عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي للحزب:
إصلاح المدونة كشف إصلاحات أخرى تهم علاقة الأسرة والدستور وإمارة المؤمنين، كما كشف مواقف القوى السياسية ونوع المجتمع الذي تريده
تحت إشراف الكتابة الجهوية للحزب، وفي إطار تفعيل برنامجها الشهري والانفتاح على قضايا المجتمع، نظمت الكتابة الإقليمية للرباط، ندوة حول مدونة الأسرة بين المقترحات والإشاعة، وذلك يوم الثلاثاء 18 فبراير 2025 بالمقر الجهوي للحزب أكدال الرباط.
ساهم في تأطير هذه الندوة كل من عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي للحزب ومدير التحرير والنشر لجريدة “الاتحاد الاشتراكي” ومنسق الإعلام الحزبي، والأستاذة عتيقة الوزيري، المحامية وعضو الكتابة الوطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات.
في مستهل هذه الندوة، التي حضرها اتحاديات واتحاديون وبعض المناصرين والعاطفين، فضلا عن مهتمين بالموضوع، تقدم عبد اللطيف شنطيط، الكاتب الإقليمي للحزب بالرباط، بكلمة ترحيبية بالحضور، وذكر أن هذه الندوة تأتي في إطار برنامج عام يشمل عدة محاور، معتبرا أن هذا النشاط، الحلقة الثانية من حلقات عديدة تم تسطيرها في مواضيع سياسية واقتصادية واجتماعية ذات راهنية في النقاش العمومي والساحة السياسية الوطنية.
من جهتها أكدت عتيقة الوزيري، في مداخلتها، أن موضوع مراجعة مدونة الأسرة، ذو أهمية بمكان داخل المجتمع وذو راهنية كبرى، باعتباره يمس كل مناحي الحياة الاجتماعية للمواطن المغربي، ويعنى بتنظيم العلاقات الاجتماعية والأحوال الشخصية داخل الأسرة ويحدد الحقوق والواجبات لكل مكوناتها.
وذكرت الوزيري أن المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات كانت في طليعة النضال والترافع بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، إذ نظمت عدة لقاءات وندوات في جهات وأقاليم المغرب وشاركت فيها فعاليات حقوقية وسياسية وفكرية متعددة، تحت شعار ومطلب مركزي من أجل مراجعة شاملة لمدونة الأسرة، بعد 20 سنة من التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع لمقتضيات المدونة بعد إصلاحات جوهرية عرفتها مدونة الأحوال الشخصية سنة 2004.
وفي ذات السياق أبرزت الوزيري أن المنظمة قد أعدت مذكرة حول هذه المراجعة الشاملة ضمنت فيها مقترحاتها، وتم تقديمها أمام الهيئة التي تم تعيينها بهذا الخصوص، مشددة في نفس الوقت على أن جل مضامين التصورات والمقترحات التي جاءت بها هذه الهيئة مشجعة وتوافق المطالب الاتحادية.
وفي هذا الإطار، ذكرت الوزيري المحامية العارفة بمجالات تطبيق وتنفيذ مقتضيات مدونة الأسرة على أرض الواقع في محاكم المملكة، بأهم هذه المقترحات التي كانت المنظمة تطالب بها لوضع حد للمعاناة الاجتماعية للمرأة المغربية وتراعي المصلحة الفضلى للأطفال، أول هذه المقترحات المساواة ما بين الزوجين في الولاية التي كانت تشكل مشاكل واقعية كثيرة لمكونات الأسرة المغربية، ويأتي ترتيب المرأة/ الزوجة في المرتبة الثانية فيها، ثانيا الأم الحاضنة، زواجها لا يسقط الحضانة عن أبنائها، باعتبار أن الحضانة حق للأطفال وليس للأم، ثالثا توثيق عقد الزواج لمغاربة الخارج بدون شاهدين الذي يعتبر مقتضى إيجابيا سيضع حدا لعدد من المشاكل والتعقيدات، رابعا سن الزواج الذي طالبت فيه المنظمة الاتحادية، وهو سن 18 سنة دون استثناء، للقطع مع ظاهرة تزويج القاصرات التي تعتبر جريمة ومساسا وانتهاكا للحقوق الأساسية للفتيات في التعليم والتربية واللعب … وخامسا الاعتراف بالعمل المنزلي وتربية الأبناء، الذي تقوم به المرأة داخل بيت الزوجية والأسرة، سادسا توثيق عقد الخطبة قبل عقد الزواج للحسم مع عدد من المشاكل، وفي مقدمتها زواج الفاتحة، سابعا القطع مع عدد من الممارسات التي تدخل في إطار التحايل على القانون لفرض التعدد وتزويج القاصرات.
وبصفة عامة، سجلت الوزيري أن الأمر لا يتعلق في مراجعة مدونة الأسرة بحرب سجالية ما بين الرجل والمرأة، بل بنصوص قانونية وتنظيمية للعلاقات الاجتماعية للأسرة باعتبارها نواة المجتمع، إذ لابد من ضمان الحقوق وتحديد الواجبات لكل مكوناتها الرجل والمرأة والأطفال.
كما لم تغفل عضو الكتابة الوطنية للمنظمة الاتحادية، التأكيد على أن قضية التعصيب في الإرث فيها مساس بحقوق النساء ومن الضروري الاجتهاد في تغيير هذا الحيف الذي تعاني منه الأسر والنساء على أرض الواقع.
من جهته قال عبد الحميد جماهري إنه ليس هناك قانون مغربي يحظى بالاحترام مثل قانون الأسرة، ولهذا يكون موضوع اهتمام جدي وتقاطب كبير داخل المجتمع وداخل النخبة على حد سواء.
ومن تمظهرات أهمية هذا الإصلاح، يقول عضو المكتب السياسي، أن ملك البلاد عقد جلسة عمل حوله، وهي المرة الأولى التي يعقد فيها الملك جلسة عمل حول قانون، إذ عادة ما تكون حول موضوعات الماء والطاقة أو في الحالات العصيبة مثل الفيضانات والأوبئة والزلازل .
وأضاف عضو المكتب السياسي أن هذا يفسر جزءا من الحملة التي قامت بها بعض القوى المجتمعية تحت ستار مصدر مجهول أو عبر قنوات التواصل ضد بعض بنود الإصلاح المقترح.
ويشمل التشهير بالإصلاحات،حسب المحاضر، تحريف المضامين والتضليل بالحلول التي جاءت بها الاقتراحات الجديدة، وأحيانا الإيحاء بأن المدونة صيغت لمجتمع مغاير، والحقيقة أنها مدونة للمجتمع المغربي، وجاءت بحلول مغربية، يلتقي فيها الفقه والتاريخ والدستور …إلخ.
وفي معرض الحديث عن سياقات الإصلاح، قال المحاضر بأننا إزاء حركة إصلاح داخل الإصلاح، بحيث إن الإصلاح الأساسي كان 2004، أي قبل الدستور المتوافق عليه من طرف الأمة في 2011، وهو ما يعني أن إصلاح المدونة كان بسقف أقل من سقف دستور المملكة ، ولعل الجديد بالنسبة لعضو المكتب السياسي أن إصلاح المدونة سيكشف عن إصلاحات أخرى كبيرة في ما يخص الأسرة والدين من منظور دستوري جديد…
وفي معرض التدقيق قال جماهري إن مقومات التعريف الدستوري للأسرة جاءت بأشياء في غاية الأهمية، منها أن دستور 2011 ذكر الأسرة أكثر من سبع مرات، على عكس الدساتير السابقة، كما ربط الدستور بين الأسرة والزواج، عكس تعريفات أخرى مثل ما حكمت به المحكمة الأوروبية مثلا التي لا ترى الزواج إجباريا في تكوين الأسرة، علاوة على أن الدستور جعل من حماية الأسرة مهمة إجبارية للدولة، كما في الفصل 32 وجعل الأطفال سواسية أمام القانون كانوا شرعيين أو طبيعيين.
وفي السياق ذاته ذكر المحاضر أن من حسنات المغرب الحديث أنه تمت دسترة إمارة المؤمنين من خلال دسترة المجلس الأعلى العلمي، لأول مرة، بالرغم من أن وجوده سابق عن دستور 2011، علاوة على أن المغرب اختار القطع مع الإفتاء الفردي، الذي يجعل قول الفقيه الفرد بمثابة قانون، وذلك في سياق أوسع هو إصلاح الحقل الديني…
وبعبارة أخرى، يقول جماهري، صارت إمارة المؤمنين القناة الدستورية التي تمر منها المبادئ والتعاليم الدينية … لكي تصبح قوانين.وكل هاته التحولات لا يجب إسقاطها من التحليل عند مناقشة إصلاح المدونة، يقول جماهري.
وذهب المتحدث إلى أبعد من ذلك عندما قال إن الفقه الحي اليوم هو الفقه الذي يطابق الدستور.
وفي مواقف المكونات المجتمعية والسياسية وقف المتحدث عند دور الملكية الرائد في قضايا المرأة والأسرة منذ محمد الخامس، والمحاولة الأولى في إصلاح مدونة الأحوال الشخصية آنذاك، ثم المحاولة الثانية في 1961، وفشلها كما فشلت مدونة الإصلاح التي دعا إليها الحسن الثاني، والتي تزامنت مع أحداث 1981، وتم تعليق الإصلاح إلى حدود 1993 عندما استقبل المنظمات المناضلة النسائية، وإطلاق إصلاح التسعينيات.
ولكن التاريخ سيشهد بأن الملك محمد السادس قاد ثورة حقيقية بكل المعاني ، بعد أن انشطر المجتمع إلى قسمين على إثر الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، والتي تعبأت ضدها كل القوى المحافظة، وقد انحاز الملك الجديد وقتها إلى صف الإنصاف والمساواة والحقوق الواجبة للدولة على الأسرة.
ولعل نفس الأفق ينفتح اليوم، بعد أن كانت الاقتراحات الإصلاحية أكثر من توقعات المناضلات والمناضلين من حيث الكم الكبير ، وفي الوقت ذاته، يقول المتدخل، مازال الأفق مفتوحا باعتبار أن اللجنة التي دعا الملك إلى تشكيلها من داخل المجلس العلمي الأعلى تعني أن مسار الإصلاح لم يغلق بتاتا.
بخصوص قوى التقدم ذكر المتحدث بمواقف الاتحاد المبدئية منذ أيام التأسيس، وما قبل الاستقلال في شخص الشهيد المهدي بنبركة، والتقرير الذي رفعه في 6مارس 1943 إلى الراحل محمد الخامس من المواقف الشجاعة الاستباقية في الدفاع عن المرأة، في كل فترات التاريخ، إلى حدود حكومة التناوب وما بعدها والترافع حاليا باستمرار واستماتة من أجل هاته الحقوق، وأضاف عضو المكتب السياسي أن الاتحاد يعتبر أن الإصلاحات الحالية هي الحد الأدنى الذي يجب أن تعمل الحكومة على صياغته في هذا الخضم كشف عضو المكتب السياسي عن تموقعات الإسلام السياسي.فبعضه يريد أن يعود بعد أن أنهكته الممارسات الحكومة ولم يثبت تفوقه الرمزي وزهده في الحياة كما
أراد ، على صهوة التجييش ضد هذه الإصلاحات، وإن كانت مواقف اليوم أقل كثيرا من تصلب الأمس والبعض الآخر يخفي وراء الموقف من المدونة مواقف من النظام نفسه ومن إمارة المؤمنين، ويسعى إلى إحياء فكرة تحالف العلماء ضد الحاكمين التي بدأ بها مشواره السياسي، ومن الغريب أن لا أحد ناقش، من منطق إمارة المؤمنين، ما يحدث من تطورات لصالح المجتمع ولصالح الأسرة، لأن جزءا من هذه التيارات لا تخفي معارضتها لها ولكنها تتقنع في محاربتها ومحاربة ما يتم بواسطتها لصالح التقدم والتطور.
وفي معرض التوصيف نبه المتكلم إلى أن أحزاب الحكومة غائبة غيابا مثيرا عن النقاش الفكري والتأصيل الدستوي لهاته التطورات الإصلاحية ، وهو غياب لا دستوري، إذا استحضرنا أن رئيس الحكومة مكلف مؤسساتيا، وحسب الرسالة الملكية، بتدبير هذا الملف، وما لاحظناه هو غياب صوت الأغلبية، في النقاش الدائر داخل المجتمع، حتى أن المفارقة هي أن المعارضة التقدمية الديموقراطية تواجه المعارضة المصنفة في الإسلام السياسي، في هذا النقاش مواقف الأغلبية حاسمة، يقول جماهري، لا سيما في المرحلة المتعلقة بكتابة النصوص القانونية والتصويت عليها، وهنا نخشى أن يكون التردد والارتعاشة الحكومية وأغلبيتها في الدفاع عن الإصلاح بوابة للتراجع وللتصويت العددي على قوانين حمالة أوجه أو تراجعية حتى …