نظمت «مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة» ندوة تكريمية للأستاذ أحمد اليبوري (الخميس 10 نونبر2022) بمدينة سلا، وبحضور عدد من المثقفين والمثقفات والفاعلين في عدد من مجالات الثقافة والمجتمع.
نسق أشغال هذه الندوة شعيب حليفي الذي أبرز سياق هذا اللقاء حول ومع أحمد اليبوري الناقد والمثقف الذي أسهم بشكل كبير في الانتصار للأدب المغربي والثقافة المتنورة في الجامعة والمجتمع. مثلما جاءت كلمة فريد القادري الكاتب العام للمؤسسة في السياق ذاته، والتي أكد من خلالها ان الاحتفاء بالأستاذ اليبوري، باعتباره من رواد النهضة الأدبية الحديثة ما هو الا تأكيد على انخراط المؤسسة في سلسلة التكريمات التي نظمت على شرفه والاعتراف بالدور الذي قام به من أجل ترسيخ قيم الوطنية في الثقافة المغربية.
وتحدث سعيد جبّار في ورقة بخصوص المؤلف الأخير لأحمد اليبوري حول ديوان «روض الزيتون» لشاعر الحمراء، قائلا بأن اليبوري أعاد رسم ملامح الشاعر ابن إبراهيم وهو يترصده عبر هذه القصائد، حتى بدا للقارئ أن هذا الشاعر ليس كباقي أقرانه من الشعراء، هو ذات متعددة الأبعاد، متنوعة الإشعاعات والاتجاهات، تمتد بين الداخلي الوجداني الفطري، والثقافي المكتسب الذي تربى عليه في محيطه العائلي، والاجتماعي الخارجي الذي يعج بتناقضاته السلوكية بين التقليد المحافظ والشاذ المتفسخ، ليؤكد أيضا أن مقاربة اليبوري ترمي إلى رسم ملامح الهوية، من خلال الديوان، وأسهب في الحديث عن مفهومها من منظور معرفي تفعيلي، ويضيف أيضا أن ديوان روض الزيتون كان بالنسبة للأستاذ أحمد اليبوري بمثابة مادة حيوية يمكن تفعيلها من جديد لتكشف عن طبيعة صاحبها « شاعر الحمراء».
في باب الشهادات، تم الافتتاح بكلمة الأستاذ إبراهيم السولامي(قُرئت بالنيابة) وتحدث فيها عن دور اليبوري في التجديد وأنه « كان سباقا إلى العناية بالفن القصصي، لإدراكه بقيمته الفنية ورحابة تعبيره عن قضايا المجتمع المتشعبة. وأيضا لأن السائد في أدبنا المغربي كان الشعر ففي كتب الأستاذ اليبوري: «فن القصة بالمغرب»، «دينامية النص»، «الكتابة الروائية بالمغرب» وغيرها، يبدو كاتبا واسع المعرفة، ولكنه يحبذ القصاصين من بني وطنه دون أن يخضع في انتقائه لأسباب ذاتية أو سياسية. ويتجلى ذلك في النصوص التي درسها فهي تجمع بين أشتات من الاتجاهات والقناعات فإلى جانب العروي نجد غلاب والمديني. وهي سمة الباحث النزيه. هذه النزاهة هي التي أبان عنها في دراسته لديوان «روض الزيتون» لشاعر الحمراء ابن ابراهيم. هذا الشاعر الموهوب الذي رماه الكثيرون بالخائن لوطنه». أما الأستاذ سعيد بنكراد فقال إن أحمد اليبوري يحمل تجربة كبيرة في التدريس والتأطير والفعل الثقافي المدني، مهووسا بالنظريات النقدية الجديدة التي اجتاحت الساحة النقدية في تلك الفترة في المغرب وفي كل الفضاء الثقافي المغاربي، ولكنه كان يعرف أيضا أن فضل هذه التصورات على النص سيكون كبيرا، فهي التي ستحوله من مجرد وثيقة تستعمل ضد الأنظمة السياسية، إلى ما يمكن أن يؤسس وعيا حضاريا يعد النقد الأدبي داخله واجهة من واجهات الفكر التحرري. وأضاف بنكراد بأن اليبوري ينظر إلى النص باعتباره مستودعا رمزيا للكثير من الحقائق والكثير من الاستيهامات في النفس وفي المجتمع. لذلك لم يكن يشكل وحدة متراصة إلا في الظاهر، أما في جوهره فقد كان موزعا على مناطق يتعايش في الفعل الإبداعي وكانت من مهام الناقد الكشف عن التشظي فيه.
كما تحدث عبد الفتاح الحجمري عن قيمة الأسئلة التي طرحها اليبوري في الدرس النقدي، ومنها قارب» الحاجة إلى الأدب» ، لماذا ندرس الأدب ؟ وكيف ندرسه ؟ ذلك أن قيمة الأدب لا تكمن في محاولة بيان كيفية انتصار المثال على الواقع، بل تكمن في العلاقة التي يقيمها الأدب مع تعدد الواقع في الزمن والمكان بهدف بلورة « موقف نقدي» على صعيد الثقافة والتنظيم الاجتماعي.
وفي شهادته «نسب القيم النبيلة»، أشار الأستاذ أحمد بوحسن إلى أن الأستاذ أحمد اليبوري في أبحاثه، وجّه الدراسات الأدبية المغربية المعاصرة بالبحث في تاريخ النقد السردي المغربي المعاصر، والبحث في صلب وترائب سرودنا المغربية المتنوعة، التي تعبر عن الإنسان المغربي في ممارساته الخطابية والرمزية واللغوية والفنية في حياته في مختلف تجلياتها، مع مواكبة أبحاثة للسرد العربي المشرقي.
أما الأستاذ حسن بحراوي فقد توقف عند أهم المحطات العلمية والثقافية ودوره في تأسيس تقاليد علمية عريقة، وذلك من مختلف المناصب والمسؤوليات التي تقلدها ، مؤكدا أن اليبوري يجسد المفهوم الحقيقي للمثقف المرتبط بالقضايا العلمية والثقافية والوطنية، كما أشار للعلاقات التي نسج خيوطها مع ثلة من المفكرين والسياسيين أمثال عزيز الحبابي والمهدي بن بركة وأمجد الطرابلسي وأبو بكر القادري الذين أثروا بشكل أو بآخر في تكوين الرجل.في حين ختم الأستاذ نجيب العوفي باب الشهادت بورقة « عن المسكوت الإبداعي لأحمد اليبوري»، والذي يحب أن ينبش فيه قليلا ، ويتعلق باليبوري الآخر الكامن خلف اليبوري الناقد الباحث والأستاذ الجامعي المتمرس، ويعني به اليبوري المبدع والأديب المتواري في حديقته الخلفية والذي جنحت به جدية الضمير الأدبي عن هاجسه الإبداعي الدفين، فأفنى زهرة عمره في رعاية ودراسة الإبداع المغربي الحديث، ويضيق أيضا أن اليبوري قد وضع الحجر الأساس للنقد القصصي والروائي في المغرب رفقة رصيفه ومجايله محمد برادة، وكانت له الريادة المبكرة في هذا المجال. كما أعطى بهذه الريادة النقدية إشارة الضوء الأخضر لأجيال القاصين والروائيين المغاربة ليخوضوا غمار السرد.
في نهاية اللقاء شكر أحمد اليبوري كل الحضور والقائمين على تنظيم هذا اللقاء الاحتفائي
والذي اعتبره احتفاءً بالأدب المغربي الحديث، مؤكدا أن تركيزه على الأدب المغربي الحديث، لا يعني تجاهله للآداب العربية التي تفاعل معها، على مر العصور، وخاصة في العصر الحديث، كما لا يعني عدم منح نفس الاهتمام للأدب المغربي القديم، وللإنتاج الأدبي، الأمازيغي والشعبي.
كما لاحظ أنه يتم ، أحيانا،» إهمال أو تبخيس الإنتاج الأدبي المغربي، المكتوب بالعربية، بطرق مختلفة، منها تطويقه بالصمت أو النقد الجارح وهو ما يدعو إلى قراءة أدبنا المغربي قديمه وحديثه، المكتوب بالعربية والأمازيغية، والدارجة، وحتى بلغة أجنبية، وفق مناهج علمية وتحليلات تدقيقية ملائمة، حتى يبرز في صورته الحقيقية».
في ندوة بمدينة سلا: أحمد اليبوري المثقف الكبير
الكاتب : متابعة: أنس هاشيم
بتاريخ : 21/11/2022