قائمة على منطق إنقاذ البشر أولا.
واعتبر أن الرهان في سبيل تأمين الحياة البشرية يقتضي أيضا رؤية شمولية نظرا لتشابك وتفاعل القطاعات والقضايا المنبثقة عن المجتمع فلا يمكن مثلا تأمين الصحة بدون تعليم، بمعنى آخر أنه لا يمكن وضع تراتب أو تسلسل بين المجالات، بل ينبغي اعتبار وتقدير التمازج والتداخل بين جميع القطاعات الاجتماعية: تداخل قضايا الصحة بقضايا السياسة وبقضايا الثقافة وبقضايا التعليم وبالقضايا الاجتماعية. واعتبر الأستاذ مرجان أن المغرب، من خلال النموذج الذي اختاره في مواجهة الوباء، عبر عن عقلانية تمثلت في التدخل الحكيم من أعلى السلطات وفي التضامن القوي على مستوى القاعدة الشعبية والفئات الشعبية.
لكنه اعتبر أن المشكل الآن هو في النتائج، أي كيفية تدبير ربح الرهان مع انفجار أزمات أخرى على المستوى الاقتصادي، خاصة البطالة، ومع تعمق الهوة بين الشرائح الاجتماعية خاصة لدى الفقراء والفئات البسيطة جدا بخصوص التعليم عن بعد.
ومن جهة أخرى، أثار الانتباه إلى أن الإيجابيات لا يمكن أن تخفي السلبيات، موضحا أن الأسرة استطاعت –حقيقة- أن تنجو بنفسها أمام مواجهة الجائحة، لكنها كانت في نفس الوقت مصدرا للعديد من التناقضات والمشاكل الاجتماعية وعلى رأسها العنف ضد المرأة. كما أوضح أن الرعب الكوروني أدى إلى اهتزاز الثقة في المؤسسات، والثقة في الآخر الذي بات يشكل خطرا ويتوجب الابتعاد عنه، والثقة في منظومة الاستهلاك، والثقة في سلم القيم، مما يؤدي إلى انهيار العلاقات وتفكك الروابط الاجتماعية وتراجع الشرعية والمشروعية.
ودعا إلى ضرورة البحث عن تعاقد مغايرلاستعادة الثقة وترميم الاقتصاد والسياسة والصحة والتعليم، معتبرا أن الجانب الاجتماعي هو أخطر شيء لأنه يمتد ليشمل البنيات والمؤسسات والعقائد والعادات والتقاليد وكل مايربط الناس فيما بينهم.
واعتبر المتدخل أن الأساس الذي بنيت عليه مواجهة الكوفيد هي التباعد الجسدي وليس الاجتماعي، وهو ما يفرض على علم الاجتماع طرح التساؤلات الضرورية وتحليل التحولات العميقة التي طرأت وإعادة النظر في دور السياسة والعلم.
وفي مداخلة ثانية، تناول الأستاذ جمال الصباني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي وعضو المجلس الوطني للحزب، موضوع المنظومة الاجتماعية مجسدة في التعليم العالي والبحث العلمي والرهانات المطروحة على هذا المجال مستقبلا، مشيرا إلى الدروس التي أنتجتها هذه الجائحة. وتوقف المتدخل عند صمود القطاعات العمومية التي ظلت في الواجهة في المجال الصحي والتعليمي، وعجز القطاع الخاص عن المواكبة والقيام بدوره، كما توقف عند سمو ومركزية المعرفة العلمية ملاحظا كيف أن رؤساء دول انتقلوا إلى علماء في تخصصات محددة لاستشارتهم، في تراجع تام للشعوذة والخرافات.
وذكر الأخ الصباني بأن التوجهات قبل الجائحة كانت توجهات النيوليبرالية التي بدأت سنة 1975 في الشيلي مع انقلاب بينوشي، وذكر أيضا بالتوجهات التي سادت المغرب بمناسبة تفعيل برنامج التقويم الهيكلي في الثمانينات، ونبه إلى أن مرحلة الربيع العربي وما تلاها عرفت كذلك التركيز على التوجه النيوليبرالي مع الأحزاب الإسلامية التي أخذت الحكم في مصر وفي تونس. وذكر المتدخل بمرحلة حكومة بنكيران ومقولاته الشهيرة أنه حان الوقت لرفع اليد عن التعليم وعن الصحة، يعني القطاعات العمومية التي وجدناها صامدة اليوم.
والخلاصة الثانية، التي عبر عنها الأستاذ الصباني هي سمو ومركزية المعرفة التي تجعلنا ننظرنظرة جديدة إلى التعليم العالي الذي هو ليس مجرد قمة الهرم، حيث استحضر دور الأطباء ورجال الأمن والمهندسين، الذين أتموا تكويناتهم داخل التعليم العالي المرتبط بالبحث العلمي، مما جعلهم يتخذون قرارات في الوقت المناسب، وكيف لدول عظمى تستشير باحثين مغاربة في الخارج كمنصف السلاوي وعدة نماذج أخرى. وتطرق المتدخل إلى أهداف النقابة الوطنية للتعليم العالي، ومدى ارتباطها بتطلعات الشعب المغربي، وهي:
أولا: تقدم البلاد.
ثانيا:المؤسسات الديمقراطية.
ثالثا: المجتمع الحداثي.
رابعا: العدالة الاجتماعية.
ولكي يتم الوصول إلى هذه الأهداف -حسب الأستاذ الصباني- فإنهناك قيما يجب أن تكون في منظومة التعليم العالي من بينها:
أولا: إذا أردنا تقدم البلاد، فيجب تقدم البحث العلمي. وكي يتأتى ذلك، يجب على المعرفة أن تظل في القطاع العمومي، لأن خوصصة المعرفة لاتمكن من انتشارها ولا تسمح بإنتاجها.
ثانيا: لبناء مؤسسات دمقراطية، لابد من استقلالية المعرفة، بمعنى أن الضوابط التي تتحكم في المعرفة يجب أن تكون ضوابط أكاديمية وأكاديمية فقط، عبر تمكين الجامعة من إمكانيات مالية وسلطة علمية وأكاديمية لإنتاج وتلقين المعرفة.
ثالثا: كي نبني مجتمعا حداثيا ، يتعين ربط التكوين بالبحث، لأجل تنمية الفكر المبني على النقد.
رابعا: لا يمكن أن تكون عدالة اجتماعية بدون الولوج إلى المعرفة وفق الشروط الأكاديمية.
وأكد المتدخل على ضرورة إصلاح شمولي للمنظومة وهذا الإصلاح هو توحيد التعليم العالي، وأضاف أنه حان الوقت للرجوع إلى التوحيد، أي في نفس الجامعة التكوين المهني والتكوين الأكاديمي والبحث العلمي، كالجامعات في ألمانيا والصين.
وفي الأخير، دعا الأستاذ الصباني إلى مراجعة القوانين المنظمة للمنظومة ككل.
من جانبها،اعتبرت الأخت خولة لشكر، خبيرة في التنمية الاقتصادية وعضو المجلس الوطني للحزب، في مداخلتها،أن التحديات والرهانات المرتبطة بالشغل وقضايا التشغيل أساسية، وأن دوره ضروري لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنموي، الذي تطمح إليه بلادنا، مؤكدة أن إشكالية التشغيل بالمغرب لها خصوصيتها لأنها إشكالية ومعضلة هيكلية ليست وليدة اللحظة أو وليدة الجائحة.
وأشارت المتدخلة إلى أن مستويات البطالة والعطالة مرتفعة نسبيا، وأن الانخراط في سوق الشغل ضعيف نسبيا بالمقارنة مع الدول الشبيهة بالمغرب، وهي الدول التي يسميها البنك الدولي متوسطة الدخل، كدول شمال أفريقيا والشرق الأوسط وبعض دول شرق آسيا وجنوب أمريكا اللاتينية.
وتساءلت الأستاذة خولة لشكر عن أهمية التشغيل بالنظر إلى المنظومة الاجتماعية، مؤكدة أن الشغل هي الأداة الأولى الوحيدة التي توفر للإنسان المداخيل، فهي وسيلة للعيش، وسيلة للإدخار، وسيلة للاستهلاك ووسيلة للخروج من الفقر والخروج من العوز.
وأكدت أيضا أن الشغل بالنسبة لفئة أخرى وسيلة لتحقيق الاستقرار المادي، ولتحقيق الذات، والمساهمة في مشروع يتجاوز شخصه وأسرته، وهو ما يؤدي إلى نتائج إيجابية، من ضمنها تخفيف العبء عن الدول وتفادي الاحتقان الاجتماعي والمحافظة على الاستقرار الأمني والمناخ العام للبلد.
واعتبرت أنه عندما يكون المناخ العام في البلد إيجابي، تصبح نفسية المواطن مرتفعة، وهو ما يعني أن العمل بغض النظر عن قيمته الإنسانية اقتصاديا وسياسيا، له تأثير إيجابي على استقرار الدول. وأوضحت الأستاذة خولة أن مشكلة العطالة في المغرب تشكل ليس فقط مشكلة بالنسبة للشباب، بل ستشكل شيئا فشيئا مشكل بالنسبة للدولة في استقرارها وتوازنها، خاصة مع الطفرة الديموغرافية.
وأبرزت أن التميز الإيجابي الديموغرافي، سببه أن نسبة السكان الشباب ما بين 15 سنة و25 سنة هي الشريحة الأكبر في المجتمع، وأن هذه الظاهرة ستستمر لمدة عقدين من الزمن، وأن لها تأثير إيجابي في نمو الدول وقدرتها على الإنتاج، إنتاج الثروة والفكر والإبداع.
ونبهت من جهتها إلى أن إمكانية تحول هذه المرحلة من نعمة إلى نقمة لأن للأسف حاليا بدأت تظهر تحولات سلبية، لأن الشروط السبقية للاستفادة من هذه الطفرة الديموغرافية كلها غير متوفرة، لعدة أسباب، سواء الأسباب التي تعود لتدخل الدولة، أو التي تعود إلى تدخل الفاعلين الاقتصاديين.
وأشارت الأخت المتدخلة إلى أنه حسب بعض إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط حول وضعية السكان النشيطين، هناك 25 مليون مواطن معنيون بسوق الشغل فقط، بمعنى في البداية ضياع 53 % من طاقة الإنتاج والإبداع والعطاء للمغاربة، وهناك 10 % في البطالة.
وأشارت كذلك إلى أنه يبقى لدينا عشرة مليون مواطن هم من يشتغل نصفهم أجراء وثلثهم مقاول ذاتي و20 % يشتغلون بدون أجر وهي ظاهرة غير طبيعية، وغير الطبيعي في كل هذا هو وضعية النساء في هذه المنظومة حسب تعبير المتدخلة. وأرجعت السبب في ذلك إلى عوامل مركبة منها ما هو ثقافي ومنها ما يرتبط بضعف التكوين والتأهيل، حيث تأسفت لوجود من يعتقد بأن الناس تدرس من أجل العمل معتبرة ذلك تبخيسا لدور التربية والتعليم ومؤكدة على أن الهدف من التربية والتعليم هو خلق الإنسان والمواطن بالقيم والمبادئ التي تكون له شخصية تسمح له بمواجهة الحياة. واعتبرت الأستاذة خولة لشكر أن ما يمكن من الشغل والتشغيل هو التكوين أو الممارسة والتدريب وليست الدبلوم والشهادة، وأن اختيار للتوجهات التعليمية التربوية ليست بالضرورة مندمج تحت لواء إكراه سوق الشغل، بل المفروض أنه بموازاة التكوين الأكاديمي توجد مجموعة من التكوينات والتدريبات المهنية التي تسمح للمتخرج بالتأقلم مع سوق العمل وطبيعة الإجراءات المطلوبة منه.
وتوقفت المتدخلة عند اختلال بعض العوامل في الاقتصاد الوطني على المستوى الاجتماعي، منها ضعف تأثير الاستثمار العمومي على الإنتاج الداخلي والتشغيل لكون جزء كبير من مجهود الاستثمار العمومي يوجه إلى الاستيراد: استيراد المواد الأولية، استيراد الكفاءة، استيراد المنتوجات، وبالتالي تأثيره على الشركات الوطنية وعلى التشغيل المحلي يكون أضعف من المجهود في حد ذاته. وأبرزت كذلك أن الذي يؤثر سلبا على سوق الشغل هو الفوارق الاجتماعية والمجالية والتي تعاني من العزلة والتهميش، خاصة لدى النساء والشباب.
وأكدت أنه انطلاقا من هذه العوامل، نكتشف أن النمو الاقتصادي المغربي، هو نمو لا يسمح بالرفع من نسبة التشغيل بقدر ما يسمح أحيانا من الرفع من الإنتاجية، معتبرة أن الثروة عندما تنتج في المغرب، فهي تذهب إلى الرأسمال أكثر منه إلى خلق مناصب الشغل، وبالتالي إلى توسيع دائرة المستفيدين منها. ولذلك، تقدمت الأستاذة خولة لشكر بمجموعة من المقترحات التي سبق للاتحاد الاشتراكي أن بلوره سواء في برامجه الانتخابية أو في تصوره السياسي حول النموذج التنموي الجديد أو في الأرضية التوجيهية التي أصدرها الأخ الكاتب الأول حول التدبير العمومي في ظل جائحة كورونا.
وهمت المقترحات تمويل المقاولات الصغرى بالقطاع الفلاحي، ودعم المقاولات في قطاعات التكنولوجيا والاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة، وتعزيز الرقمنة والمبادرة والابتكار، والإشراك الفعلي للنساء في المجال الاقتصادي ومنظومة الشغل.
وللتمكن من ذلك، دعت الأستاذة خولة لشكر إلى الإصلاح المستعجل لسوق الشغل، ومحاربة القطاع غير المهيكل، وتوفير الحماية الاجتماعية، وتحسين مناخ العمل، والتركيز على تشغيل الشباب.
وختمت الأستاذة لشكر مداخلتها بالتأكيد بأن المغرب اليوم يحتاج إلى مجموعة من التدابير المتكاملة فيما بينها لكي تكون هناك نجاعة في إعادة هيكلة سوق الشغل وإعادة تأهيل طالب الشغل وعارض الشغل، يعني المقاولة والباحث عن العمل.
في ختام الندوة، أكد الأخ أحمد العاقد، منسق لجنة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يعتبر العدالة الاجتماعية شعارا فضفاضا، بل مرتكزا ضروريا لكل مجتمع متضامن يريد أن يتوجه بثبات وبعزم نحو المستقبل لكسب التحديات الاجتماعية المطروحة.
وأكد أن المنظومة الاجتماعية في زمن الجائحة تتطلب الاستناد إلى ثلاتة مرتكزات أساسية: المرتكز الأول هو العدالة الاجتماعية وتكريس الحماية الاجتماعية للجميع، وهو ما يقتضي وجود إرادة سياسية حقيقية، ليس فقط إرادة الدولة التي أبانت عن مجهود محمود في الدعم الاجتماعي وأبانت عن قوة في التدخل وفي الاستباق، بل إرادة السياسيين أنفسهم إذ لا يعقل سياسيا وأخلاقيا أن نجد من يتبجحون بالعدالة والحماية الاجتماعية من يمنعون أجراءهم من حقهم في التصريح لدى الضمان الاجتماعي.
والمرتكز الثاني، هو الثقة في المؤسسات، والثقة في الذات، بما يجعل المغاربة قادرين على صيانة رصيد الثقة الذي تم تشكيله في زمن تدبير الجائحة وقادرين على استثماره بشكل أفضل في المستقبل من خلال مؤسسات قوية وبمنظومة تمثيلية حقيقية ما دام الإقلاع التنموي يحتاج إلى نخب نزيهة ومؤهلة. والمرتكز الثالث هو التضامن المجتمعي: التضامن بين الغني والفقير، التضامن بين الفئات المجتمعية، وفي ما بين الشباب والنساء، التضامن بين مختلف مكونات المجتمع المغربي إذ بدون إرادة سياسية، وبدون عدالة اجتماعية وترابية، وبدون تآزر جماعي لن يستطيع المغرب مواجهة المستقبل وتفعيل منظومة اجتماعية يستحقها المغاربة في ظل دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن.

(*) مقرر لجنة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية


الكاتب : توفيق وطاسي (* )

  

بتاريخ : 04/08/2020