كشفت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، أن 70 في المائة من المغاربة باتوا يحصلون على الأخبار عبر الإنترنت، مقابل 66 في المائة عبر التلفزيون، و26 في المائة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في حين تراجعت الصحافة الإلكترونية إلى أقل من 5 في المائة، والورقية والإذاعية إلى حدود 1 في المائة. أرقام، وصفتها بالكاشفة، لا تعكس فقط تحول عادات الاستهلاك الإعلامي، بل تفضح حجم التصدع الذي أصاب الوساطة المهنية، وفتح المجال واسعا أمام الأخبار الزائفة والتضليل المنظم.
هذا المعطى الصادم، كشفت عنه لطيفة أخرباش في لقاء نظمته وزارة الشباب والثقافة والتواصل حول موضوع «محاربة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة» الأربعاء الماضي بالرباط.
وأكدت رئيسة “الهاكا” أن التصدي المستدام للتضليل لا يمكن أن يتم عبر حلول تقنية ظرفية أو مبادرات معزولة، بل يقتضي تحركا عموميا منسقا، يقوم على المسؤولية المشتركة بين الدولة، والمؤسسات الإعلامية، والفاعلين الرقميين، والمجتمع، مع احترام الحريات الأساسية، وتعزيز التقنين، وتقوية أخلاقيات المهنة، وتعميم التربية على الإعلام والدراية الرقمية.
وفي هذا السياق، استحضرت أخرباش نماذج ملموسة من الذاكرة القريبة، من الأخبار الزائفة التي رافقت جائحة كوفيد-19، والبلاغات المفبركة التي انتشرت عقب زلزال الحوز، وصولا إلى ما وصفته بـ“الحرب الإعلامية” التي تستهدف المغرب عبر توظيف قضية الصحراء المغربية في سرديات مضللة تعتمد خرائط محرفة وأرقاما مزيفة ومواقف منسوبة زورا.
من جهته، أكد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن الأخبار الزائفة لم تعد مجرد إشكال مهني، بل أضحت تهديدا مباشرا للثقة المجتمعية وللسير العادي للمؤسسات، مبرزا أن الحكومة تعتبر محاربة التضليل جزءا من إصلاح شامل لمنظومة الإعلام. وشدد الوزير على أن المقاربة المعتمدة لا تقوم على الزجر أو التضييق، بل على دعم الصحافة الجادة، وضمان الحق في الولوج إلى المعلومة، وتعزيز التربية الإعلامية، خصوصا في صفوف الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة لمحتويات مضللة تنتج وتروج بمنطق ربحي خالص.
وفي مداخلة تكميلية، أوضح أحمد العطاري، مدير البحث والاستراتيجية بوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الوكالة اضطلعت بدور يتجاوز الإنتاج الإخباري، لتصبح فاعلا محوريا في حماية موثوقية الخبر، عبر آليات التحقق والتدقيق والتنسيق، خصوصا من خلال انخراطها في شبكات دولية وإفريقية للتحقق من الوقائع. أما الإعلامي جامع كلحسن، فتوقف عند التحولات التي فرضها الذكاء الاصطناعي على الممارسة الصحفية، معتبرا أن الرهان الحقيقي لم يعد تقنيا فقط، وإنما مهني وأخلاقي، داعيا إلى التكوين المستمر للصحافيين، وإلى تمكينهم من الولوج السريع والدقيق إلى المعلومة الرسمية لمحاصرة الأخبار الزائفة قبل انتشارها.
ومن زاوية التنظيم السمعي البصري، شددت نرجس الرغاي، عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، على الدور الحيوي الذي ما تزال تضطلع به الإذاعات والتلفزيونات في تفكيك الأخبار الزائفة، معتبرة أن الإعلام السمعي البصري يشكل رافعة أساسية لتنمية الحس النقدي لدى المواطنات والمواطنين في ظل فوضى المحتوى الرقمي.
وفي البعد القانوني، أوضح محمد أمين الجرداني، القاضي الملحق بوزارة العدل، أن الترسانة القانونية الوطنية تتضمن مقتضيات وقائية لمواجهة الأخبار الزائفة، غير أن التسارع الرقمي يفرض، حسبه، مراجعة بعض النصوص القانونية وتحيينها، بما يضمن التوازن بين محاربة التضليل وصيانة حرية التعبير.
أما نوفل الرغاي، المدير العام لإذاعة “شدى”، فقد حذّر من الانبهار المفرط بأدوات الذكاء الاصطناعي، معتبرا أن التحقق من المعلومات يظل فعلا إنسانيا في جوهره، وأن الخطر الحقيقي يكمن في توظيف الخوارزميات لتوجيه الوعي الجماعي وفق منطق اقتصاد الانتباه والتأثير.
اللقاء خلص، في مجمله، إلى أن محاربة الأخبار الزائفة لم تعد شأنا إعلاميا صرفا، وإنما يشكل معركة ديمقراطية ومجتمعية شاملة، تتطلب بناء إعلام مهني قوي، ومواطن ناقد، وسياسات عمومية تؤمن بأن الحقيقة هي شرط أساسي للثقة والسيادة الإعلامية.
في ندوة «مكافحة الأخبار الزائفة بالرباط .. %70 من المغاربة يستقون أخبارهم من الإنترنت و26% من شبكات التواصل مقابل %1 للصحافة الورقية
الكاتب : ج. كندالي
بتاريخ : 19/12/2025


