عيد المرأة أو يومها العالمي يصادف الثامن من شهر مارس من كلّ عام . وكان الأسم الأوّل الذي اختير لتخليد هذه الذكرى هو” اليوم العالمي للمرأة العاملة ” قبل أن يُعتمَد فى أروقة الأمم المتحدة بصفة رسمية في 8 مارس من عام 1975 التي دعت الدّول الأعضاء فيها إلى الإحتفال بهذا اليوم. ومن ثمّ أصبحت نساء العالم تحتفل كلّ عام إحياءً بمبادرة الأمم المتحدة التي كانت تحت اسم ”كوكب 50 ـ 50 بحلول 2030″ كخطوة جبّارة لإقرار مساواة تامّة، ومُنصفة وعادلة بين الجنسيْن، ورفع الوعي السّياسيّ والفكري والاجتماعيّ في شؤون، وقضايا المرأة، ومكتسباتها وانتكاساتها، وتسليط الأضواء الكاشفة على المشاكل، والمشاغل، والصّعاب والمُنغّصات التي ما زالت تعاني منها المرأة إلى اليوم فى مختلف أرجاء المعمور .
المجموعات النسائية في مختلف أنحاء المعمو ما زالت تُحيي، وتحتفي بالفعل بهذا اليوم، ويشاركها الرّجال فى هذا الإحتفال بتنظيم مختلف التظاهرات والملتقيات، والأنشطة فى مختلف المجالات الإجتماعيّة، والثقافية، والفنية،والعلمية والتاريخية وسواها.وتشارك الأمم المتحدة المرأة كذلك فى الإحتفال بهذا اليوم، والتي جعلت بلداناً عديدة تقرّره يومَ عيدٍ وطني. حيث تسارع النّسوة فى جميع القارات للإحتفال بيومهنّ العالمي على الرّغم من الحدود الوطنية ،والفروق العِرقية، واللغوية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، التي تفصل بينهنّ، حيث يعملن على استعراض تاريخ النضال المرير الذي خاضته المرأة بدون هوادة من أجل تحقيق المساواة والعدل، والسلام، والتنمية على امتداد عقود عديدة خلت من الزّمن.
مغزى عيد المرأة العالمي
يوم المرأة العالمي هو في الواقع تتويج لقضيّة المرأة المناضلة صانعة التاريخ، وتعود هذه القضية فى أصلها إلى نضال المرأة على امتداد القرون من أجل المشاركة في المجتمع على قدم المساواة مع الرّجل. ويخبرنا التاريخ أنه فى اليونان القديمة قادت ” ليستراتا ” إضراباً موسّعاً عن الجنس ضدّ الرّجال من أجل وضع حدٍّ للصّراعات والمواجهات وإنهاء الحروب؛ ومن النساء الشّهيرات فى التراث العربي اللّائي تجاوزن الرّجالَ حكمةً وفطنةً، وذكاءً ودهاءً، نذكر منهنّ على سبيل المثال وليس الحصر : شهرزاد (منقذة بنات جنسها)، وزرقاء اليمامة، وكليوباترة، والخنساء، وصاحبة ابن زيدون ولاّدة بنت المستكفي وشجرة الدرّ، وزنوبيا، والستّ الحرّة حاكمة تطوان، وفاطمة الفِهرية مؤسِّسة أقدم جامعة فى العالم وهي جامعة القروييّن بفاس وسواها وهنّ كثير. وكما هو معروف هناك العديد من النساء فى الغرب اللاّئي أدركنَ مراتبَ عليا من الشّهرة، والذيوع فى مختلف المجالات ، وفى خضمّ الثورة الفرنسية، نظمت النساء الباريسيّات تجمعات كبرى للدّعوة لـتحقيق المزيد من “الحرية والمساواة، والأخوّة” حيث نظّمنَ مسيرات إلى قصر فرساي للمطالبة بحقّ المرأة في الاقتراع. وظهرت فكرة يوم المرأة العالمي لأوّل مرّة في أواخر القرن التاسع عشر، ومستهلّ القرن العشرين حيث واكب نضال المرأة خلال هاتين الحقبتين تطوّر صناعي موسّع، واضطرابات، وقلاقل ،حيث عرف المجتمع نموّاً ديموغرافياً كبيراً، وظهرت أيدلوجيات راديكالية جديدة.
وعلى إثر الإضرابات والإحتجاجات النسائية التي حدثت في الثامن من مارس من عام 1908 حيث تظاهرت الآلاف من العاملات اللائي كنّ يشتغلن في مصانع النسيج في مدينة نيويورك ، بسبب الظروف الصّعبة غيرالإنسانيّة التي كنّ يعملن فيها، وللمطالبة بمنح النساء حقّ الاقتراع، وخفض ساعات العمل الطويلة، ووقف تشغيل الأطفال، وقد أطلقن على حملتهن الاحتجاجية اسم “خبز وورود” حيثُ حملن قطعاً من الخبز اليابس، وباقات من الورود خلال هذه التظاهرات. كما كانت للحركات العمالية البروليتارية في بداية القرن العشرين تأثيراتها فى بداية التفكير فى الإحتفال بهذا اليوم للتعريف بإنجازات المرأة فى المجالات السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية وسواها، إلاّ أنّ بعض الباحثين يرجّح أنّ الاحتفال بهذه المناسبة جاء غداة المؤتمر الأوّل للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي المُنعقد في باريس عام 1945.
بداية تحرّر المرأة
الباحث الرّوماني” أوجِينْ وِيبَرْ” المعروف بدراساته عن التاريخ الفرنسي على وجه الخصوص . كَتَبَ يقول إنّ “شارل بيغوي” يَرَى أنّ العالمَ قد تغيّر في الحقبة الزّمانية المحصورة بين القرنين المنصرمين ، أكثر من الفترة الزمانية الممتدّة من ولادة السيّد المسيح حتى عصرنا الحاضر. هذا الحُكم قد يبدو مُبَالَغاً فيه ، إلاّ أنّ “أوجين ويبر” يبرّر ذلك بكلّ بساطة عندما يذكر لنا أنّه في الحقبتيْن الموالييْن لنهاية القرن، كان صاحبُ هذا القول شاهداً على كثيرمن التغيّرات،والتطوّرات التي طرأت على مختلف وسائل الحياة، والأنشطة، والتقنيات، التى كانت تميّز،أوتطبع بشكل واضح مظاهر الحياة اليوميّة فى ذلك الأوان، ففى ذلك العصر ظهرت السّينما، والسيّارة، والعديد من المُخترعات الأخرى، وأمكن إستغلال وقت الفراغ بشكل جيّد ، الحركة، الأخبار، الرّياضة، الأنشطة المُبتكرة، وسواها من مظاهر الحياة اليومية الأخرى، كلّ ذلك كانت لهجذور،وأصول، وتأثيرات مباشرة وفعّالة على التغيير الجذري الذي عرفه عالمُنا المعاصر كذلك اليوم في هذه المجالات برمّتها، وفي سواها من مظاهر ومرافق الحياة. حاول “أوجين ويبر” التعريف بما أسماه : “روح العصر ” والإرادة الوطنية فى تجديد الإيمان في العِرْق، أو الجِنس، أو العُنصر الفرنسى إزاء الخطر الألماني الدّاهم ( رجالاً ونساء). بل إنّ هناك علامات، وأمارات، ومميّزات أخرى متعدّدة لبداية تخطّى أو تجاوز كلّ ما لم يكن ممكناً تخطّيه أو تجاوزه من قبل، ومن هنا طفقت تبرز بإلحاح مطالب تحرير المرأة، وإشراكها بشكلٍ فعّال فى النهضة الجديدة التي بدأت تعرفها المجتمعات العصرية في مختلف المجالات.
تعرّض “أوجين ويبر” للتغيير الهائل الذى عرفته المرأة في خضمّ هذه التطوّرات التي بدأت تطرأ على المجتمع الجديد، حيث كانت القوانين الغربية في ذلك الوقت تعتبر المرأة مخلوقاً ناقصاً، وفي هذه الفترة مثلاً تمّت الموافقة لأوّل مرّة بأن تكون المرأة صالحةً لأداء الشّهادة في المحاكم ،وبدأت تظهر بالتالي إرهاصات لبداية تحرّرها وانفتاحها على المجتمع،وفكّ بعض القيود عنها فيه. ولابدّ أنّ القارئ يعرفُ جيّداً أنّ مجتمعاتٍ أخرى تُنْعَتُ بالمتأخّرة، وغير المتمدينة لم تضع المرأةَ في هذا الموضع من السّخرية والإزدراء !.
ويُخبرنا الكاتب أنه في هذه الحقبة أيضاً أمكن للمرأة لأوّل مرّة أن تفتح حساباً مصرفيّاً خاصّاً بها ، وأن تحصل على رسائل جامعية عليا مثل الدكتوراه . وفي (1900) فقط سُمِح للمرأة لأوّل مرّة كذلك في فرنسا الإلتحاق بكلية الحقوق كباقى زملائها الرجال، ويقول الكاتب إنه مع التغيير الذي طرأ على وضعية المرأة ، ومع الإعتبار الجديد الذي أصبح يُمْنَح لها وَقعَ أو طرأ تغيير كبير على “الموضة” (أي طرائق، وأساليب، وتقاليع، ومبتكرات، وتفنّن لبس المرأة، وزينتها، وتطريتها)، حيث أصبح رداء المرأة بسيطاً يخلو من التعقيدات الهجينة، والأنسجة الفضفاضة المبالغ فيها، والبَهْرَجة المتوارثة التى كان يفرضها عليها العصر، وتقيّدها بها التقاليد.
وعلى الرّغم من التقدّم الهائل الذي أحرزته المرأة فى مختلف المجالات في عصرنا الحاضر، فإنها ما زالت – مع ذلك- فى نظر البعض تلك ” الإلزَا تريوليه” مُلهِمة الكاتب الفرنسي المعروف “لويس أراغون”، ذات العيون السّاحرة التي يتوق إليها كلّ شاعر، أو أديب، أو فنّان،أو مبدع ليستلهمَ من سحرها،وحدّة ذكائها، وروع دهائها، ورقّة دلالها وطلاوة عذوبتها، وتواتر عذاباتها، موضوعاتٍ آسرةً لشِعْره، وفِكْره، وفنِّه، وأدبِه،وإبداعاتِه. ومثلما كانت المرأة – فى عُرْفهم – مَصدرَ إلهام ووحيٍ وإبداع لدى الكثيرين، فقد شطّ الخيالُ لدى بعض المفكرين الآخرين بالمقابل فى وصفها وصفاً مُجْحِفاً، – حتى وإن كان فى مستوى ” فردريك نيتشه ” – حيث قال عنها ذاتَ مرّةٍ مُستهتراً ،هازئاً،مُزدرياً، ظالماً ، متجنّياً ، متعالياً، ومُبَالِغاً :” إنّها راحةُ الجندي بعد المعركة”.. !
المرأة مدرسة
والمرأة- فى عُرف آخرين – مازالت ذلك المخلوق القويّ، الضعيف الذي هو فى حاجة دائماً إلى كلمات الإطراء، والإعجاب، والإبهار، وأيضا إلى التصفيق .. والتصفيق الحادّ غير المُنقطع . وقد عِيبَ على أمير الشعراء أحمد شوقي كونه وضع المرأةَ هو الآخر في تلك الخانة الضّيقة التي تظلّ فيها ومعها توّاقةً إلى الثناء، شغوفةً بالإنبهار،إذ قال فيها أو عنها :
خدعوها بقولهم حَسناءُ / والغواني يَغرّهنّ الثناءُ..
نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ / فكلامٌ فمَوْعِدٌ فلقاءُ.. !
ولم يتوانَ شاعر النّيل حافظ إبراهيم هو الآخر ليقدّم بدوره نصحَه ، بالمقابل، ووِجهةَ نظره في المرأة، وبشكل خاص في أمّهات، وبنات، وصبايا أرض الكنانة قائلاً :
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها / أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
لَيسَت نِساؤُكُمُ أَثاثاً يُقتَنى / في الدّورِ بَينَ مَخادِعٍ وَطِباقِ
رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها / في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وِثاقِ.
ويقول الشاعر أبو عبادة البحتري في قصيدته المشهورة “البِرْكَة ” :
ما بالُ دجلةَ كالغيرَى تُنافسُها / فى الحُسْن طوراً وأحياناً تُباهيها !
فما كان له أن يقول أنّ دجلة تغار، وتنافس،وتُباري ” بِرْكَة المتوكّل” فى الحُسن والبهاء، لولا أنّ صورة المرأة كانت حاضرةً فى مخيّلته، وماثلةً نصبَ عينيْه ،ذلك أنّ أبا عبادة يعرف جيّداً أنّ المرأة تغار وتخشى، وتترقّب ، وتنظر، وتنتظر، وتتلهّف، وتتوق إلى كلمات الإطراء، وتنزع إلى الإغراء، وتميل إلى التحلّي بالجمال، والرقّة، والكمال، وهي فى ذلك تسعى لتتفوّق وتبذّ رفيقاتها، وأخواتها، ونظيراتها من بنات جنسها جمالاً، وبهاءً، وذكاءً، ودهاءً، وجاذبيةً، وفِطنة.
بين نيتشه وفاغنر
وإذا عدنا إلى الفيلسوف فردريك نيتشة لوجدنا أنه كان يقاسمُ مُعاصرَه الموسيقارالشّهير رتتشارد فاغنر حبّ الغادة الإيطالية لُوسَالُومِي ذات الحُسْن الباهر، والجمال الظاهر، فالأوّل كان يمثّل بالنسبة لها الصّرامةَ،والشّهامة، والجديّة (الفلسفة والعقل أو الفكرالخالص )، وكان الثاني يمثل العاطفةَ المتأجّجة، والرقّة والعذوبة، والخيال المُجنّح( الموسيقى والقلب أو العاطفة) وبعد حيرة وقلق وتردّد بين هاذين العبقريين مالَ، وإزورّ قلبُ الفتاة الحسناء أخيراً إلى ريشارد فاغنر فأحبّته دون نيتشة، فشَعَر هذا الأخير بغيرة شديدة، وحنق، ونكد، وضنك،ومضض، وألم، وامتعاض، فكان من فرط غيظه وغضبه يصعد إلى غرفة صغيرة منزوية توجد فى سطح منزله ويحزّ أصابعَه بسكّين حادّ حتّى تُدْمىَ أناملُه ، وبعد ذلك، عندما حاق به اليأس، وأخذ منه الإحباط كلّ مأخذ فى الظفر بحبّ وقلب معشوقته لوسالومي، قال معلّقاً على هذا الحدث الذي أثّر فى حياته تأثيراً بليغاً قولتَه الشّهيرة التي ما فتئ العشّاقُ، والمُحبّون، والمتيّمون الذين لم يظفروا بقلب معشوقاتهم يردّدونها إلى اليوم، قال ساخراً متهكّماً ،مُزدرياً، مُنتقصاً من قيمة الموسيقار فَاغْنر : لقد حلّق طائرٌ فى سماءِ حبّي، واختطفَ الملاكَ الذي أحببت، ولكنّ عزائي الوحيد أنّ هذا الطائر لم يكن نِسْراً..!
وراء كلّ عظيم إمرأة !
ويرى كثيرون أنه ما من نجاح، أو فلاح، أو تطوّرأو تغيّر، أو قفزة، أو طفرة إيجابية فى تاريخ البشرية، وفي مسار الناس والحياة، والبشر إلاّ وكان للمرأة دخل أو يد فيها،ولولا ذلك لما قال “نابليون” قولته الشهيرة في المرأة.. (وراء كلّ عظيم إمرأة ).. ! ولما قال هو كذلك فى نفس السّياق : (إنّ التي تهزّ المهدَ بيسارها، تحرّك العالمَ بيمينها ) ! ولولا ذلك للمرّة الثالثة، لما قال” باسكال” عن كليوباترة: ( لو كان أنفها مستقيماً لتغيّر وجه التاريخ ).. ! وحمداً الله لأنّ أنفها من حسن الحظّ كان مُحْدودباً، نوعاً مّا، ولم يكن مستقيماً، ولذلك لم يتغيّر وجهُ التاريخ ..!.
وبكلّ تأكيد ليس منّا أو فينا من يشكّ أنّ المرأة الفاضلة هي أمّ قبل كلّ شئ .هي أمّ لكلّ الرّجال..هي التي أرضعتْه، ورعتْه،وفطمتْه، وربّتْه ودللته، حتى شبّ عن الطّوق..وحتى أعطته الطاقةَ، والقدرةَ والقوّةَ على أن يرفع أصبعَه ويشير إليها قائلا : إنّك إمرأة.. ولا أحد يشكّ كذلك أنّ عظمة الرجل إنّما تأتيه عن طريق المرأة وهي نصفُ الرجل الآخر الذي لا يستغني عنه أبداً، وهو دائم الحنين إليها، ولا يزال يركض وراءها ، ولا أحد يشكّ – للمرّة الثالثة – أنّ المرأة هي التّربة الطيّبة التي تنبت فلذات الأكباد الذين من أجلهم نحيا، ثم هي في الأخير كما يقول الكاتب الإيرلاندي الساخر جورج برنارد شُو هي التي تجيدُ صنعَ ذلك الحَساء اللذيذ الذي تقدّمه لنا ممنونةً كلّ مساء لننسى به أتعابَ اليوم ، وضنكَه، ونكدَه، وهمومَه..! الجميع يعرف هذا جيّداً، ولكن فى الوقت ذاته مع ذلك هناك مَنْ ما فتئ يتطاول، ويتحامل دون رويّة على هذه المرأة وينتقصُ من قدْرها، إلاّ أنّ الحقيقةَ التي لا مراء فيها هي أنّ كل إمرأة أيّاً كانت، لا شكّ أنّها جديرة، وقمينةٌ وحَرِيّةٌ، وأهْلٌ بكلّ تقدير وإحترام، وإعجاب وإكبار.
مباريات الجمال..!
بعد المعارك الضارية التي خاضتها المرأة عن جدارة واستحقاق بحثاً عن ذاتها، ونفسها وعزّتها،وكرامتها، وشخصيتها ،ومساواتها وحقوقها المشروعة، قرّرت منذ زمن غير قريب أن تخرج بهذه المعارك الطاحنة من حيّزها الضيّق إلى مجال أوسع، وفضاء أرحب فى مختلف أرجاء المعمور ..عندئذٍ خلقت لنفسها أحقاداً، وأعداء ومتوجّسين، ومناهضين لها فى كلّ مكان.وإستخفافاً بها، واستهتاراً بأنوثتها، وانتقاصاً من ألمعيتها نصُبوا لها الكمائنَ، وفرشوا لها المكائدَ، فأوجدوا ما يسرّ الأغلبية السّاحقة ، ويغضب الأقلية القليلة.. بتنظيم ما يُسمّى بمباريات ملكات جمال العالم ! .
وأيُّ خداعٍ يكتنف هذه الكلمة، ذلك أنّه ليس من اليُسْر والسّهولة أن يُعرِّفَ الإنسانُ الجمالَ !. فقد حار فى تعريفه حتى كبار الفلاسفة، والمفكّرين، والأدباء على مرّ العصور، وتعاقب الدهور. ونصب هؤلاء المنظّمون على المنصّة شرذمة من السّكارى والصعاليك لتقول: إنّ الجمالَ هو طولُ القِوام، وهيَافةُ الخَصْر، وبروزُ النّهدين، وتناسقُ الأرداف، ورشاقةُ السّيقان، ولمعانُ الشّعر وإنسداله وإنسيابه.. ! ، والتعرّف على عواصم فرنسا، وبريطانيا، واليابان..! بالإضافة إلى مقاييس، ومعايير أخرى لا تمتّ بصلة إلى مكانة المرأة الحقيقية، وقيمتها وجوهرها، وكنهها، ومنزلتها، ودورها الريّادي، ومهمّتها الأساسية الشّريفة التي لا محيد لنا أبداً عنها في تكوين الأسرة، والإسهام فى بناء المجتمع حيث تعتبر المرأة نصفه، في تربية النشء، واستمرارية الحياة .
والفائزة منهنّ فى تلك المسابقات المخزية تُتَوَّجُ بتاج من الذّهب الخالص الإبريز المرصّع بالماس والزمرّد، ويوشّح صدرُها بقلادة غالباً ما تكون مطرّزة بالماس أيضاً.وعلاوةً عمّا تقدّم يوهب لها مبلغ كبير من المال نظير جمالها.. !، ناهيك عن الشّهرة الواسعة التي تنتظر الفائزة المحظوظة من إبرام لعقود الدّعاية والماركيتنغ والإشهار، ولو كانت ذات حظ أوفر، ونصيب أكبر لأقتيدت إلى إوستوديوهات هوليود، أو بوليود ،أو إلى مختلف مدن صُنْع الفنّ السابع لِتَمْثُلَ وتُمَثِّل أمام مشاهير النجوم !!.
(النص الكامل سننشره لاحقا بموقع الجريدة)
* كاتب من المغرب ، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.