تحقيق المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية
تحيين القوانين وملاءمتها مع المواثيق الدولية ومع التزامات المغرب الدولية
في سياق مشاركتها في ندوة عقدت بمدينة أكادير، يوم الجمعة 19 ماي 2023، نظمتها ودادية موظفي العدل بتنسيق مع النقابة الديمقراطية للعدل، تحت شعار:»نساء العدل ومواقع المسؤولية أي مداخل لتحقيق المناصفة»، ذكرت الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات حنان رحاب موقف الاتحاد الاشتراكي الثابت سعيا منه لبناء مجتمع المساواة والإنصاف، ودفاعه المستميت والدائم عن المرأة المغربية وقضاياها العادلة.
وقالت في مداخلتها القيمة:»قد نتفق وقد نختلف حول وضع النساء في سوق العمل عموما، وفي مجال الوظيفة العمومية خصوصا، وبشكل أخص في قطاع حيوي مثل قطاع العدل بمجالاته وتخصصاته ومستوياته المختلفة، ولكن لا يمكن في اعتقادي أن نختلف من حيث إن المرحلة التي نعيشها تظل أفضل من المراحل السابقة، دون ادعاء أنها مثالية».
مضيفة أننا»ننطلق اليوم من إطار مرجعي توجيهي متمثل في الدستور الذي يقر بالمناصفة، ويدعو صراحة وليس ضمنا إلى إقرار قوانين وسياسات عمومية لتفعيل هذا المبدأ الدستوري وتنزيله، كما أنه لا يمكن أن ننكر أن أعداد النساء اللواتي يشتغلن في الوظيفة العمومية، كما في المهن الحرة التي هي على تماس مع الوظيفة العمومية، كما هو الحال في مهن المحاماة والمنتدبين القضائيين والموثقين ما فتئت تتصاعد سنة بعد أخرى»، التي حققتها المرأة في مسارها الترافعي،واعتبرت حنان رحاب هذه الطفرة النوعية عن حقوقها المشروعة بمثابة «تقدم مرتبط بعوامل متداخلة، فيها ما هو مرتبط بتحولات ثقافية مجتمعية بدأت تعرف انحيازا عن المنظورات التقليدانية التي كانت تعمل على تنميط النساء في أدوار محددة، كما هو مرتبط باختيارات لها علاقة باستراتيجيات الدولة للنهوض بالمرأة وأوضاعها، خصوصا منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، والذي ما فتئ يدعو في خطب متعددة لإنصاف النساء والنهوض بأوضاعهن».
لكن مع هذا التقدم الملحوظ «لا يمكن أن ننكر، تضيف الكاتبة الوطنية، أن ثمة مقاومات ثقافية محافظة، وأن ثمة بطئا غير مقبول في تنزيل مقتضيات المناصفة، ولذلك فهذه الندوة واختيار هذا الموضوع هو تعبير عن هذا البطء غير المقبول».
وأشارت في مداخلتها إلى أنه «إذا كنا قد تجاوزنا إدماج النساء في الوظيفة العمومية بما يقترب من تمثيليتهن الديموغرافية، حيث تصل نسبة النساء في الوظيفة العمومية إلى ما يتجاوز الأربعين بالمائة بقليل، فإن هذه النسبة تقل بكثير كلما انتقلنا إلى المناصب العليا والسامية، فعدد النساء اللواتي يشغلن مهام رؤساء الأقسام والمديريات فما فوق هو ضئيل جدا مقارنة بالرجال».
وأوضحت بكون»الأمر لا علاقة له بالكفاءة وحتى على مستوى التعيينات، بل نجد أن أغلب النساء اللواتي تم تعيينهن في مناصب سامية كان ذلك بتعيينات ملكية، مرتبطة بالمناصب التي يعود للملك حق التعيين الحصري فيها، أما ما يرتبط بالتعيينات المرتبطة بالمجال المحفوظ للسلطة التنفيذية، فللأسف مازلنا بعيدين عن المناصفة ولا حتى عن الشعار الذي رفعته الحركة النسائية منذ سنوات: الثلث في أفق المناصفة».
وطالبت حنان رحاب بتحقيق»المساواة بين الجنسين في الوظيفة العمومية عموما وفي قطاع العدل خصوصا، باعتباره من القطاعات التي تعرف دينامية نسائية، أقلها على مستوى نسبة التوظيف، لا تتطلب فقط إقرار قوانين وسياسات جديدة، مع أهمية ذلك، بل كذلك تغيير العقليات كذلك، أي تتطلب عملا بيداغوجيا موازيا، واستراتيجيا في الوقت نفسه».
وذكرت الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات الحاضرين بأنه»في سنة 2014 قد تم إحداث مرصد مقاربة النوع بالوظيفة العمومية،ويحق لنا أن نطرح اليوم سؤالا عن مخرجات عمل هذا المرصد على مستويات دفع المسؤولين إلى استدماج مقاربة النوع وتأنيث ما أمكن للمناصب العليا، وتقديم دراسات بمؤشرات إحصائية وقانونية واجتماعية واقتصادية لوضعية النساء في الوظيفة العمومية وتمثيليتهن في مناصب المسؤولية والمناصب العليا، ومساهمة المرصد في اقتراح مشاريع القوانين الهادفة لتعزيز وضع النساء وغاية المناصفة».
وشددت في مداخلتها التي ألقتها في ندوة وطنية شاركت فيه نساء أخريات ممن يتحملن مسؤوليات في مؤسسات حقوقية على أنه»بعد سنوات عديدة من إقرار دستور 2011 الذي ينص صراحة على المناصفة، لا تشكل نسبة النساء في المناصب العليا سوى ما يقترب من 15 بالمائة، رغم أنهن يشكلن أزيد من 40 في المائة من عدد المنتسبين للوظيفة العمومية».
وانتقدت من جهة أخرى عدم تنزيل حقوق المرأة كاملة وتفعيلها على أرض الواقع قائلة»رغم هذه القوانين المنظمة للعمل، ورغم أنها تنتبه لبعض الوضعيات الخاصة بالنساء من مثل الولادة والإرضاع، ورغم عديد الملاحظات على تلك القوانين التي تحتاج للتحيين… فإن أغلب القوانين لا من حيث التدبير الزمني، ولا من حيث توصيف المهام مازالت مطبوعة بمرجعية تجعل الرجل هو الأساس والمرأة هي الاستثناء».
وأضافت «إذا انتقلنا إلى المرفق العمومي في الجانب المتعلق بالبنايات، بما فيها مكاتب العمل والمرافق الصحية، فإن هندستها لا تراعي لا مقاربة النوع ولا بعض الحقوق الخاصة، كحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة».
ولهذه الأسباب كلها، ألحت حنان رحاب على ضرورة مراجعة هذه المواقف التي تسيء إلى وضع المرأة واعتبارها خاصة أن المغرب يتوفر»على سند دستوري للمساواة والمناصفة وتعزيز أوضاع النساء في الوظيفة العمومية وفي المجال العام وسوق الشغل عموما، مع العلم أن المغرب يتوفر على مدونات قانونية متقدمة نوعا ما قياسا لدول الجوار الإقليمي».
لذلك نحتاج، تؤكد الكاتبة الوطنية، إلى»التحيين والملاءمة مع التزامات المغرب الدولية، ومع المعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها»ونحتاج أيضا إلى «عمل أكثر على مستوى العقليات، التي ما زالت تشكل عقبة أمام تطوير القوانين والسياسات، وأمام تنزيل أخرى وإقرارها».
تجدر الإشارة إلى أن مداخلة حنان رحاب تأتي في سياق ندوة وطنية نظمتها ودادية موظفي العدل بالمركب الاصطيافي لقضاة وموظفي العدل بأكَادير، وعرفت مشاركة ثلة خيرة من النساء ممن لهن الخبرة العلمية والمهنية ويتواجدن في الميدان في الحقل المدني للدفاع عن المرأة وقضاياها العادلة.
ولهذا عرفت الندوة عدة مداخلات ساهمت بها إلى جانب حنان رحاب كل من إيمان غانمي عن «ائتلاف المناصفة دابا»، وفاطمة الزهراء باراصات عن «منتدى المناصفة والمساواة» وحليمة أعزاز عن «ودادية موظفي العدل».
كما نظمت هذه الندوة الوطنية في سياق برنامج الملتقى الوطني الخامس لنساء العدل المنظم، يومي الجمعة والسبت 19 و20 ماي 2023، والذي ضم في أنشطته إلى جانب هذه الندوة الوطنية دورة تكوينية حول مهارات المناصفة أشرف عليها الدكتورعبد الرحيم العطري من جامعة محمد الخامس بالرباط ومعرض للرسامة أحلام رئيسة المكتب المحلي لودادية موظفي العدل بالقصر الكبير، وإجراء المباراة النهائية للدوري الوطني لكرة السلة إناث، لتختتم بعد ذلك فعاليات هذا الملتقى بإصدار توصيات.