قال مرصد العمل الحكومي، إن استضافة كأس العالم تمثل فرصة اقتصادية واجتماعية وثقافية كبرى لأي بلد يسعى إلى تعزيز موقعه الدولي وتحقيق مكاسب مستدامة. بالنسبة للمغرب، يعتبر تنظيم هذا الحدث العالمي فرصة ثمينة لفتح أبواب استثنائية نحو تحقيق مكاسب متشعبة تتوافق مع توجهات النموذج التنموي الجديد وأهدافه الطموحة.
ورأى المرصد، أنه يمكن للمغرب من خلال تنظيم كأس العالم، أن يعزز مكانته كوجهة سياحية واستثمارية دولية، ويظهر قدراته التنظيمية على الساحة العالمية، ما يسهم في بناء ثقة المستثمرين العالميين ببيئة أعماله، ويحفز التدفقات السياحية، إذ يجذب أنظار ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، الذين يشكلون دعامة قوية للاقتصاد المحلي عبر الإنفاق السياحي وزيادة طلباتهم على المرافق والخدمات المحلية.
وعددت ورقة سياسية أعدها مركز مرصد العمل الحكومي «كأس العالم 2030: مكاسب تنموية كبرى وتحديات لتحقيق الاستدامة»، الرهانات المرتبطة بهذا التنظيم ، التي تعود بالنفع على كافة شرائح المجتمع، كما تشكل هذه المحطة، ركيزة لتحقيق رؤية النموذج التنموي الجديد التي تسعى إلى تنمية شاملة ومستدامة، توازن بين المكاسب الاقتصادية والأهداف الاجتماعية، وتؤسس لدور فاعل للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز موقع المغرب كقوة صاعدة على الساحة الدولية.
وكشف مرصد العمل الحكومي، أن الرهانات تمتد إلى تحقيق أثر طويل الأمد في تطوير البنية التحتية، حيث يتيح الحدث حافزًا لتحديث شبكة الطرق والنقل والمرافق العامة، وبناء ملاعب ومنشآت رياضية عالمية المستوى، مما يسهم في رفع جودة الحياة للمواطنين، ويترك إرثًا إيجابيًا للأجيال المقبلة، حيث يتماشى هذا التطوير مع أهداف النموذج التنموي الجديد في المغرب، الذي يسعى إلى إرساء دعائم تنمية حضرية واجتماعية تخدم كافة الفئات، وتدعم التوزيع المتوازن للثروة، وتحقيق التنمية المستدامة في كافة المناطق، لا سيما من خلال بنية تحتية تعزز الاندماج الإقليمي والوطني.
إضافة إلى ذلك، يحمل تنظيم كأس العالم بُعدًا اجتماعيًا وثقافيا يعزز من قيم النموذج التنموي في نشر ثقافة الرياضة وروح المنافسة كعامل إيجابي في الحياة العامة، ومن خلال إشراك فئات واسعة من الشباب في تنظيم الحدث عبر برامج للتدريب والتطوع، يسهم في تطوير مهارات الشباب المغربي، ويتيح لهم فرصًا حقيقية للتطوير المهني والتنمية الشخصية في بيئة احترافية، مما يعكس توجه النموذج التنموي نحو تمكين الشباب باعتبارهم محركا أساسيا للتغيير والنمو المستدام.
وتطرقت الورقة إلى العوائد المالية والاجتماعية من تنظيم كأس العالم، من خلال الإيرادات السياحية وزيادة عدد السياح، وفي هذا الباب، يقول مرصد العمل الحكومي، إن التجارب السابقة، مثل قطر 2022 وروسيا 2018، تشير إلى أن تنظيم كأس العالم يمثل فرصة استثنائية لزيادة عدد الزوار من مختلف أنحاء العالم، مما يرفع معدلات التدفقات السياحية ويعزز الاشتغال في الفنادق والمرافق السياحية. بناءً على هذه التجارب، من المتوقع أن يجذب المغرب ما يزيد عن 1.5 مليون زائر إضافي خلال فترة البطولة وحدها، الأمر الذي سيعزز النشاط السياحي ويساهم بشكل مباشر في الاقتصاد المحلي.
أما بخصوص التوقعات السياحية،فمن المقدر أن تكون هذه البطولة واحدة من أكبر الفعاليات التي يستضيفها المغرب، بحيث ستجمع مشجعين وجماهير من أكثر من 48 دولة، ما يسهم في تنويع قاعدة الزوار الدوليين وتوسيع سوق السياحة المغربي، بالإضافة إلى ذلك، ستتيح البطولة فرصة فريدة للترويج للوجهات السياحية المغربية مثل مراكش، أكادير، طنجة، وفاس، والمدن والمناطق المحيطة بها التي تتميز بتراث ثقافي غني وطبيعة خلابة، وستستفيد هذه المدن من تسليط الضوء الإعلامي العالمي، ما قد يحفز زيادة الزوار بشكل مستمر حتى بعد انتهاء البطولة.
العائدات السياحية المتوقعة: بناءً على معدلات الإنفاق السياحي السابقة في بطولات كأس العالم، تشير التقديرات إلى أن الإيرادات السياحية الإضافية قد تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار خلال فترة الحدث وما بعدها.
هذا التقدير وفق المرصد، يأتي استنادًا إلى معدل إنفاق السائحين المتوقع، حيث تشير الدراسات إلى أن كل سائح قد ينفق ما بين 1,000 إلى 2,000 دولار خلال إقامته في المغرب، ويشمل ذلك تكاليف الإقامة، الطعام، التنقل، التسوق، والترفيه.
هذه الإيرادات المباشرة ستمثل دفعة قوية لعدد من القطاعات الحيوية من بينها قطاع الفنادق والإقامة،حيث يتوقع أن تسجل الفنادق زيادة في الإشغال قد تصل إلى 90-100% خلال البطولة، مما يحقق عائدات كبيرة لقطاع الإيواء. كذلك، سيتحتم على العديد من المنشآت الفندقية تطوير خدماتها وتجهيزاتها لاستقبال العدد الكبير من الزوار، مما يعني تحسين جودة الخدمة وتجهيز البنية التحتية السياحية على المدى البعيد.
ومن المتوقع أن يشهد قطاع المطاعم والمقاهي، ازدهارًا كبيرًا خلال البطولة، إذ يفضل الكثير من السياح تجربة الأطعمة المحلية والاستمتاع بالمأكولات المغربية، مما يعزز من عوائد قطاع الضيافة.
أما قطاع النقل والخدمات اللوجستية يقول مرصد العمل الحكومي، سيعرف زيادة عدد الزوار، مما ستتطلب تعزيز خدمات النقل، سواء الجوية أو البرية، ومن المتوقع أن تشهد شركات النقل والحافلات وشركات تأجير السيارات انتعاشًا ملحوظًا، ما سيسهم في تحسين وسائل النقل وتطوير البنية التحتية الخاصة بالمواصلات.
ويحث المرصد على زيادة الاستثمار في البنية التحتية، إذ تتطلب استضافة كأس العالم تطوير أو بناء ملاعب ومرافق رياضية جديدة، مما قد يتطلب استثمارات تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار. ورغم تكلفتها، يمكن أن تُغطي هذه الاستثمارات عبر الشراكات والدعم الدولي، مع تمديد شبكة القطار الفائق السرعة (البراق) بين الدار البيضاء وأكادير،حيث يعد مشروع تمديد شبكة القطار الفائق السرعة من الدار البيضاء إلى أكادير من بين أهم المشاريع الاستراتيجية، حيث سيربط وسط المغرب بشماله وجنوبه، مما يسهم في تقليص مدة السفر بين المدينتين إلى حوالي ساعتين ونصف بدلاً من خمس ساعات، وسيحقق المشروع فوائد اقتصادية وسياحية كبيرة، حيث سيُسهل من تدفق السياح المحليين والدوليين، ويعزز من نشاط السياحة في جنوب المغرب الذي يتميز بمناطق جذب سياحية مثل أكادير وسوس ماسة، وتقدر تكلفة تمديد شبكة القطار الفائق السرعة إلى أكادير بحوالي 5 مليارات دولار، مما يتطلب مشاركة استثمارات من القطاع الخاص والدعم الدولي، وسيعمل هذا المشروع على توفير فرص عمل كبيرة أثناء مرحلة البناء، كما سيزيد من توسيع نشاط المقاولات المغربية في قطاع النقل السككي.
وبخصوص تحسين الرعاية الصحية من خلال تأهيل وبناء المستشفيات، تشدد الورقة على أن المغرب يهدف إلى بناء وتجهيز مستشفيات حديثة قادرة على تلبية احتياجات الزوار المحليين والدوليين، إضافة إلى تحسين الخدمات الطبية للسكان المحليين، ومن المتوقع أن تصل تكلفة هذه الاستثمارات الصحية إلى 2 مليار دولار.
وترى الورقة السياسية أن إنجاز كأس العالم، يتطلب تعزيز شبكة الطرق السريعة والداخلية في كافة المدن المستضيفة، من خلال توسيع وتحديث الطرق بين المدن وتجهيز المطارات بالمرافق الحديثة لاستيعاب العدد الكبير من الزوار. ويتوقع أن تُخصص 1.5 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للنقل، مما سيسهم في تسهيل تنقل الزوار والمقيمين ويُحسن من تجربة التنقل داخل المغرب،كما تساهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل مؤقتة ودائمة، وقد تخلق حوالي 50,000 إلى 80,000 وظيفة جديدة في مجالات البناء، السياحة، والخدمات، مما يعزز من التشغيل ويساهم في تحسين دخل الأفراد.
أما في ما يهم عائدات حقوق البث والرعاية، فتعد حقوق البث التلفزيوني من أكبر مصادر الإيرادات للبلدان المستضيفة، إذ قد تتجاوز عائدات البث التلفزيوني 2 مليار دولار، وهي فرصة مهمة للمغرب للاستفادة من شعبية البطولة عبر مختلف المنصات، كما أن الحدث سيجذب اهتمام الشركات الدولية الكبرى، التي تستثمر مبالغ طائلة في الإعلانات والرعاية. يمكن أن تصل عائدات الرعاية إلى حوالي 1 مليار دولار، مما يدعم الاقتصاد الوطني ويزيد من الوعي بعلامة المغرب التجارية على المستوى العالمي.
وتطرق المرصد إلى الأثر على النمو الاقتصادي، من خلال زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وترى الورقة وفقًا للدراسات، أنه يمكن أن يؤدي استضافة بطولات كبرى مثل كأس العالم إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.5% و1% سنويًا خلال فترة الحدث وبعده، ما يعادل زيادة تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار للاقتصاد المغربي، كما سيتم تعزيز صورة المغرب دوليًا كوجهة استثمارية وسياحية، مما يساهم في جذب استثمارات جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام على المدى البعيد.
وتطرق مرصد العمل الحكومي إلى الفوائد الطويلة الأمد للبنية التحتية ،عبر تأهيل النقل والمرافق العامة، وفي هذا الصدد، يحتاج المغرب إلى تحديث المطارات، وتطوير شبكة الطرق، وتوسيع وسائل النقل العام، مما يشكل استثمارًا طويل الأمد في جودة حياة المواطنين، وتقدر تكاليف هذه التحسينات بنحو 2 مليار دولار، كما يمكن استخدام الملاعب والبنيات الرياضية التي تم إنشاؤها لأغراض مختلفة بعد البطولة، ما يخلق فرصا لاستضافة فعاليات دولية أخرى، ويؤدي إلى استدامة العائدات، التي من المقدر أن تتجاوز 100 مليون دولار سنويا بعد البطولة.
ولم يفت الورقة السياسية، رصد التحديات المرتبطة بتنظيم كأس العالم في المغرب، ففي الوقت الذي يشكل ذلك فرصة استثنائية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، يرى المرصد أن هذا الهدف يقترن بتحديات كبيرة تتطلب سياسات ناجعة لتحقيق مردودية مستدامة على المدى الطويل، إذ إن الوصول إلى النتائج المرجوة في ظل منافسة عالمية، خاصة مع دول شريكة مثل إسبانيا والبرتغال، يستلزم من المغرب معالجة بعض التحديات الجوهرية التي تتعلق بالنموذج الاقتصادي للملاعب والبنية التحتية، وضبط معدلات المديونية، وتحديث الخدمات والرقمنة،وتحقيق المردودية بعد انتهاء البطولة، إذ عادة ما تواجه الدول المستضيفة تحديات كبيرة بعد انتهاء كأس العالم، لا سيما في ما يخص استخدام الملاعب والمنشآت الرياضية بطريقة اقتصادية مستدامة، ولتجنب أن تصبح الملاعب استثمارا غير ذي مردود بعد الحدث، يحتاج المغرب إلى تطوير نموذج اقتصادي مبتكر يضمن استدامة الملاعب واستخدامها لتحقيق عائدات مالية مستدامة.
يمكن أيضاً استغلال هذه الملاعب وفق المرصد، لإقامة فعاليات محلية ودولية في مختلف المجالات، مثل البطولات الرياضية الإقليمية والمهرجانات الثقافية والمعارض، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل مستدامة، وسيكون من الضروري تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص وتطوير برامج تمويل مبتكرة تمكن من استدامة الاستثمار وتحقيق عوائد مالية في مختلف الفترات، وبالتالي تجنب عبء الصيانة الباهظة بعد البطولة.
ودعا مرصد العمل الحكومي إلى تجنب ضغوط الديون، إذ يبقى تأمين التمويل اللازم لبناء البنية التحتية وتحديثها من أكبر التحديات التي تواجه الدول المستضيفة لكأس العالم، ويبرز هذا التحدي بشكل خاص بالنسبة للمغرب، حيث سيتعين إدارة التكاليف الضخمة المرتبطة بتمديد شبكات النقل، وبناء المنشآت الرياضية والمرافق العامة، خاصة مع تقدير بعض المشاريع الكبرى بمليارات الدولارات، في هذا السياق، يتوجب المغرب وضع استراتيجية دقيقة لتمويل هذه المشاريع، مع التركيز على تقليل الاعتماد على القروض الممولة بمديونية مرتفعة، وتجنب ضغوط الديون المستقبلية.
في هذا الصدد ، يمكن للمغرب التوجه نحو تطوير شراكات تمويلية مع مؤسسات دولية مانحة واستقطاب استثمارات القطاع الخاص المحلي والدولي، إلى جانب ذلك، يمكن استغلال بعض الاتفاقيات الثنائية والدعم الدولي في تطوير البنية التحتية، مما يخفف من الأعباء المالية، ويضمن تمويلا مستداما يتماشى مع أهداف النموذج التنموي المغربي.
وشددت الورقة السياسية على الرقمنة وتطوير الخدمات الذكية، مذكرة بأن رقمنة وتطوير الخدمات الذكية، يعدان ركيزة أساسية لجعل تنظيم كأس العالم في المغرب تجربة متميزة، فالمقارنة مع إسبانيا والبرتغال، اللتين تتمتعان بمستوى عال بالمقارنة مع المغرب من التطور في الخدمات الرقمية، ستضع ضغطا على المغرب لتحديث بنيته الرقمية، ورفع مستوى الخدمات لجعلها متوافقة مع توقعات الجمهور العالمي، ويشمل ذلك تطوير منصات إلكترونية مدمجة لتيسير حجز التذاكر، وحجز الإقامات، ووسائل النقل، وتحسين تجربة المشجعين من خلال التطبيقات الذكية التي تتيح لهم الوصول إلى المعلومات والخدمات بسرعة وسلاسة.
يستدعي هذا التحدي، يقول المرصد، تعزيز البنية التحتية الرقمية في مختلف المدن المغربية، وتأمين خدمات الإنترنت العالية الجودة، وتطوير تطبيقات ذكية متعددة اللغات توفر معلومات عن الأماكن السياحية والمرافق العامة، إلى جانب تطوير نظام أمن سيبراني قوي لحماية بيانات المستخدمين وضمان سلامة العمليات الإلكترونية، وسيكون تحسين جودة الرقمنة محورياً في تحسين التجربة العامة للزوار، وجذب المزيد من السياح.
وشدد المرصد على ضرورة تحسين جودة الخدمات العامة والسياحية والنقل، حيث يمثل مستوى جودة الخدمات العامة والسياحية تحديا أساسياً، خاصة وأن المغرب سيقارن بإسبانيا والبرتغال اللتين تمتازان بتجربة سياحية عالمية، لذلك سيكون من الضروري العمل على تحسين الخدمات السياحية والبنية التحتية بشكل يتماشى مع متطلبات البطولة، ويقدم مستوى متقدما من الراحة للزوار، تشمل توفير مرافق عالية الجودة في الفنادق والمطاعم والمواصلات، وتدريب الأطر والموارد البشرية العاملة في القطاع السياحي على تقديم خدمة احترافية، وتهيئة المنشأت لتلائم الانتظارات العالمية.
كما ينبغي تطوير شبكات الطرق والمواصلات بحيث تكون قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من الزوار، مع تحسين وسائل التنقل داخل المدن وبين المناطق السياحية، حيث لا يمكن الاستمرار في ظل منظومة نقل تقوم على الريع و على الاعتماد المطلق على منظومة «التاكسي» بدون أي إصلاح أو تحديث ، مع ضرورة الانفتاح على تجربة التطبيقات الذكية وإيجاد الصيغ القانونية لإدماجها في منظومة النقل الشرعية، مع ضرورة توعية السائقين المهنيين في ما يتعلق بضوابط التسعيرة والتعامل الجيد مع الزوار ، ما يتيح لهم تجربة مريحة تساهم في تحسين سمعة المغرب كوجهة سياحية متطورة.
تنظيم بطولة عالمية بهذا الحجم، وفق الورقة، يشكل تحديا بيئيا يستدعي من المغرب وضع سياسات بيئية مستدامة، تشمل إدارة الموارد الطبيعية، وخفض استهلاك الطاقة والمياه، وتقليل النفايات والانبعاثات الضارة، إذ يمكن استغلال هذه الفرصة للترويج لمشاريع الطاقات المتجددة، واستخدام الملاعب والمنشآت بطرق تتيح تحقيق مردودية اقتصادية مع الالتزام بالمعايير البيئية، ويجب على المغرب وضع مشاريع لإعادة تدوير الموارد، وتشجيع استخدامها الذكي، لضمان تراكم بيئي إيجابي للبطولة.
وبخصوص الأمن واستراتيجية التنقل المتكاملة، شدد المرصد على أن الأمن يمثل ركيزة أساسية في أي حدث عالمي، إذ أن تأمين كأس العالم يتطلب من المغرب اعتماد استراتيجية شاملة تشمل إجراءات صارمة لضمان سلامة الزوار والمنشآت، في هذا السياق، من الضروري تطوير خطة تنقل متكاملة تشمل وسائل النقل العام، وأماكن الإقامة، والمسارات السياحية لتجنب الاكتظاظ وتوفير تجربة آمنة ومريحة للجميع.
ويرى المرصد أن تعزيز الجانب الأمني يتطلب البدء منذ الآن في توعية وتحسيس المغاربة بأهمية تنظيم كأس العالم وبالفرص التي يوفرها للمغرب في مساره التنموي ومدى انعكاساته الإيجابية عليهم، وبضرورة انخراطهم الواعي والمسؤول في إنجاح هذه التظاهرة، فالمغاربة يجب أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من إنجاح هذا المشروع، ولن يتأتى هذا الأمر إلا عبر مقاربة تشاركية يكون من خلالها للمجتمع المدني دور بارز في التواصل والتعبئة والتكوين لفائدة عموم الشباب المغاربة.
وخلص مرصد العمل الحكومي إلى أن تنظيم كأس العالم،يمثل بالنسبة للمغرب أكثر من مجرد حدث رياضي عالمي، بل يشكل فرصة تاريخية لتحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية عميقة ومستدامة تمتد لسنوات طويلة بعد انتهاء البطولة.
وقدر المرصد العوائد المالية المباشرة وغير المباشرة لهذا الحدث ما بين 8 و10 مليارات دولار، تشمل الإيرادات السياحية، الاستثمار الأجنبي، عائدات البث، والرعاية التجارية. ومن المتوقع أن يعزز هذا الحدث مكانة المغرب كوجهة سياحية عالمية، حيث سيجذب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، ويترك إرثًا دائمًا من البنية التحتية الحديثة التي تخدم المواطنين والزوار على حد سواء.
ورأى المرصد أن تطوير البنية التحتية هو أحد أبرز المكاسب، حيث سيتيح كأس العالم للمغرب فرصة تحسين شبكة النقل العام، بما في ذلك تمديد شبكة القطار الفائق السرعة من الدار البيضاء إلى أكادير، وتطوير الطرق والمطارات والمرافق العامة. هذا التطوير سيخدم المغرب طويلًا بعد البطولة، ويحقق سهولة التنقل وتعزيز الروابط الاقتصادية بين مختلف مناطق البلاد. كما سيسهم الاستثمار في البنية التحتية في تقليل التفاوت بين المدن الكبرى والمدن الأقل تطورًا، مما يعزز من توازن التنمية على الصعيد الوطني.
وعلى الصعيد الاجتماعي، يتيح الحدث فرصًا لتعزيز التوظيف وتوفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، سواء في مرحلة البناء أو خلال فترة البطولة. سيتم تشغيل آلاف الشباب في قطاعات البناء، السياحة، والخدمات، ما يعزز من الدخل القومي ويساهم في تقليل البطالة. كما أن الحدث سيفتح المجال أمام برامج تدريبية وتطوعية للشباب في مجالات التنظيم، الضيافة، وإدارة الأحداث الدولية، مما يسهم في تأهيلهم واكتسابهم مهارات جديدة تعزز فرصهم في سوق العمل المحلي والدولي.
إلى جانب الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، سيترك كأس العالم أثرًا ثقافيًا طويل الأمد، حيث سيتيح للمغرب فرصة تعزيز الهوية الثقافية المغربية، وإبراز التنوع الثقافي والتراثي للبلاد أمام ملايين المشاهدين حول العالم. وسيعزز هذا الحدث من انفتاح المجتمع المغربي على العالم، وينشر قيم التعاون والتسامح والتفاهم بين مختلف الثقافات.
وخلصت الورقة السياسية إلى أن تنظيم كأس العالم في المغرب، يتماشى تمامًا مع رؤية المغرب التنموية الجديدة التي تسعى إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلامس كافة فئات المجتمع، عبر هذه الرؤية، يسعى المغرب إلى تحويل هذه الفعالية إلى منصة لتحقيق التغيير الإيجابي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير فرص حياة كريمة لجميع المغاربة. بهذا المعنى، فإن كأس العالم ليس مجرد حدث عابر، بل هو خطوة نحو بناء مستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا، يؤكد قدرة المغرب على تحقيق إنجازات عالمية واستدامة تنموية شاملة.