حنان رحاب : القانون المرتقب يثير تساؤلات حول مدى تخفيفه للأعباء عن النساء وحمايته لهن من العنف وتقديمه لضمانات المحاكمة العادلة
نظمت منظمة النساء الاتحاديات، مساء أول أمس الخميس، ندوة بالدار البيضاء حول مشروع المسطرة الجنائية والتزامات المغرب في مجال الحقوق والحريات، بحضور كل من النقيب عبد الرحيم الجامعي، مراد فوزي، محامٍ ورئيس جمعية حقوق وعدالة، عتيقة الوزيري، محامية وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، عبد العزيز اسقارب، عضو هيئة المحامين بالدار البيضاء ، ومريم جمال الإدريسي، محامية وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، وسير فقراتها رئيسة منظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب التي أكدت في مستهل الندوة أن هذا النشاط اليوم يختلف عن باقي أنشطة المنظمة السابقة، الذي «نريده نقاشا هادئا يسوده الاستماع قبل النقاش، ونعالج فيه الأسئلة الكبرى المتعلقة بالموضوع. نحن كحركة نسائية نتقاسم جزءا من هذا النقاش، بينما يتقاسم جانبه الأكبر الأصدقاء والصديقات في المجال القانوني والحقوقي.»
متسائلة كيف يمكن لمشروع المسطرة الجنائية وعلاقته بالتزامات المغرب الدولية في مجال الحقوق والحريات، إضافةً إلى تقاطعه مع حقوق الأطفال والنساء، أن يترجم التزامات المغرب في هذا المجال؟ وهل سيجيب عن تساؤلاتنا حول حقوق الإنسان والالتزامات الدولية؟ كيف يمكن أن يستجيب المشروع لانتظارات المدافعين عن الحقوق من المحامين والمحاميات؟
واعتبرت أن القانون المرتقب، الذي طال انتظاره، يثير تساؤلات حول مدى تخفيفه للأعباء عن النساء، وحمايته لهن من العنف، وتقديمه لضمانات المحاكمة العادلة، وحماية الضحايا والشهود، وتعزيز وصول المرأة إلى العدالة. هذه كلها إشكالات وتحديات مطروحة للنقاش.
كما عبرت رحاب عن الأسف من كون مشروع المسطرة الجنائية لم يحظَ بنقاش مجتمعي واسع، على عكس المسطرة المدنية التي شهدت نقاشا أوسع في البرلمان والمجتمع. متسائلة لماذا لم تأخذ الأحزاب السياسية المبادرة لإثراء النقاش حول هذا المشروع؟ ولماذا اقتصر النقاش على الأغلبية الحكومية في يوم دراسي، دون مشاركة واضحة من التنظيمات النسائية والجمعيات الحقوقية، باستثناء بعض الاجتهادات والتعليقات المتفرقة؟ وأكدت أننا اليوم «مسؤولون عن هذا النقاش، خاصةً ونحن على أبواب مناقشة مدونة الأسرة، وإعادة فتح نقاش القانون الجنائي، والسعي نحو تعديل القانون 103.13 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، مع هدف تسهيل ولوج النساء إلى العدالة.»
وحملت مداخلة النقيب عبد الرحيم الجامعي العديد من الأفكار المهمة حول دور المؤسسة التشريعية في صناعة التاريخ وضمان الحقوق والحريات، معتبرا أن السلطة التشريعية، وهي سلطة محورية، مسؤوليتها أكبر في دفع المجتمع نحو المستقبل، وفتح آفاق واسعة لهيكلة المجتمع من الناحية القانونية بما يخدم دولة القانون، وقال إن التاريخ علّمنا، ولا يزال، أن المؤسسة التشريعية لا تصنع فقط النصوص القانونية، بل تصنع التاريخ، وفي المغرب فإن أول تجربة دستورية وبرلمانية شهدت حدثا بارزا لم يتكرر، وهو ملتمس الرقابة. كما أن من بين أهم المحطات التاريخية التي صنعها الاتحاد الاشتراكي داخل البرلمان، كان قرار الانسحاب من المؤسسة التشريعية، عندما دعا الراحل عبد الرحيم بوعبيد فريق الحزب إلى التوقف عن حضور الجلسات لمساءلة الدولة بشأن قضايا كبرى في التاريخ السياسي المغربي.
هذه المحطات تعطينا دروسا بأن البرلمان اليوم، كما كان في الماضي، هو الجهة التي يُفترض أن تجيب عن الأسئلة الكبرى، وتعالج الإشكاليات العالقة، ومنها مراجعة القوانين المؤطرة للحريات، وعلى رأسها قانون المسطرة الجنائية. وأكد المتدخل أن « ليس غريبا أن يكون أول قانون للمسطرة الجنائية قد وُضع سنة 1959 على يد النخبة التي قادت الاستقلال، كما شهدت سنوات 2002 و2003 إصلاحا جذريا لقانون المسطرة الجنائية، بفضل جهود مناضلين، كان من بينهم الراحل محمد بوزوبع ورفاقه في الحزب، تحت قيادة الراحل عبد الرحمن اليوسفي.
في المقابل، شكّل ظهير سنة 1974 انتكاسة كبرى استمرت لعشرين عاما، إذ أُدرجت نصوص انتقالية تسببت في نكسة مسطرية وحقوقية لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم، رغم المحاولات الإصلاحية، خاصة بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة «، معتبرا أن هذه التجربة المغربية، التي امتدت من 1956 إلى 1999، تظل فريدة على المستوى الدولي، لأنها لم تكتفِ بمراجعة الماضي، بل قدمت تصورات لمستقبل العدالة، وحقوق الإنسان، ودولة القانون في المغرب، لذلك، يقول، إن التوجه نحو البرلمان اليوم يشبه التوجه نحو الجامعة، حيث تُصنع الأفكار الكبرى التي تشكل الضمير المجتمعي وتؤسس لنهضة الشعوب. البرلمان ليس فقط سلطة تشريعية، بل هو فضاء لرسم معالم التطور السياسي وتعزيز الديمقراطية وإطار يؤسس للقوانين التي تنظم العلاقات داخل المجتمع، سواء بين الأفراد أو بين المؤسسات.
ولهذا، فإن البرلمان مطالب اليوم باعتماد أسلوب جديد، بعيدا عن التوافقات السياسية التي قد تأتي على حساب القضايا الجوهرية المرتبطة بحقوق الأفراد وعلاقتهم بالمؤسسات. فالحرية يجب أن تكون المرجعية الأساسية في أي مبادرة تشريعية، خاصة عندما يتعلق الأمر بإصلاح القانون الجنائي والمسطرة الجنائية.
وتساءل: هل سيجيب البرلمان، من خلال مشروع المسطرة الجنائية، عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بضمان قرينة البراءة، وتحقيق التوازن بين سلطات الاتهام والدفاع، وبين النيابة العامة وقضاة التحقيق، وبين قضاة الحكم والنيابة العامة؟ مؤكدا أنه باختلال هذا التوازن تضيع الحرية وتضيع قرينة البراءة، وهو ما نلمسه حاليا في المشروع الجديد، الذي ألغى النص الصريح على قرينة البراءة في مادته الأولى، واستبدلها بالمحاكمة العادلة، رغم أن هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها دون ضمان قرينة البراءة معتبرا أن هذا التغيير أدى إلى انقلاب حقيقي على مبدأ قرينة البراءة، مثلما حدث مع ظهير سنة 1974. والمفارقة أن المشروع الجديد يُوسّع صلاحيات الضابطة القضائية فيما يتعلق بالاعتقال الاحتياطي، دون تقليص مدة الحراسة النظرية، مما يجعل التوازن بين سلطات التحقيق مفقودا.
من جانبه، صرّح مراد فوزي، المحامي ورئيس جمعية «حقوق وعدالة»، بأن هذا الموضوع يستحق نقاشا مجتمعيا واسعا. وأوضح أن حرمان المجتمع من مناقشة مدونة المسطرة الجنائية يُعزى إلى مشكلتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بسيطرة النخب والتوافقات السياسية التي تُبرم أحيانا على حساب المصالح الجوهرية للمواطنات والمواطنين، والثانية تكمن في تفريغ هذه النقاشات من محتواها الحقيقي، وتحويلها إلى جدل حول مواضيع هامشية أثارها بعض السياسيين أو غيرهم.
وأعرب فوزي عن أمله في أن يحظى مشروع قانون المسطرة الجنائية بنفس الاهتمام الذي نالته مدونة الأسرة، نظرا لكون هذا القانون يعكس صورة المجتمع في مجال الفصل بين الحقوق والواجبات، سواء وفق مقتضيات الدستور أو وفق المعايير الحقوقية المتعارف عليها دوليا.
وأكد أنه من الضروري عند إعداد أي مشروع قانون أن يكون هناك وضوح في الاختيارات التي تتحمل الدولة مسؤوليتها، سواء كانت سياسية، أمنية، أيديولوجية، أو حقوقية. واستشهد في هذا السياق ببعض القوانين السابقة، مثل ظهير 1974 وبعض مقتضيات قانون الإرهاب، مشيرا إلى أن واضعي مشروع قانون المسطرة الجنائية أثاروا عدة نقاط كانت في السابق محل خلاف بين الحقوقيين، مثل المساطر المرجعية المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي.
وانتقد فوزي المقاربة التي اعتمدها المشرع، معتبرا أن الهدف لم يكن حماية الحقوق والحريات بقدر ما كان محاولة لمعالجة أزمة اكتظاظ السجون، وهو ما دفع المندوب العام لإدارة السجون إلى إصدار بيان شديد اللهجة، يحذر فيه من كارثة محتملة نتيجة الاكتظاظ.
وأضاف أن نجاح مناقشة قانون المسطرة الجنائية يتطلب مقاربة شمولية، وهو ما لم يتحقق، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل، رغم التزامات المغرب الدولية في هذا المجال. واعتبر أن التعديلات المقترحة لا تعدو كونها محاولة لدر الرماد في العيون، مؤكدا أن المغرب لا يزال يعتمد نهج التقليد بدلا من تبني قناعة راسخة بحقوق الإنسان وفق المعايير الدولية.
وأشار أيضًا إلى غياب تقارير موضوعاتية تتعلق بالأطفال في نزاع مع القانون، مما يحول دون إعداد نصوص قانونية فعالة لمعالجة هذا الإشكال. كما انتقد الإجراءات الطويلة التي تواجهها النساء المعنفات، معتبرا ذلك شكلا من أشكال التعذيب المزدوج.
بدورها، تساءلت عتيقة الوزيري في مستهل مداخلتها عمّا إذا كان النقاش حول هذا المشروع، الذي يجسد حق الدولة في العقاب ويعكس حقوق الأفراد وسلطتي الاتهام والدفاع، سينحصر في نقاش تقني، مادة بمادة، أم أن الأمر يتطلب مقاربة أكثر جوهرية من خلال دراسة معمقة مبنية على معطيات وأرقام تعكس واقع المجتمع المغربي وتطوره، بما في ذلك تطور الجريمة أو اندثار بعض أنواعها، وكذلك طبيعة القضايا المطروحة أمام المحاكم والإكراهات والاختلالات التي تستدعي الانتقال من نص قانوني إلى آخر أكثر جودة.
وأكدت الوزيري أن النقاش الحالي يحمل مسؤولية كبرى، لكنه وحده لا يكفي للقول إننا ساهمنا في تقديم مقترحات للمشرّع تضمن صدور نص قانوني جيد. وتساءلت: هل الضمانات المنصوص عليها منذ عام 1959، مثل الاعتقال الاحتياطي الذي اعتُبر تدبيرا استثنائيا منذ ذلك الحين، يتم تفعيلها فعليا على أرض الواقع؟ هذا النص، رغم انسجامه مع المواثيق الدولية التي انخرط فيها المغرب منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة، ثم إدراجه لاحقًا في الدستور، لا يبدو أنه يُطبق بفعالية إذا نظرنا إلى الأرقام التي تعلن عنها رئاسة النيابة العامة، والتي تعكس ارتفاع عدد الأشخاص الخاضعين لتدابير الاعتقال الاحتياطي.
وتساءلت أيضا: هل هناك آذان صاغية لهذه الإشكالات؟ وهل توجد جزاءات في حال عدم احترام مقتضيات القانون، بحيث يتم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي كإجراء استثنائي فعلا وليس قاعدة؟ كما شددت على مبدأ قرينة البراءة، الذي يؤكده كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمسطرة الجنائية، متسائلة: هل يتم تفعيل هذا المبدأ أمام المحاكم؟
وأضافت أن التجربة العملية تكشف أن المحاضر المنجزة من قبل الضابطة القضائية، والتي يفترض أن تكون مجرد معلومات أولية، يتم التعامل معها في المحاكم وكأنها دليل قاطع، مما يجعل الأصل في المحاكمة هو الاتهام وليس البراءة، في تناقض واضح مع المبادئ الحقوقية الراسخة
أكد عبد العزيز أسقارب، عضو هيئة الدار البيضاء، في مداخلته أن مناقشة المسطرة الجنائية والتزام المغرب في مجال الحقوق والحريات يشكل موضوعًا بالغ الأهمية، بالنظر إلى أن المسطرة الجنائية لا تهم فقط الحقوقيين أو رجال الدفاع وأسرة العدالة، بل تشمل جميع أفراد المجتمع، لارتباطها المباشر بحق أساسي، وهو الحرية، وحماية الأفراد من أي تعسف أو احتجاز، وضمان محاكمتهم العادلة في إطار قرينة البراءة التي يتمتع بها كل إنسان.
وتساءل أسقارب: هل الإشكال المطروح يتعلق بوجود خلل في النص القانوني يستدعي تجويده، أم أن المشكلة تكمن في التطبيق والممارسة، بل وحتى في مدى الإيمان بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان واحترام قرينة البراءة باعتبارها حقًا مقدسا؟ واعتبر أن الإشكال في المغرب يتعلق أكثر بالتطبيق وليس بالنصوص والتشريع، موضحا أن الترسانة القانونية المتوفرة تضمن الحد الأدنى من المحاكمة العادلة واحترام قرينة البراءة، خاصة أن المغرب صادق على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الملزمة التي تنص على هذه المبادئ، بل وتسمو على التشريع الوطني وفق ما ينص عليه دستور 2011.
ورغم ذلك، أشار إلى أن رفض الملتمسات خلال التطبيق يعكس إشكالية أعمق، حيث يسود الاعتقاد بأن أسهل طريقة لإنهاء القضايا هي انتزاع الاعترافات وتقديم الأشخاص للمحاكمة، في حين قد يُدان المتهم بناء على أقوال متهم آخر، وهو ما يدل، بحسبه، على وجود أزمة في الإيمان بالنصوص القانونية الضامنة للمحاكمة العادلة.
من جانبها، تساءلت مريم جمال الإدريسي عن مدى احترام مبدأ فصل السلط، مؤكدة أن هذه السلطات يجب أن تكون منفصلة ومتوازنة، انسجامًا مع المبادئ الدستورية والتراكمات التي حققتها التجارب والتشريعات وفقه القضاء. وأضافت أن الحديث عن المسطرة الجنائية لا يمكن أن يتم دون استحضار هذه الأسس والمبادئ الكونية، لا سيما قرينة البراءة وتوازن السلط وفصلها.
كما لفتت إلى أن السياق الحالي، الذي يتمثل في دستور 2011 واستقلال النيابة العامة عن السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، يمثل محطة هامة، مشيرة إلى أن المغرب لم يعد يقتدي بالنموذج الفرنسي كما كان في السابق، بل اتجه إلى تبني نظام جنائي أقرب إلى النموذج الإيطالي القائم على مبدأ الاتهام.
وتساءلت عن علاقة النيابة العامة بالسياسات العمومية ومدى ارتباطها بالحكومة، معتبرة أن هناك أزمة في التوفيق بين قانون المسطرة الجنائية المرتقب ومقتضيات الدستور، حيث لاحظت وجود تراجع وعودة إلى وزارة العدل من خلال ما وصفته بـ»مسطرة تنفيذ النيابة العامة للسياسة الجنائية العمومية».
وأضافت أنه عند مناقشة قانون المسطرة الجنائية، ينبغي طرح تساؤلات جوهرية: هل الهدف هو تحقيق مزيد من التلاؤم مع الاتفاقيات الدولية، أم توفير ضمانات قوية لحماية الحقوق والحريات، أم صون المبادئ الأساسية؟ وشددت على أن الهدف الأسمى يجب أن يكون تحقيق محاكمة عادلة ومنصفة، لا سيما أنه لا يمكن الحديث عن المتهم دون استحضار وضعية الضحية.
ورغم أن المشروع حاول إدراج الضحية في عدة مواضع، إلا أن الإدريسي اعتبرت أن الإشكال لا يكمن في ذكرها في الفصول القانونية، بل في الفلسفة والخلفية التي تحكم المشروع، مشددة على ضرورة توفير إجراءات مسطرية تحمي الضحايا من سلطة النيابة العامة، بما يضمن التوازن داخل المنظومة الجنائية.
كما نبهت إلى أن النيابة العامة في المغرب تجمع بين صفتين متناقضتين: فهي خصم وحكم في آنٍ واحد، وهو ما يطرح إشكالات جدية. وأكدت أنه عند الحديث عن استقلال النيابة العامة وتعديل قانون المسطرة الجنائية، يجب الوعي بأننا نؤسس لمفاهيم جديدة، تتعلق باستقلال النيابة العامة ودورها في تنفيذ السياسة الجنائية.
وحذرت من أن منح النيابة العامة هذه الصلاحيات الواسعة قد يمس بالقيم والمبادئ التي يجب أن تنطلق منها قواعد المسطرة الجنائية، مؤكدة أن هذه السلطات الجديدة قد تؤدي إلى اختلالات تمس بتوازن المنظومة القضائية.