في ندوة «مسار الاتحاد الاشتراكي بين المشاركة والمعارضة»

 بنعبد القادر: الاتحاد الاشتراكي، 42 سنة من المعارضة و19 سنة من المشاركة
الاتحاد الاشتراكي منح للشعب المغربي حزبا معارضا يساريا ديمقراطيا وطنيا ونموذجا متميزا وفريدا في العالم العربي

 الراضي: ليس هناك وصفة للمعارضة، هي فن وإبداع وقدرة على الفعل السياسي ذي المصداقية

 المرزوقي:  ضرورة استعمال المعارضة للآليات الدستورية للقيام بأدوارها السياسية والقانونية والتشريعية

شفيق: التغول الثلاثي خطر على التعددية السياسية ومستقبل الديمقراطية بالبلاد

 رحاب: شعار « المغرب أولا» شعار مركزي ينم عن فلسفة راسخة للحزب، يكثف مرحلة سياسية كاملة من أجل دولة قوية 

 المحسيني: معارضة الأمس ليست هي معارضة اليوم 

 شهيد: الفريق الاشتراكي يعي جيدا جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه والتحديات والرهانات

 فاتحي: الاتحاد تراث فكري ساهم في صياغة السياسة المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم

بنسهلي: الاتحاد يقوم بمعارضة مسؤولة ومؤطرة وبناءة ونقدية ومقترحة وقادرة على الفعل

 الصافي: ضرورة امتلاك المعلومة، وأهمية اشتغال المعارضة على ملفات، وحتمية تسويق عملها

 

 

في إطار دينامية الاستعدادات الجارية لعقد المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب، التي أطلقها المجلس الوطني الأخير واجتماع اللجنة التحضيرية، نظمت اللجنة السياسية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني ولجنة الشؤون السياسية المؤسساتية والحقوقية للمجلس الوطني، ندوة حول « مسار الاتحاد الاشتراكي بين المشاركة والمعارضة»، يوم السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط، بمساهمة ثلة من الفعاليات الحزبية.
في مستهل هذه الندوة، ألقى محمد بنعبد القادر كلمة باسم المكتب السياسي، أشار فيها إلى أن مقاربة موضوع المشاركة والمعارضة في التجربة النضالية للاتحاد الاشتراكي ربما تستدعي الوقوف عند محطتين أساسيتين ارتبطت كل محطة منهما بشخصية سياسية بارزة.
بالنسبة للمحطة الأولى، المؤتمر الوطني الرابع في يوليوز 1984 بالدار البيضاء وخاصة في جلسته الافتتاحية، التي تميزت بحضور ضيف خاص ليس كباقي ضيوف المؤتمر، إنه أحمد عصمان، وزير الدولة في حكومة كريم العمراني ورئيس التجمع الوطني للأحرار، كما تميزت الجلسة بالكلمة القوية للكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد، والتي قال فيها: «فحزبنا ليس في المعارضة تعلقا منه بالمعارضة …(ولسنا مرضى بالمعارضة)، نريد تحسين أوضاع العمال والطبقات الكادحة…نريد الاستقرار في إطار العدالة واحترام حقوق الإنسان… نريد أن يطلق سراح كل المغاربة المعتقلين من أجل آرائهم السياسية حتى يتسنى لهم المساهمة في الحياة الوطنية حاضرا ومستقبلا».
والنقطة الثانية، المؤتمر الوطني السابع في يونيو 2005 ببوزنيقة، ومرة أخرى في الجلسة الافتتاحية التي تميزت بحضور ضيف متميز هو الزعيم الاشتراكي الرئيس الأسبق للحكومة الإسبانية، والذي ألقى خطابا هاما حول المغرب ودور الاتحاد الاشتراكي في إنجاح الانتقال الديمقراطي وتحقيق التناوب التوافقي بعد فترة طويلة في المعارضة، حيث أكد أن السلطة تنهك، فعلا، لكن المعارضة تنهك أكثر، في إشارة ذكية رفاقية إلى التجربة المريرة للاتحاد الاشتراكي، الذي وإن كانت شروط المشاركة غير متوفرة فإن البقاء في المعارضة وبعيدا عن دواليب الدولة وملفات الشأن العام، قد تكون له انعكاسات سلبية على حالته التنظيمية ومؤهلاته التدبيرية.
وسجل عضو المكتب السياسي أن الاتحاد الاشتراكي ظل ما بين رئاسة حكومة عبدالله إبراهيم ورئاسة حكومة التناوب مع عبد الرحمان اليوسفي 36 سنة متواصلة في المعارضة، وإذا أضفنا اليها معارضة حكومة ابن كيران سنكون أمام 42 سنة من المعارضة و19 سنة من المشاركة.
وأوضح، بنفس المناسبة، على أن الاتحاد الاشتراكي ترأس حكومتين وشارك في 3 حكومات وعارض 14 حكومة. متسائلا في ذات السياق، هل كان بقاء الحزب طيلة هذه المدة خيارا أم إكراها؟ إيجابيا أم سلبيا؟ هذا سؤال سيجيب عنه المؤرخون، ولعل التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة يقدم لنا عناصر جوابية مهمة عن هذا السؤال.
وأبرز بنعبد القادر، بخصوص خلاصات هذه التجربة، أولا، أن المعارضة في المغرب كانت هي المعارضة الاتحادية، التي قدمت ملتمسين للرقابة، إذ التجأت إلى تقديم ملتمس الرقابة لإسقاط حكومة أحمد باحنيني سنة 1964، قبل اندلاع أحداث الدار البيضاء سنة 1965، وإعلان الملك الراحل الحسن الثاني عن حالة الاستثناء وجعل جميع المؤسسات بيده، وبعد تعليق حالة الاستثناء سنة 1970، تم الإعلان عن استفتاء دستور 1970.
كما تقدمت المعارضة الاتحادية بملتمس رقابي ضد حكومة عزالدين العراقي سنة 1990، وكان لها دور في الإعلان عن استفتاء دستور 1992 واستفتاء دستور 1996 وتشكيل حكومة التناوب سنة 1998.

وسجل عضو المكتب السياسي أنه يمكن القول إن الاتحاد الاشتراكي منح للشعب المغربي حزبا معارضا يساريا ديمقراطيا وطنيا، ونموذجا متميزا وفريدا في العالم العربي ساهم، من موقع المعارضة المسؤولة، في تثبيت الاستقرار ودعم الوحدة الترابية، ونبه كذلك إلى أن المعارضة الاتحادية مرت بمرحلتين: معارضة سياسية شاملة على خلفية مقاطعة الدستور، ومعارضة برلمانية مؤسساتية ذات صبغة وظيفية.
وأبرز عضو المكتب السياسي أن مفهوم المعارضة تختلف دلالته حسب السياق، فالمعارضة في نظام تسلطي ليست هي المعارضة في نظام ديمقراطي، لذلك يتعين التمييز بين المعارضة السياسية والمعارضة البرلمانية، موضحا أن القصد بالمعارضة البرلمانية، الأحزاب السياسية غير المنتمية للأغلبية البرلمانية، أي أن المعارضة تتشكل من الأحزاب الممثلة في البرلمان وغير الممثلة في الحكومة، وفي معظم الأنظمة البرلمانية تحظى الحكومة بدعم مباشر من الأغلبية.
وأكد عضو المكتب السياسي أن الاتحاد الاشتراكي بتجربته الغنية في قيادة الحكومة وقيادة المعارضة وأيضا المشاركة في الائتلافات الحكومية أصبح حزبا مثل جميع الأحزاب الديمقراطية لا يمكن أن يعتبر رسالته ومهمته هي المعارضة، أو أن جيناته وطبيعته هي المعارضة، وأن المشاركة استثناء،   فالأصل في الأحزاب وفي وجودها هو رئاسة الحكومة وإن لم يكن في الإمكان فإن المشاركة على أساس التزامات واضحة وبرامج مشتركة تكون مطلوبة، وإن لم تيسر ذلك صناديق الاقتراع فإنه يتموقع في المعارضة ويشتغل من أجل كسب ثقة الناخبين في المحطة المقبلة .
أما سؤال أية معارضة سنقوم بها؟ يقول القيادي الاتحادي، فإنه سؤال يتكرر غالبا في مختلف المحطات، فلا توجد نظريات ومرجعيات جادة يمكن استلهامها في توصيف أنماط المعارضة وأساليبها، وكل التعابير بخصوص معارضة شرسة وأخرى لينة، خشنة أو ناعمة، أو بشأن معارضة مساندة نصوحة، نقدية لا معنى لها، لذلك فإن المعارضة البرلمانية، التي يتعين أن ينخرط فيها الفريق الاشتراكي بالبرلمان هي نفسها المعارضة في مختلف الأنظمة الديمقراطية، أي تلك التي تقوم بعدد من الوظائف المستمدة من حقوقها الدستورية ومرجعيتها السياسية.
وفي ذات السياق، شدد عضو المكتب السياسي على  أن المعارضة لابد أن تمثل سلطة مضادة، تحرص على منع الأغلبية، التي تمسك بزمام السلطة، من نهج سياسة تنتهك الحقوق والحريات عن طريق الآليات المتاحة في المؤسسة البرلمانية، مضيفا أنه  لا بد للمعارضة أن تجسد إمكانية وجود بدائل للسياسات العمومية، التي تنهجها الحكومة، بما يعزز مبدأ التعددية السياسية، الذي يتيح للمواطنين اختيار  البرامج والمشاريع المعروضة عليه.
كما أن المعارضة مدعوة أيضا، من هذا الموقع، للدفاع عن مصالح ناخبيها والمطالب المشروعة للمواطنين وكذا المساهمة في تجويد النصوص التشريعية، وفي مراقبة عمل الحكومة وأداء الإدارة والمساهمة في الرفع من جودة النقاش البرلماني والدفاع عن المشروعية وتعزيز الشفافية بالإضافة إلى المساهمة في الدبلوماسية البرلمانية والدفاع عن المصالح العليا للوطن.
كما يتعين على المعارضة أن تتمسك بحقوقها البرلمانية، التي تشمل الحقوق المسطرية بشأن المعلومة والتمثيل والمشاركة، وحق التعبير والتصويت واقتراح القوانين، وحق مراقبة السلطة التنفيذية.
من جانبه استعرض عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق للاتحاد ورئيس لجنة التحكيم والأخلاقيات، دور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ترسيخ الديمقراطية ودولة القانون من موقع المعارضة، حيث عرج على مسار تاريخ الحزب بين موقع المعارضة والمشاركة انطلاقا من حكومة عبد الله إبراهيم وسنوات المعارضة والنضال الديمقراطي على كل الواجهات الطلابية والنقابية والسياسية والبرلمانية، مع الوقوف عند أبرز المحطات النضالية، التي بصمت التاريخ السياسي للحزب والبلاد وأهم الأحداث السياسية، التي شكلت منعطفات تاريخية في البلاد، كملتمس الرقابة، والإضراب العام وتأسيس الكونفدرالية الديمقراطية، والمحاولات الانقلابية التي شهدها المغرب في السبعينيات، والمؤتمر الاستثنائي للحزب 1975، مؤتمر استراتيجية النضال الديمقراطي، كما أسهب قيدوم الاتحاديين في الحديث عن دور الفريق البرلماني في لعب دور المعارضة على أحسن وجه ووصول خطابها السياسي إلى الرأي العام الوطني، وصولا إلى تجربة حكومة التناوب التوافقي، والمشاركة في الحكومة ثم الركون إلى موقع المعارضة.
وخلص الراضي، في مداخلته، إلى أنه ليس هناك وصفة للمعارضة، معتبرا أنها فن وابداع وقدرة على الفعل السياسي ذي المصداقية، لكنه اشترط على أن لا تبقى المعارضة داخلية، مشددا على ضرورة إشراك الرأي العام باعتبار أن من أسس  الديمقراطية إشراك هذا الأخير.
وفي تعقيب له، أكد بن يونس المرزوقي، رئيس اللجنة السياسية وأستاذ القانون الدستوري، أن المعارضة مدعوة أيضا لاستعمال الآليات الدستورية للقيام بأدوارها السياسية والقانونية والتشريعية.
ومن جهته استفاض جواد شفيق، عضو المكتب السياسي، في فك طلاسم التغول الثلاثي، في مداخلة له حول « أي مآل للتعددية السياسية في ظل التغول الثلاثي»، مبرزا أن الأصل في الكون هو التعدد، التعدد الثقافي والديني والعرقي والإثني … مسجلا أن منطق الليبرالية هو الشراكة والتعدد هو الأصل،  لكن الممارسة السياسية لأحزاب التحالف الثلاثي المتغول تقول العكس، ما يشكل خطرا على مستقبل الديمقراطية بالبلاد، باعتبار أن الديمقراطية التشاركية مهددة، واليوم نحن أمام استبداد مغلف برداء الديمقراطية.
من جهتها، تقدمت حنان رحاب، عضو المكتب السياسي بمداخلة حول « مركزية شعار» المغرب أولا» في الممارسة السياسية للاتحاد الاشتراكي»،  معتبرة أن هذا الشعار شعار مركزي، ينم عن فلسفة راسخة لحزب الاتحاد الاشتراكي، يكثف مرحلة سياسية كاملة من أجل دولة قوية، والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتقديم الانتماء الوطني على باقي الانتماءات الأخرى.
وبالنسبة لعبد المنعم المحسيني، عضو المجلس الوطني، فقد قدم تعقيبا يتلخص في المقارنة بين المعارضة في الماضي والمعارضة في الحاضر والسياقات المختلفة، وعدم اهتمام المواطن اليوم بالسياسة، ما يضاعف مجهود الفاعل الحزبي والسياسي لاستقطاب اهتمام المواطن، وذلك باستعمال الوسائل الحديثة والتقنيات الجديدة لكسب اهتمام الرأي العام الوطني، مشددا، في نفس الوقت، على أن المعارضة مطالبة باستعمال كل الوسائل القانونية والدستورية للقيام بدورها السياسي والبرلماني في مجال الرقابة والتشريع.
بدوره، أعرب عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، أن الفريق الاشتراكي يعي جيدا جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه،  والتحديات والرهانات، خاصة أن المخيال الشعبي لايزال يحتفظ بالصورة النضالية القوية للفريق الاشتراكي على مدى مسار الحزب في موقع المعارضة، واستعرض في مداخلته حول «أي دور للفريق الاشتراكي في تفعيل المعارضة بالبرلمان وخلق الجسور والانتقادات المدنية والجماهيرية»،   المداخل الرئيسية ليكون الفريق الاشتراكي صوت الحزب في المعارضة، أولها تطوير آليات العمل للنواب للقيام بدورهم، فتح ورش التأويل الديمقراطي والحداثي للدستور، ابتكار آليات جديدة للتعريف بالفريق الاشتراكي مع فتح ورش الديمقراطية التشاركية، بعلاقة مع الديناميات الاجتماعية الحقوقية والثقافية ثم فتح ورش الجهوية حيث يمكن أن ينظم الفريق أياما دراسية في الجهات لبث حركية حوارية جهوية.
وفي تعقيب له، أكد عبد الحميد فاتحي، أن وضعية اليسار اليوم داخل البرلمان صعبة( 71 برلمانيا من أصل 395)، مبرزا أن الاتحاد الاشتراكي تعرض للانهاك والاستنزاف من قبل أولا، الدولة ثم الخطيئة الأولية المتمثلة في الانشقاق، مستدركا القول إن الاتحاد تراث فكري ساهم في صياغة السياسة المغربية منذ الاستقلال إلى اليوم، باعتباره حزبا منتجا للأفكار والتصورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دافع عن ترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات ودافع عن الحقوق والحريات سواء أكان في المعارضة او موقع المشاركة، التي كانت تخلق دائما مسارا جديدا في البلاد.
وفي تعقيب لها، أكدت السعدية بنسهلي، عضو المكتب السياسي، أن الاتحاد الاشتراكي يقوم بمعارضة مسؤولة ومؤطرة وبناءة ونقدية ومقترحة وقادرة على الفعل، مبرزة في نفس الوقت على أن تجربة الحزب السياسية وفريقيه بالبرلمان أثرت التجربة الفكرية والثقافية والسياسية المغربية، والحزب أصبح يتملك أدوات التحديث لذلك يعيد طرح سؤال طبيعة الدولة ودور الأحزاب السياسية وحدود فعلها.
واختتمت الندوة بتعقيب للمحامي الاتحادي عبد العالي الصافي، أكد فيه على ضرورة امتلاك المعلومة،اليوم، وأهمية اشتغال المعارضة على ملفات، وضرورة تسويق عمل المعارضة ليكون هناك تفاعل مع المواطنين، دون نسيان الأدوار الإيجابية والمتعددة لشبكات التواصل الاجتماعي.
وكانت عائشة الزكري، نائبة مقرر لجنة الشؤون السياسية، قد قدمت في افتتاح أشغال هذا اللقاء أرضية الندوة.
وفي الأخير اختتم عبد الحق عندليب، رئيس لجنة الشؤون السياسية المؤسساتية والحقوقية المنبثقة عن المجلس الوطني، هذه الندوة، التي سير أعمالها، داعيا المتدخلين لإرسال مداخلاتهم مكتوبة إلى اللجنة السياسية، حتى يتم تضمينها في التقرير النهائي، الذي يجري التحضير له، كما اعتذر عن عدم فتح النقاش نظرا لضيق الوقت.


الكاتب : الرباط: ع الريحاني م الطالبي

  

بتاريخ : 06/12/2021