اغتصاب جماعي في حافلة، تحرش، اختطافات واعتداءات جسدية وحشية في الفضاءات العامة، تراجع في المكتسبات والحقوق، تصاعد كبير في نسب الطلاق والتعدد وتزويج القاصرات. هذه بعض ملامح الوضع العام الحالي الذي تعيشه المرأة المغربية اليوم في ظل حكومة ملتبسة بين خطاب المساواة وواقع الإقصاء ، وفي مجتمع أضحى مرتعا للجريمة، أعاد إنتاج عصر «الفتوات « التي أصبحت تستعرض قوتها بالسيوف في الشارع العام وتفجرها على أجساد النساء .
أكثر من 40 في المئة من المغربيات يتعرضن للعنف في الشارع العام، حسب آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، حول تنامي ظاهرة تعنيف النساء في الشوارع والفضاءات العامة، ولو أن العدد وصل اليوم إلى أكثر من ذلك بكثير، فمن بين 5.7 ملايين امرأة في المدن، تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، تعرضت 2.3 مليون امرأة للعنف في فضاء عام، ويعتبر العنف البدني في المرتبة الثانية ضمن قائمة أشكال العنف التي لاقتها المغربيات في الفضاءات العامة، باعتبار أن عدد ضحاياه بلغ 808 آلاف ضحية- لحد صياغة التقرير- بما يعادل 14.2 في المئة من النساء الحضريات.
وفي قراءة متفحصة للتقرير نجد أن معدل انتشار العنف بالفضاءات العامة أعلى لدى النساء اللواتي تتوفرن على مستوى تعليمي عال مقارنة مع غيرهن. و كلما ارتفع مستوى تعليم النساء، زاد معدل انتشار العنف في صفوفهن. وتتراوح هذه النسبة بين 29 بالمئة لدى النساء الحضريات اللواتي لم يسبق لهن ارتياد المدرسة، و 40،6 بالمئة في صفوف اللواتي تتوفرن على مستوى التعليم الابتدائي و 57،9 بالمئة في صفوف من لديهن مستوى تعليمي عال، مما يطرح أكثر من علامة استفهام، لماذا تستهدف بالخصوص النساء اللواتي يتوفرن على مستوى تعليمي واقتصادي واجتماعي متميز، هل يعود السبب لحقد اجتماعي رجولي يرى في تفوق المرأة تجاوزا لنرجسية ذكورية ؟
هذا العنف المستهدف للنساء بالفضاءات العامة لم تسلم منه أيضا المرأة ذات الاحتياجات الخاصة، رغم معاناتها مع الإعاقة، بل تكاد تعادل نفس نسبة العنف التي تتعرض لها النساء عموما، حيث لا تزيد النسبة إلا بمقدار 6 نقاط مئوية (40،8 بالمئة مقابل 34،7 بالمئة).
التقرير أشار إلى أن معدل انتشار العنف الخاص بانتهاك الحرية الفردية للمرأة أو العنف الجنسي غير المقرون بانتهاك حرمة جسدها في الفضاءات العامة بالمدن، بلغا على التوالي، 4.5 في المئة (427 ألف ضحية)، و3.9 في المئة (372 ألف ضحية) وأن معدل العنف يرتفع من 25 في المئة تقريبا في صفوف نساء المدن اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 50 و64، إلى 58.3 في المئة بين من هن أصغر سنا من النساء في الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة.
ولعل من الوقائع الصادمة التي وصمت الشارع المغربي بالعار وتعدت حدود البلد، صورة الفتاة التي تم التحرش بها واغتصابها في الحافلة العمومية، في صمت تام للركاب والسائق والتي شكلت صدمة قوية للوجدان المغربي، وخلقت الذعر في الأسر المغربية، ودقت ناقوس الخطر إيذانا بانهيار منظومة القيم في مجتمعنا، حيث تعكس الواقعة انتهاكا لحرمة جسد الآخر في فضاء عام، واستهتارا كبيرا بالأخلاق وقيم المجتمع والقانون والدولة، كما يعكس سكوت الركاب والسائق، الوجه الآخر من الاستسلام والنكوص وموت الحمية المغربية الرافضة للظلم والمدافعة بالنفس عن حرمة من يتقاسم معها نفس الفضاء. وضع جعل نساء المغرب يعشن اليوم في كابوس من الفزع والرعب والشعور بعدم الحماية والأمن حتى في الأماكن العامة وانعدام الثقة من الآخر والحذر من العنف الأسود المتربص في كل مكان.
في يوم عيدهن الوطني تزداد نكسة نساء المغرب من حدة التراجعات في ملفهن المطلبي، حيث فرضت عليهن هيئة للمناصفة لا تعكس ما منحه لهن دستور 2011 من صلاحيات، ففي الوقت الذي كانت فيه النساء ومعهن الرأي العام الوطني ينتظرون قانونا يراعي المكتسبات التي راكمها المغرب، ويرسخ بشكل أعمق مقتضيات الدستوروالمعايير الدولية، جاءت الهيئة جوفاء لا تمثل الانتظارات المأمولة ولا تتماشى وروح الدستور الذي جمع في الفصل 19 لوحده كل ما يتعلق بالمساواة والمناصفة، والتنصيص على المساواة في الحقوق والحريات الأساسية، والاستناد إلى المواثيق الدولية، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء من جهة، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، وأساسا منها حظر التمييز بسبب الجنس في المرتبة الأولى.
الجمعيات والحركات النسائية لم تصمت إزاء هذا التجاوز الذي نددت به وقامت باحتجاجات وأوردت تعديلات في هذا الشأن لم يؤخذ بعين الاعتبار إلا النزر القليل منها، نفس الإجهاز على المطالب عرفه قانون الأسرة وقانون محاربة العنف ضد النساء، التحرش، حيث تم القفز على المقاربة التشاركية وتم فرض سلطة الأمر الواقع.
النساء في المغرب اليوم يعشن في ظل حالة من الارتباك بين النصوص القانونية والواقع المعيش، فزواج القاصرات في ارتفاع شديد، أيضا تعدد الزوجات وانتشار زواج الفاتحة واستفحال ظاهرة الطلاق بشكل تصاعدي خطير.. وضع يسائل مدونة قانون الأسرة من جديد حول إعادة النظر للقيام بتعديلات من شأنها الإجابة عن هذا الكم الكبير من القضايا المجتمعية التي تتخبط فيه المرأة المغربية .
1