في ندوة حول «الرواية والوعي بالمجتمع» .. كيف‭ ‬تبني‭ ‬الرواية‭ ‬وعيها‭ ‬بالهامش‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتنصت‭ ‬إلى‭ ‬نبضه؟

هل يمكن للرواية أن تبني متخيلها الروائي بعيدا عن قضايا الواقع وأسئلته الشائكة؟ كيف يمكن أن تبني الرواية وعيها ومن ثم تنقله للقارئ ليبني وعيه الخاص؟ هل واقعية الرواية تؤثر على بعدها الجمالي وفنيتها، أم أن هناك مسافة يضعها الروائي بينه وبين الواقع حتى لا يقع في تقريرية فجة تفرط في الشروط الفنية لكتابة الرواية، وتحقق بالتالي التفاعل بين الانسان والمجتمع والعالم؟

 

 

إسهاما في التأسيس لرواية مغربية تحفل بأصوات المجتمع وتتمثل قضايا هامشه الاجتماعي، استضاف مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، ندوة وطنية حول الأعمال الروائية الأخيرة للأديب المغربي «مبارك ربيع»، أول أمس الثلاثاء 29 نونبر 2022، بحضور الكاتب، ومشاركة حليمة الطاهري، محمد أحمد أنقار، سلمى براهمة، عبد لحكيم الجابري ، عبد العالي دمياني ونسق أشغالها إبراهيم أزوغ.
يعتبر مبارك ربيع أحد رواد الرواية المغربية وأحد المؤسسين الأوائل للرواية المغربية إلى جانب جيل الرواد من أمثال: علال الفاسي، محمد عزيز الحبابي- عبد الله العروي. ، الروائي والقاص مبارك ربيع.
يتميز صاحب « الطيبون»، كما جاء في كلمة عميد كلية الآداب بنمسيك عبد القادر كنكاي بكونه كاتبا مجددا. فإلى جانب روائيي التأسيس، كتب في مرحلة التجريب والحداثة وظلت رواية منصتة وراصدة لكل تحولات المجتمع عبر … مسارين متوازيين في الحكي: مسار رمزي وآخر واقعي، واستطاع من خلال كتاباته التي تربت أجيال على نصوصها، وصنعت من خلالها وعيها الخاص، أن يحافظ على وفائه للكتابة أولا بغض النظر عن موضوعها، باعتبارها تنتج حكاية ما، وتنتج مضامين جديدة ترتبط بالتحولات والظواهر الجديدة في المجتمع المغربي المعاصر. كما كان سباقا، كما جاء في كلمة الروائي ورئيس مختبر السرديات بكلية الاداب بنمسيك شعيب حليفي، الى … إثارة عدد من القضايا التي مازلنا نعتبرها إلى يومنا هذا أسئلة شائكة تحتاج إلى أجوبة. وهو ما يمكننا من القول بأن كتاباته عابرة لأجيال الكتابة الابداعية المغربية والعربية لأنها استطاعت أن تخيط لنفسها رداء جماليا جديدا يلتقط تفاصيل الحياة وأحداثها دون أن يفرط في هويتها التخييلية.
وقد تناول عدد من النقاد تجربة الروائي والقاص مبارك ربيع، محاولين سبر أغوار عوالمه التخييلية وملامح شخصياته ومسارات الحكي بما تحمله من سمات واقعية وأخرى جمالية.
هكذا تناولت الباحثة والناقدة … سلمى براهمة بالتحليل، رواية «خيط الروح» (2015) متوقفة عند ثيمة أساسية تنتظم الحكي وتؤطره وهي تيمة «مغرب الرصاص» لكن وقوف الروائي عندها كان مرحلة عبور فقط لاكتشاف امتداداها وآثارها من خلال رسم مسارين إنسانيين: مسار الانقراض ويهم انقراض أزمنة النضال رغم تشبث المؤمنين … بها وتصديهم لكل رياح التحول، ثم مسار التحول الذي وظف فيه الروائي العجيب والغريب والفانتازي.
الباحثة حليمة الطاهري قاربت موضوعة حضور القارئ داخل المحكي النفسي في رواية »»طوق اليمام»« (2008) خصوصا عند روائي خبر الوعي المجتمعي بقدر ما خبر الوعي النفسي، معتبرة أن هذه الرواية تعتبر من الروايات المعاصرة التي ترتقي بهذا النوع من المحكيات (النفسي) وتنتقل به إلى القارئ لتفعل فعلها بمشاركة هذا الأخير في كتابتها ثانية، وتفاعله معها وإثارة قلق السؤال لديه لتصل به إلى مرحلة التطهير أو الكتارسيس، إذ الروائي يستدرج القارئ لتحصيل متعة جمالية يمنحها النص عبر تمثلاتنا الاستيهامية أثناء قراءة الرواية.
الناقد محمد أحمد أنقار تناول بدوره تمثلات السلطة و التباس العلاقات في رواية »»أهل البياض«« التي استطاع فيها الروائي مبارك ربيع لم شتات المتناقضات (الجنس/ السلطة/ الدين/ الصداقة /الخيانة) مستندا إلى معطيات الواقع المغربي ورصد تحولاته التي مست القيم المؤسسة للتماسك والمشترك الجمعي للمغاربة. ولهذ اعتبر الناقد أنقار أن مبارك ربيع في رهانه على الرواية لا يقف عند مستوى نقل الوقائع، بل يتعداه الى مساءلة مصير الإنسان، ويطرح سؤال السلطة والنفوذ والقدرة على تقبل الاختلاف، وما تطرحه من التباس لم يمس العالاقات الانسانية فقط، بل امتد ليشمل المكان والذات في مجتمع يشهد صراعا وتحولات متلاحقة.
العمل الأخير الذي قاربه المتدخلون هو الرواية الاخيرة لمبارك ربيع «أحمر أسود» 2021) حيث اعتبر الباحث عبد الحكيم الجابري أن قارئ هذه الرواية يجد غيابا تاما للبطل الواحد، إذ تتوزع البطولة على عدة شخصيات تدخل في علاقة ترابطية، قدمها الروائي مبارك ربيع بتقنيات ساهمت في تقدم الأحداث، وسمحت بهدم المسافة بين الازمنة كالاسترجاع والتوتر السردي الذي يتولد عن علاقات الذات الساردة المشتبكة مع عالمها، وهو رهان راهن عليه الروائي ليضع قارئه في وضعية نفسية تزج به في فوضى منظمة من بداية الرواية الى نهايتها.
المحتفى به وفي حوار مع الإعلامي عبد العالي الدمياني، تطرق الى عدد من المواضيع التي همت الرواية والتاريخ، الحركة النقدية بالمغرب، الهجرة شبه الجماعية للكتاب والسوسيولوجيين نحو الرواية والتي اعتبرها عودة للإنسان الى أصوله الحكاية ، مؤكدا أنه غير معني بالتصنيفات التي يضعها النقاد لأن المحدد هو روائية الرواية وبناؤها الفني لأن الروائي يمكن أن يكتب في أي موضوع بشرط أن يتفاعل معه، أن يخلق نظرية جمالية فقط ويترك للناقد والقارئ مهمة استكشاف أسرارها.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 01/12/2022