هل هناك خطوط مغلقة يسير عليها القاص لإنجاز قصته؟ كيف يمكن تفسير انفتاح القصة، وعدم ارتكازها الى ما يسمى »»العروض القصصي»،« وما معنى الحدود المفتوحة للقصة مع باقي الأجناس؟
هي تساؤلات من بين أخرى طرحتها ندوة «»تجارب في القصة»«، التي نظمت بمعرض الكتاب يوم الاربعاء الماضي والتي استضافت وجوها بصموا التجربة القصصية بالمغرب ومصر كل من تصوراته وهواجسه: محمد عز الدين التازي، أنيس الرافعي ورشا سمير والتي أدارها الكاتب والقاص سعيد منتسب.
القصة نص لا نهائي
إذا كان العديد من الأدباء جمعوا بين مجموعة من الأجناس الأدبية، شعرا وقصة ورواية، فإن الكاتب محمد عز الدين التازي صاحب »»أوصال الشجرة المقطوعة« «و»شيء من رائحته» و»يتعري القلب» و»شمس سوداء».. ظل وفيا لهذا الجنس الأدبي حتى بعد عزوفه عن نشر أعماله. وتساءل التازي عن التصور الذي يرى كتابة القصة مرحلة أو محطة أولى نحو الكتابة الروائية، مشيرا إلى مسألة امتلاك الكاتب للوعي بخصائص الجنس الذي يكتبه الجمالية والتجنيسية، وكونه لعبا لغويا وترميزا للعوالم وخرقا للأحلام والأوهام والوقائع التي تتشابك لتضع ما يسمى في النهاية »القصة القصيرة«.
وفاء التازي لجنس القصة كاختيار كتابي وجمالي، لا يمنعه من إعلان إيمانه بالتجريب كمقترح جمالي في الكتابة، إذ يعتبرها نصا لا نهائيا تتم مناوشته وتفجيره وإعادة كتابته بما يسمى التجريب.
وأثار التازي بعض النقط التقنية في كتابة القصة القصيرة وكيفية الاشتغال (الجمل الشخصيات والأفضية واللغة) متوقفا من مسألة اللغة التي يتم التعامل معها في تكثيفها وشحنها بدلالات ومعاني يتم خلالها التخلي عن أدواتها، لكن مع الاحتفاظ بالتكثيف القادر على الإيحاء والمرتبط لزوما بتملك رؤية لأن الكاتب لا يمكنه أن يكتب دون شحنة ثقافية ومعرفية يخصبها عن طريق متابعة حركية المجتمع وتحولاته، وتصريفها كتابيا عبر الأفكار والمواقف.
الأدب في العالم العربي أخطأ مساره بمغازلة القارئ
القاص المغربي أنيس الرافعي في حديثه عن كتابة القصة القصيرة، اعتبر أنها ليست فنا أدبيا بل عقيدة جمالية، ليس بالمفهوم الأصولي لكونها تمنح كاتبها إمكانية الكفر بها في كل مرة، معتبرا أن ما يميزها هو كونها فن اليقين المراوغ، الذي لا يكتب بالفطرة، بل هي مشغل مفتوح يتوج بما هو بحث معرفي ليخرج في شكل نص.
وبخصوص التجريب، يعتبر صاحب »»مصحة الدمى»« و »»متحف العاهات««، و»»الشركة المغربية لنقل الاموات« «و»فضائح فوق الشبهات» أن التجريب في عمقه مسألة إشكالية لكنه أصبح تقليعة أدبية يلتجئ إليها الكتاب، رغم انطوائه على مزالق ومخاطر كثيرة، إذا لم يتم من باب البحث عن آفاق أخرى في الكتابة وأراض بكر غير مكتشفة، لأن كل نص – حسب الرافعي- لا يطور أدواته الجمالية، لا يتطور خصوصا التجارب التي ترتكن الى الحكاية
إن الكتابة ، يقول الرافعي، تقتضي من الكاتب امتلاك مشروع أدبي وجمالي، بما تحمله الكلمة من ضرورة الانفتاح على الفنون والتعبيرات الموازية والمرجعيات المختلفة، لافتا بخصوص تجربته الشخصية الى أن مشروعه الابداعي يحاول ألا يكون خاضعا لشعرية المماثلة بل لشعرية الاختلاف، مشروع يحفر لنفسه وئيدا لا يخاطر بالغرق في »نهر «الأب»، بل يحافظ على طبيعة الجدول الصغير الذي يقدم نصه أو دمه الشخصي ككتابة قادمة من المستقبل، بعيدا عن كل أبوية أدبية.
وخلص الرافعي الى أن الأدب في مجمل تعبيراته في العالم العربي، يسير اليوم في وجهة خاطئة بمغازلة القراء، ومجاراة ذائقتهم، محاولا النزول من سلمه الأنطولوجي بدل أن يعمل على الارتقاء بهذه الذائقة الى عبور هذا السلم.
إعادة تدوير التاريخ
وتطرقت القاصة المصرية رشا سمير صاحبة «حواديث عرافة» و»معبد الحب» و»دويتو» الى أن اشتغالها القصصي يندرج في إطار ما تطلق عليه «إعادة تدوير التاريخ»، بتوظيفها للحكايات التاريخية المصرية وبعض الأحداث الواقعية لكن عبر التخييل السردي. ولفتت رشا الى توظيفها للعامية في بعض أعمالها القصصية في إطار نزوعها في العمل الاخير» يعني إيه راجل» الى تجريب السخرية باعتباره أدبا قويا، رغم عدم ميلها الى استعمال اللغة العامية في كتاباتها، مشيرة الى عدم تحبيذها التصنيفات التي تطال الأدب من زاوية اللغة المكتوب بها.