موازاة مع تخليد المنتظم الدولي لليوم العالمي لحقوق الإنسان، وفي إطار انفتاحه على القضايا العامة من خلال “منتدياته الشهرية”، نظم المجلس العلمي المحلي لخنيفرة بمقره، ندوة متميزة تحت عنوان: “حقوق الإنسان بين الخصوصية والكونية”، شارك فيها د. المصطفى زمهنى، ذ. عباس أدعوش وذ. مونة أوبلقاس، وعرفت حضورا وازنا ونوعيا للمهتمين بالمجال، ولعدد من الفاعلين في الحقول التربوية والثقافية، وعدد من الأئمة والخطباء والوعاظ والمرشدين والمرشدات، وأعضاء المجلس العلمي ولجانه.
من جهته لم يفت رئيس المجلس العلمي، د. المصطفى زمهنى وضع الحضور في صميم ودلالة اللقاء الذي يأتي في سياق اللقاءات الشهرية التي ينظمها المجلس العلمي للتداول في قضية من القضايا المختلفة، حيث جاء اختيار موضوع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يخلده العالم في 10 دجنبر من كل سنة، مؤكدا أننا “نسمع عن حقوق الإنسان فنعمل على ترسيخها من دون مراعاة لجانب الخصوصية”، مقابل جعل الناس خاضعين لقوانين معينة من الحقوق المصطنعة، بمن فيهم شعوب العالم الإسلامي التي لا تستحضر غالبيها كون العديد من القيم والحقوق الإنسانية قد جاء بها الدين الإسلامي.
وبعدها توقف د. زمهنى لبسط مفاهيم العنف المعنوي والعنف المادي، ووقوف الإسلام موقف الرفض التام لكل أنواع العنف، انطلاقا من قولة عمر بن الخطاب الشهيرة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”، التي اعتبرها المتدخل النقطة المركزية التي اعتمد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مؤكدا أن “لا أحد ضد الحرية ولكن ما يحتاج إلى المناقشة هو الكيفية التي ينبغي بها تدبير هذه الحرية”، كما رأى أنه “من الطبيعي أن ينتشر الإعلان العالمي بقوة لكونه جاء من الغرب وفي صالح الغرب، وتؤطره خلفية نفعية للقوى العظمى”، لأن الغرب، يضيف المتدخل، يفكر ويخطط لما قد يحققه لشعوبه بينما العالم الإسلامي لا يسأل عن موقعه طالما الغرب يتحكم في نظرته التمييزية لواقع حقوق الإنسان في العالم الإسلامي.
أما ذ. مونة أوبلقاس، فقد انطلقت في ورقتها من قراءة حقوق الإنسان كما جاءت كونيا، ونشأتها وتطور مفاهيمها، ومدارسها العامة، ومنها أساسا ما وصفته بالمدرسة الدينية التي تجعل من هذه الحقوق جزءا لا يتجزأ من حقوق العباد، وكيف شرحها الفقهاء بنقيض الباطل، واعتبروها شرعا وقانونا، بينما لم يفت المتدخلة، في ذات السياق، استعراض واقع حقوق الإنسان منذ العصر اليوناني إلى الفكر المسيحي، ثم في الدين الإسلامي “حيث الحقوق من المسائل التي لا يمكن لأي بشر المساس بها”. كما تناولت ما للإسلام من نظرة شمولية لهذه الحقوق في ربطها بما تنص عليه المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، حيث تناولت العديد من البنود التي جاء بها الدين الإسلامي كحقوق نزل بها شرع سماوي وليست من صنع البشر وأيديولوجيته.
وصلة بالموضوع، أبرزت ذ. أوبلقاس “أن خطاب حقوق الإنسان قد وُلد في خضم ظروف مشحونة بالصراعات والحروب والنزاعات العرقية، ومظاهر الإبادة والعنصرية والعبودية التي كانت ممنهجة وسائدة تحت حكم سلطات عصور الظلام والكنيسة في أوروبا”، قبل أن يخرج الإعلان العالمي الذي كان بمثابة إعلان عن شيء لم يكن من قبل، وعن “حقوق لتحرير الإنسان الأوروبي وليس إنسان باقي العالم”. بمعنى أن ولادتها، حسب المتدخلة، “جاءت على يد الأنظمة القوية التي طورت استغلال الفكرة لمصالحها وموازينها وتدخلاتها في شؤون الآخرين بتقارير مغلوطة ووهمية تحت يافطة حقوق الإنسان”. و لم يفت المتدخلة القول بأن الحماية الدولية لم تصل إلى الفعل المنطقي من حيث الجزاءات والحدود، عكس الإسلام الذي يحث على العدل والحق بوضوح شرعي، علما بأن حقوق الإنسان لا علاقة لها بأية إيديولوجية أو جنس.
وبدوره توقف ذ. عباس أدعوش لانتقاد بعض الأفكار الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالقول إن هذا الإعلان “جاء على يد الأقوياء وفرض على الضعفاء، ويجري تسويقه بثقافة غربية ذات تصورات أحادية تمييزية”، حيث لم يفت المتدخل الحديث بالتفصيل عن هذا الإعلان وكيف “نتج عن رحم الفكر الغربي الذي لم يكن همه الأساسي سوى إخراج الإنسان الغربي من ظلمات الكنيسة وعصر الظلمات، باعتبار أن الإعلان يحمل حقوقا كونية بشكل مبطن”، وفي هذا السياق أشار المتدخل لمضمون رسالة كان قد بعث بها نابليون إلى علماء الأزهر، وزعم فيها أن دخوله لأرض مصر ليس إلا لرفع الحيف والعبودية، ليتضح فيما بعد أن ادعاءاته لم تكن إلا حيلة استعمارية من التي يروجها الإنسان الغربي بين شعوب باقي دول العالم عن طريق تصوير نفسه على شاكلة المخلص والمحرِّر.
وارتباطا بالموضوع، وقف ذ. أدعوش بورقته عند فلسفة الإعلان العالمي التي صبغتها فلسفة الأنوار، عندما كان الإنسان الغربي تحت اضطهاد وسطوة الكنيسة، ليخرج هذا الإنسان من سلطة الكنيسة ويدخل تحت سلطة البشر، مستشهدا في هذا الصدد بمفكرين من أمثال طه عبدالرحمن ومحمد عمارة ، وجان جاك روسو، محللا دلالة بعض الحقوق كحق المساواة الذي جاء فضفاضا وجعل منه البعض مفتاحا لتمرير بعض الأفكار التي أريد بها الباطل، حسب رأيه، معتبرا الليبرالية المتوحشة وجها من أوجه مخططات الغرب التي تجري باسم حقوق الإنسان.
و اختتمت أشغال ندوة المجلس العلمي المحلي بتدخلات الحاضرين ومناقشات استثنائية أجمعت في مجملها على مدى تحكم الغرب في نظرته لواقع حقوق الإنسان وفق عقليته المتشبعة بالهيمنة والايديولوجيا الاستعمارية، ومن بين الحاضرين من تساءل عن الوقت الذي قد يفكر فيه المفكرون بالعالم الإسلامي لصياغة “إعلان إسلامي لحقوق الإنسان”، بينما جاء الرد بأن الإعلان الإسلامي جاء منذ فجر الإسلام، وبالدعوة إلى “الوعي بطبيعة المرحلة وبناء الذات لكون الغرب لايزال متفوقا بالضعف العربي، وبسوء فهم للمبادئ الإسلامية أو بالانحياز للمصطلحات الغربية لحقوق الإنسان”، قبل أن يحسمها أحد المشاركين في الندوة بما يفيد “أن نقد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس نقدا لما تضمنه من بنود، بل لطريقة تصريفه بالشكل التمييزي” بين دول الغرب والعالم الإسلامي.
في ندوة نظمها المجلس العلمي المحلي لخنيفرة : الخصوصية والكونية في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

الكاتب : أحمد بيضي
بتاريخ : 05/01/2018