في وداع سيدي محمد أمزيان: خنيفرة تفقد مناضلا حمل جراح سنوات الرصاص وذاكرة الألم والأمل

رحل يوم الأربعاء 3 شتنبر 2025، بخنيفرة، المناضل سيدي محمد أمزيان، أحد أبناء الأطلس المتوسط الذين ارتبط اسمهم بأحداث مولاي بوعزة في الثالث من مارس 1973، تلك المحطة التي شكلت منعطفاً خطيرا في علاقة السلطة بالمعارضة اليسارية، الاتحادية على الخصوص، وفتحت الباب على سنوات من الاعتقالات والاختطافات والمحاكمات القاسية في زمن وُصف بسنوات الجمر والرصاص.
أمزيان لم يكن مجرد متعاطف مع التيارات الثورية، بل انخرط مبكرا في العمل السياسي السري، وحمل حلم التغيير الاجتماعي والسياسي، وقد دفع ثمن هذا الانخراط غاليا، إذ تعرض للاختطاف رفقة زوجته إيطو أمزيان وثمانية من أفراد أسرته، وقضى ما يقارب عامين وثمانية أشهر بين زنازن خنيفرة ومكناس ودرب مولاي الشريف قبل أن يُحال على المحكمة العسكرية بالقنيطرة إلى حين الإفراج عنه.
لكن محنة الفقيد سيدي محمد أمزيان لم تتوقف عند هذا الحد، فشقيقه المناضل علي أمزيان وابن أخيه، أمهروق أمزيان، حوكما بعشرين سنة سجنا قضيا منها أكثر من سبع سنوات وسبعة أشهر، فيما تعرضت أسرته للتشريد وضياع ممتلكاتها ومواشيها وأراضيها ومجوهراتها، شأنها شأن العديد من عائلات آيت خويا وتغاط وبويجمان وغيرها من التي نالت نصيبها من الاضطهاد والتنكيل والتعذيب والنفي.
زوجته إيطو أمزيان تقاسمت معه مسار الألم، إذ قضت أزيد من خمسة أشهر رهن الاعتقال في ظلمات الأقبيات السرية، وواجهت بعد الإفراج عنها تضييقا ممنهجا وصل إلى حد منعها من العودة إلى بيتها ونصحها مسؤولون بالتخلي عن زوجها باعتباره “انتهى في السجن”، لكنها رفضت ذلك بإصرار وظلت على وفائها حتى النهاية بقدر ما ظلت قيد الاضطهاد والقمع.
رغم الجراح، ظل محمد أمزيان وفيا لحزبه «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، بخنيفرة، وتحمل المسؤولية في أجهزته التنظيمية، بينما كان من المؤسسين الأوائل لفرع «المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف»، باحثا عن تحويل معاناة الماضي إلى ذاكرة جماعية ورافعة لمطلب العدالة والإنصاف، وبرحيله، تطوى صفحة رجل ترك شهادة حية على أن الذاكرة، مهما كانت مثقلة بالألم، تظل قادرة على إنعاش الأمل في غد مختلف.

 


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 05/09/2025