في ندوة حول مؤلفه «ذهبنا الى الصين وعدنا من… المستقبل»

جماهري: ماذا لو فقدنا القدرة على الدهشة أمام الشعوب الناجحة

سلمى براهمة:الرحلة سفر حقيقي أم أسفار مجازية

سعيد عاهد: هل العودة من هذا «المستقبل» ممكنة؟

 

 

نظمت الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة، بشراكة مع مؤسسة مسجد الحسن بالدار البيضاء يوم الجمعة 1 يوليوز 2022، ندوة «رحلة جماهري إلى الصين بين المجَاز واليقين» التي التأمت بقاعة عبد الهادي بوطالب بالمكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء حول كتاب «ذهبنا إلى الصين وعدنا… من المستقبل» لعبد الحميد جماهري، والتي تميزت بتقديم ورقتين حول الكتاب لكل من الباحثة سلمى براهمة والصحفي والمترجم سعيد عاهد، فيما نسق فقرات اللقاء الباحث إبراهيم أزوغ.

الناقد والباحث إبراهيم أزوغ وهو يقدم للقاء، أبرز أن منسوب الوعي مرتفع في النص الرحلي لعبد الحميد جماهري «ذهبنا إلى الصين وعدنا… من المستقبل»، وعي يستجمع عناصره من تعدد قبعات ومهام المؤلف : الشاعر والصحفي والسياسي والكاتب . وأضاف أزوغ أن النص الرحلي موضوع اللقاء، وككل كتابات جماهري، مسكون بالقلق والشك والسؤال، حيث الاكتشاف المزدوج للذات وللآخر، وحيث «لا فرق في الرحلة بين أن تئن وأن تَحِنّ». ولفت أزوغ الى أن جماهري، في رحلته هاته، الحقيقية والمجازية، لم يكن سفره انعتاقا من قيود الزمان والمكان، فهو في نفس الوقت مرتحل في المسافة، مقيم في بلده، مسكون بسؤال: ما الذي ينتظر في المغرب؟ لتتحول عبارته من «عدنا من المستقبل» إلى سؤال ملح: كيف نذهب الى المستقبل؟
«الرحلة إلى الصين: سفر حقيقي أم أسفار مجازية؟ سؤال افتتحت به الباحثة المتخصصة في السرد الأدبي الحديث، سلمى براهمة، ورقتها النقدية حول الكتاب المحتفى به «ذهبنا إلى الصين وعدنا… من المستقبل»، مؤكدة أن السفر أو الرحلة يتخذ في هذا الكتاب «بعدا مجازيا يرفد ويعضد البعد الحقيقي الواقعي، لأن السارد لا يكتفي بالحديث عن رحلاته المتكررة إلى الصين (من 2010 إلى 2019)، بل يجعل القارئ يعبر معه بوابة التاريخ حيث سور الصين العظيم، لمدينة المحرمة، الحدائق … لنجد أنفسنا أمام خطوط سير عديدة ،وسفر في الزمن منح هذه الرحلة ثراء وغنى من خلال المرويات الشفوية التي لا تخلو من غموض وبياضات يلقي بمهمة ملئها على القارئ، أو من خلال نصوص تحوم حول الصين رافقت السارد في الطائرة المتوجهة الى الصين: جريدة le monde، new work times، كتاب «غرق الحضارات «لأمين معلوف،» الكهف والرقيم» لمحمد لبريني، فيلم «Ad astra per aspera ما يعطي الانطباع بأن السارد كان يخوض رحلته الخاصة من خلال الكتب والقراءة وسط رحلة جماعية مهنية، حاول خلالها إقامة رحلة موازية مجازية عبر تذويتها.
و أكدت مؤلفة «سرديات النسوية « أننا بقراءتنا للكتاب سنكون أمام رحلة مضاعفة، أو أمام رحلات متعددة، أو أمام رحلة بكثافة معنوية أو دلالية خاصة، وبعمق فكري ووجداني متميز». عمق يمكن استجلاؤه على ثلاثة مستويات: مستوى طبيعة الرحلة الحقيقية والمجازية حيث يتظافر العام والخاص/ الذاتي والموضوعي، ومستوى سؤال الأنا والآخر وما اتسم به داخل النص من نظرة الانبهار والدهشة، وضمنه يطرح سؤال الأخلاق، أما المستوى الثالث فيتعلق بالبناء العام للنص الرحلي الذي اتسم بتعدد اللغات و الصيغ والخطاب والأساليب والصور .
الصحفي والشاعر والمترجم سعيد عاهد اعتبر في ورقته الموسومة بـ» رحلات جماهري إلى الصين: هل العودة من المستقبل ممكنة؟» أن جماهري يوضح دفتر تحملاتـ»ه» للقارئ: رحلة في المكان وأخرى في الزمن تنقلنا من الحاضر الى المستقبل / مستقبلـ»نا» «إذا ما قارناه مع «الهنا والآن» السائدين في بقع أخرى من العالم، منها جغرافية انطلاقه وعودته» حين يجزم المؤلف أنه «من الصعب أن تعود من الصين كما ذهبت إليها، ومن الصعب أن يقتصر الذهاب إليها، على حالة فرح مصاحبة لسفر كالأسفار الأخرى. الصين بقعة من العالم القادم، ولغة سميكة، قادمة من التاريخ أيضا، بلاد تستمر من التاريخ العريق إلى الغد المذهل». وهو ما جعل عاهد يتساءل : هل العودة من هذا «المستقبل» ممكنة، عودة «الأنا» غير القابلة للفصل عن «النحن»؟
عاهد طرح أيضا السؤال الذي يتردد صداه طيلة الرحلة :» ما الذي يوجد في العقل الصيني ولا يوجد في عقل المؤسسات المغربية؟»، وهو ما نجد الجواب عنه بين صفحات الكتاب، متمثلا في منظومة القيم الأساس التي جعلت الصين تعيش المستقبل راهنا وأولها الأخلاق والتناغم مع الأخلاق – التربية على الثقافة والفنون والقراءة – المحاسبة – النقد والنقد الذاتي، التكوين المستمر الذي يخضع له الجميع، بما في ذلك الوزراء – الانضباط للوقت وضبطه، البساطة في الملبس- الاندماج.
هذا المستقبل يوضح عاهد لم ينبن على قطائع مع التاريخ والموروث اللامادي، بل هو امتداد له تتخلله وتحركه بعض القطائع التي تتجاوز وتهدم بهدف البناء.
وختم عاهد بالإجابة عن السؤال الذي انطلق منه أي: هل العودة من المستقبل ممكنة؟، ليقول إن عودة القارئ ليست ممكنة إطلاقا، لكن عودة المؤلف قد تكون ممكنة إذا أخذنا بعين الاعتبار مهام جماهري الصحافية والثقافية والسياسية التي تجعله بقوة الأشياء، مضطرا للمقارنة بين «هم «و»نحن».
عبد الحميد جماهري وهو يتحدث عن كتابه «ذهبنا إلى الصين وعدنا… من المستقبل» اعتبر أن أحد أسباب بؤس العالم، أننا لا نجيد تسميته بلغته، وهي المهمة التي أخذها ويأخذها على عاتقه، أي نقل الحقائق باللغة التي تسمي العالم بطريقة أفضل، وعلى هذا الأساس فـ»الذاهب الى الصين غالبا ما يتوهم أنه ذاهب إلى مكان، لكنه سرعان ما يجد نفسه مقيما في الزمن»، ويتخيل أنه محكوم بالزمكانية العامة، لكن الفارق في التجربة وفي الشعور أن المكان يرقى من هندسيته ليصبح زمنا، معتبرا أن في التجربة الصينية نجد أنفسنا إزاء قارة وهندسة وما تصنعه السياسة والتمدن، لكن في لحظة انقلاب كبرى في المشاهدة، «وجدنا أن ما تحلم به البشرية بعد 50 سنة، قد تحقق في الصين».
جماهري لم يخف أن الزمان كان حاضرا بقوة خلال الرحلة وهو يضغط على ذاكرة جيل ضمن الوفد(زمن المد الطلابي) كان يبحث عن الماوية التي نظّر لها الكتاب الأحمر، ليجيب أنها رغم كل القطائع التي حصلت «مازالت الماوية ثاوية في سلوك جميع الصينيين رغم أن شيئا من تلك القداسة تكسر»، مضيفا أن الحداثة في الصين «لم تحرم من تأسيس قداستها»، وهو ما ولد لديه إحساسا بالانبهار والدهشة وهو يستعيد ويعيد ما قرأه عن صين ابن بطوطة بعين أخرى حتى اعتقد أنه «صيغة عصرية شبه يسارية لابن بطوطة». دهشة المؤلف وانبهاره، يراها ضرورية لأن من يفقد القدرة على الدهشة أمام الشعوب الناجحة، أكيد سيدخل المتحف والذاكرة وسيصاب بيباس عاطفي.
جماهري الذي بحث طويلا عما يشبهه داخل الصين، لم يجد شبيها لكنه توصل الى الخلطة السحرية أو التركيبة العجيبة لنجاح الصينيين وهي الجدية والعمل والوفاء للوطن، قيم بمعايير صارمة تصنع من تفاصيل الحياة الصغيرة فروقا جوهرية في السلوك، وهو السؤال المحوري الذي نظم عقد الكتاب منذ أولى إلى آخر صفحاته .


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 05/07/2022