في ندوة حول تعديلات مدونة الأسرة بمراكش : حنان رحاب: ندعو إلى إحداث صندوق وطني لاستجماع النفقة

 

أكدت حنان رحاب الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، على ضرورة تفادي المعلومات الخاطئة التي راجت في الشبكات الاجتماعية حول التعديلات المقترحة بخصوص مدونة قانون الأسرة، و ما طالها من تشويه صاحبه تخويف للمجتمع من مضامينها. مشددة على أهمية نقاش هادئ و جدي حول مضامينها، يجعل المجتمع على معرفة واضحة بخصوصها.
وأبرزت في الكلمة التي ألقتها في الندوة التي نظمتها منظمة النساء الاتحاديات بمراكش مساء الخميس 27 فبراير 2025 في موضوع « مقترحات تعديل مدونة الأسرة والحاجة إلى قانون عادل ومنصف»، أهمية مدونة الأسرة باعتبارها قانونا ينظم حياتنا من المهد إلى اللحد، وقبل أن حتى أن نولد، و يهم كل الفئات بدون استثناء مهما تفاوتت مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والمجالية. مثلما هو قانون للزوج والزوجة والأب والأم والأطفال..
وأشارت رحاب في كلمتها إلى أن ما أُطْلِع عليه المجتمع من مقترحات اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة، لا يتجاوز 16 مقترحا، مقدمة مجموعة من الملاحظات حولها، ومن بينها توثيق الخطبة، التي قالت عنه أنه مقترح لم يطالب به أحد. كاشفة مكامن غياب التدقيق التي تتعلق بهذا المقترح والمشاكل التي يطرحها. وقالت في هذا الصدد « نرفض توثيق الخطبة دون تحديد سنها، ولا يمكن توثيق الخطبة لرجل متزوج، مثلما ينبغي مراعاة التكافؤ في السن بين الطرفين، و تحديد مدة صلاحية عقد الخطبة..»
وأكدت في كلمتها على ضرورة تحديد سن الزواج في 18 سنة، مع إلزامية التعليم المدرسي و التكوين المهني إلى هذا السن.
وبخصوص الطلاق للشقاق، أكدت حنان رحاب على أهمية أن يصدر الحكم فيه على مدى سنة، لكي تمنح لمسطرة الصلح فرصتها لإنقاذ الأسرة، مع ضرورة إجراء هذه المسطرة تحت إشراف مختصين نفسانيين واجتماعيين.
و فيما يتعلق بالطلاق الإتفاقي، قالت رحاب « يجب أن يخضع بدوره لمسطرة الصلح، و أن يتم تحت إشراف القضاء، حتى لا يترتب عنه إهدار للحقوق.»
وأشارت المتحدثة إلى الحضانة المشتركة في حال اتفاق الطرفين، مع دعوتها إلى تيسير تنفيذ النفقة و تحديد الحد الأدنى لها، مع إحداث صندوق وطني لاستجماع النفقة يودع فيه الملزم ما في ذمته، ليصبح الأمر تضامنيا ولتفادي المشاكل المترتبة عن تعثر الملزم، مبدية معارضتها لاستمرار الإكراه البدني. موضحة أنه إذا كان هناك تعثر للملزم بالنفقة، فعلى الدولة أن تؤديها، لأن الطفل هو أيضا ابن للدولة.
وبخصوص النفقة دائما، ألحت حنان رحاب على ضرورة التقائية المؤسسات في إطار تيسير الحق في الحصول المعلومات المرتبطة بالأزواج. مع الأخذ بعين الاعتبار إذا ما كانت الزوجة ميسورة في الحكم.
وعرجت حنان رحاب في كلمتها على مجموعة من القضايا المرتبطة بتعديل مدونة الأسرة كالولاية المشتركة، و صلة الرحم، التي أكدت بصددها أنها واجبة، وينبغي أن تكون خاضعة للمراقبة الاجتماعية، لأنها لا علاقة لها بالمال، وإنما بالمحبة، و ذلك للحفاظ على المصلحة الفضلى للأطفال.
مثلما تحدثت عن إثبات النسب بالخبرة الجينية، مؤكدة في هذا الصدد أن الإمعان في رفض هذه الوسيلة الناجعة التي وفرها العلم، يعرّ ض الكثير من الأطفال للبقاء مجهولي الهوية، مع العلم أن الأصل هو حفظ الأنساب.
الكاتبة الجهوية لمنظمة النساء الاتحاديات بجهة مراكش- أسفي، ميلودة حازب، التي سيرت الندوة، أكدت بدورها في كلمة افتتاحية أن غياب التواصل الحكومي تسبب في ضجة حول التعديلات المقترحة في قانون مدونة الأسرة، وأحدث تشويشا كبيرا حولها، وفسح المجال للمغالطات والإشاعات المتعمدة أوالمدفوعة بغاية الاتجار. مما أدى إلى شيوع تخويف من مضامين هذه التعديلات.
وأشارت ميلودة حازب إلى الاختلالات التي أظهرها الواقع بعد عشرين سنة من تطبيق مدونة 2004 بسبب عدد ممن الثغرات المتواجدة في هذا القانون، مؤكدة أن القانون تغير لكن الواقع لم يتغير. لذلك كان لابد من فتح هذا الورش بمبادرة ملكية.
و أكدت أيضا أن المقترحات التي أعلنت عنها لجنة مراجعة المدونة إيجابية لكنها تحتاج إلى تدقيق. مقدما نماذج منها كتوثيق الخطبة والطلاق الاتفاق، وبيت الزوجية، والنفقة، والتعدد وشروطه، والتعويض الذي يحتسب للزوجة بعد الطلاق، كما لو كانت أجيرة لدى مُشغّل. مشددة أن المطلوب هو حوار معمق وجدي مع من يهمهم الأمر، لأن الأمر يتعلق بقانون ينبغي أن يحصل حوله الإجماع.
و ختمت بالتشديد على أن القانون لن يحل لوحده مشاكل الأسرة التي هي في حاجة إلى اهتمام أكبر من الحكومة والدولة، لأن أهم منبع لمشاكلها هي المآزق الاقتصادية و الاجتماعية الناجمة عن قصور السياسات العمومية.
و من جهته أكد عبد الحق عندليب الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمراكش، أن إن أي تطور منشود لمجتمعنا لا يمكنه أن يتحقق إلا بتحقيق العدالة والمساواة والإنصاف بين أفراد الأسرة وبالتالي بين كافة أفراد المجتمع دون أي شكل من أشكال التمييز.
و أضاف أن موضوع تعديل مدونة الأسرة أولاه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أهمية بالغة، تتجلى في ترافعاته في مختلف المنابر والمناسبات، وفي بياناته وبلاغاته وتصريحات قادته، وفي مقررات مؤتمراته، مبرزا أن الحزب كان في طليعة القوى الوطنية والديمقراطية والحقوقية التي بلورت مقترحات متقدمة في هذا الشأن، والتي هي مقترحات منظمة النساء الاتحاديات المرفوعة إلى اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة. و اعتبر أن هذه المقترحات تهدف إلى خلق التوازن الضروري داخل الأسرة على أساس العدل والإنصاف.
و في مداخلته أكد الحقوقي خالد مصباح عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة مراكش أسفي، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان جعل من فعلية الحقوق المدخل الأبرز لإستراتيجية عمله ولمبادراته، بما فيها إحقاق المساواة والقضاء على جميع أشكال التمييز المبني على النوع الاجتماعي المباشر وغيرالمباشر، وذلك إسهاما منه في تمكين النساء وتحقيق المساواة الفعلية القائمة على التمتع الفعلي بجميع الحقوق كشرط أساسي لبناء مجتمع عادل يصون كرامة كافة أفراده دون أي تمييز.
و ذكر خالد مصباح بالمبادئ التي ارتكزت عليها مقترحات المجلس في المذكرة المقدمة للجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، و المتمثلة في فعلية المساواة وعدم التمييز، و احترام المصلحة الفضلى للطفل، موضحا الإطار المرجعي لهذه المقترحات ويضم دستور 2011 و مقاصد الشريعة الإسلامية، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
و اعتبرأن مراجعة مدونة الأسرة مرحلة جديدة في مسار تعزيز المساواة والمناصفة وخلق نقاش مجتمعي هادئ وناضج، ضمن اختيار طوعي وسيادي، لبناء ثقافة مجتمعية داعمة لمسار التنمية وحاضنة للمساواة. مشيرا إلى أن 20 سنة من تطبيق مدونة 2004، كشفت عن وجود عدد من الاختلالات، حتى أن الكثير من الفراغات كانت تعتري هذا القانون.
وقدم عددا من الملاحظات على مقترحات التعديل التي أخرجتها اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة.
و بدورها تساءلت نزهة بلقشلة عضو المنظمة الديمقراطية لنساء المغرب « هل تتناغم المقترحات التي أعلنت عنها لجنة مراجعة المدونة، مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صدق عليها المغرب؟ هل تتجاوب مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ هل تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة التي تشكل رهانا بالنسبة لمجتمعنا؟ و هل بإمكانها تحقيق المساواة بين الجنسين؟»
و في ضوء هذه الأسئلة قدمت الأستاذة نزهة بلقشلة مجموعة من الملاحظات على بعض التعديلات كما أعلنت عنها اللجنة المكلفة، ولاسيما فيما يخص توثيق الخطبة وما يترتب عنها من مشاكل بسبب عدم تدقيق مجموعة من الجوانب المترتبة عنها كالسن وعدم الزواج من امرأة أخرى وغير ذلك، وكذا إثبات العلاقة الزوجية بالعقد والاستثناءات المتعلقة به، و التعدد ومبرراته ( كالأمراض التي لم تحدد بدقة) و سن الزواج الذي مازال دون سن الرشد، و الطلاق الاتفاقي خارج نطاق القضاء والمشاكل التي يطرحها في إهدار الحقوق، و إغفال قضية الصداق الذي تقدمت مطالب في شأنه بتحويله إلى هدايا متبادلة، عوض الطريقة المعمول بها التي وصفتها بكونها مهينة للمرأة .
و طالبت نزهة بلقشلة بإحداث صندوق للنفقة، لتسديدها عند تعثر الملزم، و ذلك حماية للأطفال، مشيرة إلى إثبات النسب بالخبرة الجينية التي تشكل وسيلة ناجعة وفرها العلم ، و عدم الاستجابة إلى مطالب إلغاء التعصيب، مثلما طالبت بتثمين العمل الإنتاجي غير المأجور للمرأة، و غيرها من القضايا المرتبطة بالحضانة والولاية المشتركة و اقتسام الثروة…
و من الخلاصات التي خرجت بها الأستاذة بلقشلة من الملاحظات التي سجلتها على مقترحات اللجنة المكلفة بمراجعة المدونة، أن هذه المقترحات على علاتها، تفرغ من محتواها مع الاحتفاظ بالفصل 400، إضافة إلى انتكاسة في الاجتهاد الفقهي مقارنة مع مشروع 2004، وهيمنة الفكر السلفي وعدم قدرة الفقهاء على مواكبة التطورات الاجتماعية و الاقتصادية والحقوقية التي يعرفها المجتمع.
و كانت عائشة بلعربي الكاتبة الإقليمية لمنظمة النساء الاتحاديات بمراكشن قد أبرزت في كلمة ترحيبية، أهمية فتح نقاش جدي حول تعديلات مدونة الأسرة، لإخراج المجتمع من حالة الصدمة والتخويف، إلى حالة التعقل والتفاعل الواعي والتفكير الجماعي الناضج، المرتبط بالرهانات الكبرى للتنمية المرجوة. .


الكاتب : مراكش: عبد الصمد الكباص ـ تصوير اسماعيل رمزي

  

بتاريخ : 01/02/2025