سلطت الكتابة الجهوية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بجهة الدار البيضاء سطات، والكتابة الإقليمية لأنفا، في ندوة متميزة، الضوء على “مشروع مخطط التهيئة للدار البيضاء أنفا ورهانات التنمية الاجتماعية وتحقيق التوازن الحضري”، وذلك يوم الثلاثاء 11 فبراير 2025 بالمركب الثقافي محمد زفزاف بالمعاريف.
وشارك في هذه الندوة نخبة من الخبراء والمسؤولين المحليين لتقديم رؤاهم حول مختلف أبعاد هذا المشروع الهيكلي، بالإضافة إلى فتح نقاش مع المواطنين حول القضايا الحضرية والتنموية. وتأتي هذه الندوة تأكيدا على التزام الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالدار البيضاء أنفا بمواكبة المشاريع التنموية الكبرى للمدينة وتعزيز الحوار مع المواطنين والفاعلين المحليين.
الندوة التي أدارت أشغالها الأستاذة الجامعية وعضو الكتابة الإقليمية للحزب فريدة ليوموري، تهدف إلى مناقشة التحديات العمرانية، الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه منطقة الدار البيضاء أنفا، إضافة إلى استشراف الآفاق التي يتيحها مشروع مخطط التهيئة. وتروم هذه الندوة مناقشة رهانات التنمية الاجتماعية وتحقيق التوازن الحضري في المنطقة، وتقديم توصيات لتحسين إدارة المشاريع الحضرية، وتعزيز مشاركة الفاعلين المحليين والمواطنين في عملية اتخاذ القرار.
وفي هذا السياق، أكد إبراهيم الراشدي، محامٍ ومكلف سابقًا بالتعمير بجماعة المعاريف، وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، أن موضوع تصميم التهيئة، جد مهم اختارت الكتابة الإقليمية للحزب بأنفا فتح النقاش حوله، وذلك بالنظر لأهميته القصوى بالنسبة لمنطقة أنفا باعتبارها القلب النابض للاقتصاد المغربي، مسجلا أن هذا التصميم لم يأخذ بعين الاعتبار العديد من المعطيات الأساسية خاصة في محاربة التلوث وإعادة هيكلة الأزقة والشوارع والأرصفة.
وشدد الراشدي على أن هناك العديد من الأزقة لم ترق بعد إلى مستوى بنيات تحتية مهيكلة، خاصة عدم توفرها على الولوجيات بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وحاجيات الساكنة، بما يفاقم معاناة المواطنين البيضاويين خاصة بعمالة أنفا. موضحا من جهة أخرى أن التحول من “الفيلا إلى عمارة ب4 طوابق بمنطقة المعاريف كانت له عواقب وخيمة في ما يخص التنقل والتلوث والنظافة”.
وسجل المتحدث أنه رغم هذه المعيقات والإشكالات التي تعاني منها المنطقة، هناك نوع من التحسن يمكن تسجيله، داعيا إلى إعادة النظر في المنهجية وطريقة بناء وإنجاز تصاميم التهيئة بما يفرض خطة واضحة لنمو المدينة وتطورها الديمغرافي ومشاركة الساكنة وجمعيات المجتمع المدني والجماعات والمنتخبين، بطريقة تشاركية وتشاورية لتحقيق تنمية منطقة أنفا.
وبدوره أكد العلوي المدني نائب رئيس مقاطعة المعاريف، أن الغاية الأساسية من هذا اللقاء هي مناقشة موضوع تصميم التهيئة لمدينة الدار البيضاء، بشكل يلامس جميع الإشكالات والرهانات والتحديات المطروحة، وذلك قصد الخروج بتوصيات مهمة من شأنها تعزيز مشاركة الفاعلين المحليين والمواطنين في عملية اتخاذ القرار.
وأوضح المتحدث، أن “دورنا هو مناقشة كل الآراء والتصورات والتوافق خدمة للساكنة والإجابة عن انتظاراتها وتطلعاتها”، مشيرا إلى أنه يتم، كل عشر سنوات، الاشتغال على تصميم التهيئة جديد، وذلك بتقديم كل المقترحات والآراء واستغلال الفرصة لتقديم كل الرؤى بما يتماشى مع رهانات التنمية الاجتماعية.
وشدد العلوي المدني على أن هناك رؤية جديدة في ما يخص تأهيل بعض الأحياء بتراب عمالة أنفا، وتمكين المواطنين من السكن خاصة أن العاصمة الاقتصادية تعرف اكتظاظا كبيرا في هذا المجال، خاصة في ظل الافتقار إلى الوعاء العقاري. مضيفا أنه يجب الاشتغال كذلك على مشروع فتح المحاور الطرقية لتسهيل المرور والولوج بالنسبة للساكنة.
وخلص إلى أن كل هذه الأمور، تدخل في إطار التدبير المعقلن لجمالية وتأهيل المدينة إلى ما هو أفضل باعتبار مدينة الدار البيضاء عاصمة اقتصادية للمملكة.
وبدورهما أكد المتدخلان عماد الشداد متخصص في سوسيولوجيا التعمير، ومحسن بوغربي مهندس معماري وعضو الكتابة الإقليمية، على أهمية هذا اللقاء وطرحا العديد من الإشكالات والرهانات التي ينبغي معالجتها، وفق منهجية تشاركية تشاورية تهدف إلى الارتقاء بساكنة أنفا والإجابة عن تطلعاتها، وهو ما من شأنه أن يعزز الثقة ويساهم في خلق التنمية.
وأشار المتدخلان إلى ضمان التنوع السكاني والاجتماعي داخل المنطقة عبر السياسات العمرانية العادلة والتوازن الحضري والتخطيط المستدام، يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية والعمرانية مع ضمان تحسين جودة الحياة لسكان المنطقة.
وسلط المتدخلون الضوء على الرهانات الاجتماعية والتماسك المجالي، وكيف يمكن لمخطط التهيئة أن يساهم في الحد من التفاوتات، باعتبار أن مخطط التهيئة يمكن أن يكون أداة قوية وفعالة للحد من التفاوتات بين الأحياء الراقية والمناطق ذات الهشاشة الاجتماعية من خلال تبني استراتيجيات متكاملة تركز على العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة. وفي ما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها لمخطط التهيئة أن يساهم في تحقيق هذا الهدف: توزيع عادل للمشاريع والمرافق
وتطوير البنية التحتية في المناطق الهشة، من خلال تحسين الطرق، شبكات الصرف الصحي، الكهرباء والمياه في المناطق الأقل حظا لضمان وصول الخدمات الأساسية لجميع السكان، وإنشاء مرافق عامة في المناطق المهمشة من خلال بناء المدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والرياضية، وتوفير المساحات الخضراء.
كما ناقشت الندوة، برامج الإسكان الاجتماعي وبناء وحدات سكنية بأسعار معقولة من خلال توفير مساكن اجتماعية لفئات الدخل المحدود في مناطق قريبة من الخدمات والفرص الاقتصادية، وإعادة تأهيل الأحياء العشوائية من خلال تحسين البنية التحتية والخدمات في الأحياء العشوائية بدلا من إزالتها، مع ضمان إشراك السكان في عملية التطوير، ومنع التهجير القسري من خلال ضمان عدم إخلاء السكان الفقراء من مناطقهم دون توفير بدائل سكنية مناسبة. بالإضافة إلى تعزيز النقل العام والربط بين الأحياء بمناطق العمل والخدمات، مما يقلل من العزلة الجغرافية والاجتماعية، وتوفير وسائل نقل ميسورة التكلفة من أجل ضمان أن تكون خدمات النقل العام في متناول الجميع، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود. وكذا تشجيع التنمية الاقتصادية المحلية وتعزيز المشاركة المجتمعية وتحسين الخدمات الاجتماعية وتعزيز التماسك الاجتماعي ومراقبة وتقييم التأثير الاجتماعي وتعزيز الاستدامة البيئية وسياسة توزيع الأراضي.
ومن بين أبرز أهم المشاريع المخطط لها في إطار تصميم التهيئة، المشاريع السكنية والعقارية، من خلال بناء أحياء سكنية حديثة تشمل شققا، فيلات، ومجمعات سكنية آمنة، مع دمج مساحات خضراء ومرافق قريبة، وتطوير مساكن بأسعار معقولة لتلبية احتياجات الفئات ذات الدخل المحدود، وإنشاء مجمعات سكنية تضم مرافق تجارية، مكاتب، ومرافق عامة لتوفير بيئة معيشية متكاملة، وبناء وحدات سكنية فاخرة مطلة على البحر لتلبية الطلب على السكن الراقي. بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية للنقل وتوسيع شبكة الطرق من خلال بناء طرق جديدة، توسيع المحاور القائمة، وإنشاء أنفاق وجسور لتحسين حركة المرور. وكذا المشاريع التجارية والاقتصادية، من خلال بناء مراكز تجارية حديثة تشمل محلات تجارية، مطاعم، دور سينما، ومناطق ترفيهية، وتطوير أحياء أعمال تضم مكاتب حديثة لجذب الشركات المحلية والدولية، وبناء فنادق فاخرة ومجمعات سياحية لتعزيز جاذبية المنطقة، خاصة على طول الكورنيش، وبناء مجمعات ترفيهية حديثة على الكورنيش تشمل مطاعم مقاهي، دور سينما، ومناطق ترفيه. فضلا عن مشاريع المرافق العامة من خلال بناء مؤسسات تعليمية جديدة لتلبية الاحتياجات التعليمية للسكان، ومستشفيات وجامعات ومساحات خضراء ومراكز ثقافية ورياضية.
ومن بين المشاريع المخطط لها، المشاريع البيئية والمستدامة من خلال تطوير أنظمة حديثة لجمع ومعالجة النفايات، ودمج حلول الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية لتقليل الانبعاثات الكربونية، وتطوير أنظمة مستدامة لإدارة الموارد المائية، وحماية السواحل عبر اتخاذ إجراءات لحمايتها من التآكل والتلوث خاصة على الكورنيش. فضلا عن مشاريع الترميم الحضري عبر إعادة تأهيل الأحياء القديمة من خلال ترميم الأحياء التاريخية للحفاظ على التراث المعماري مع تحسين ظروف المعيشة. بالإضافة إلى مشاريع الاتصال الرقمي من خلال تطوير بنية تحتية رقمية متطورة لتحويل أنفا والكورنيش إلى “مدن ذكية” (شبكات الألياف البصرية، أجهزة استشعار ذكية، إدارة البيانات)، ومساحات العمل المشتركة وحاضنات الأعمال عبر إنشاء مساحات مخصصة للشركات الناشئة ورواد الأعمال لتعزيز الابتكار. وكذا مشاريع الأمن والإدارة الحضرية عبر أنظمة المراقبة من خلال تركيب كاميرات مراقبة ومراكز تحكم لضمان أمن السكان والزوار، والإدارة الحضرية الذكية من خلال تطبيق أنظمة ذكية لتحسين حركة المرور، الإضاءة العامة، وجمع النفايات. وكذا والمشاريع الثقافية والسياحية من خلال تنظيم مهرجانات معارض، وفعاليات ثقافية لتعزيز ثراء المنطقة، بما في ذلك على الكورنيش، وتطوير المسارات السياحية وتطوير مارينا الدار البيضاء.
ومن بين المشاريع كذلك، مشاريع التنمية المجتمعية والبرامج الاجتماعية من خلال تنفيذ برامج لدعم الفئات الضعيفة (سكن، تعليم، صحة )، والمشاركة المواطنة من خلال تشجيع مشاركة السكان في التخطيط وتنفيذ المشاريع. وكذا المشاريع الرائدة والمشروع الضخم لأنفا باعتباره مشروع متكامل يجمع بين مناطق سكنية، تجارية، ترفيهية، وأعمال لإنشاء مركز حضري جديد، وتهيئة الساحل في أنفا والكورنيش مع ممشى، مساحات ترفيهية، ومنشآت سياحية، وإنشاء حي مخصص للتكنولوجيا والابتكار لجذب الشركات التكنولوجية والشركات الناشئة.
وتهدف الندوة إلى مناقشة التوجهات الأساسية لمشروع مخطط التهيئة لمنطقة آنفا، وتحليل رهانات التنمية الاجتماعية ودور المخطط في تعزيز الاندماج الاجتماعي وتقليل الفوارق المجالية، و استعراض آليات تحقيق التوازن الحضري عبر تخطيط مستدام يراعي مختلف مكونات النسيج العمراني، وطرح مقاربات الحكامة الجيدة وإشراك المجتمع المدني والفاعلين المحليين في صياغة وتنفيذ المخطط، وتقديم أمثلة لتجارب دولية في التهيئة الحضرية يمكن الاستفادة منها في السياق العمراني.