شكل «المسرح وأسئلة البيئة» موضوع ندوة احتضنتها مدينة وجدة مساء السبت 17 ماي 2025، في إطار النسخة الحادية عشر من قافلة المسرح المدرسي التي تنظمها جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية ASTICUDE بدعم من وكالة تنمية أقاليم جهة الشرق.
وفي كلمة افتتاحية، أبرز نائب رئيس الجمعية عبد الرزاق العمري، بأن تظاهرة قافلة المسرح المدرسي انطلقت من مدينة الناظور منذ 10 سنوات، وتندرج ضمن مجهودات الجمعية الرامية إلى ترسيخ القيم البيئية في الوسط المدرسي، وتشجيع الإبداع المسرحي لدى الناشئة عبر مقاربة تجمع بين الفن والتوعية، وذلك إيمانا منها بأن المسرح ليس فقط أداة فنية، بل وسيلة تربوية قوية قادرة على زرع بذور الوعي البيئي، وإشراك التلميذات والتلاميذ في التفكير في مستقبلهم البيئي والمناخي.
وذكر عبد الرزاق العمري بأن سؤال البيئة أصبح الآن محاطا في جميع التخصصات وجميع الثقافات، بل أن بعض الدول، بما في ذلك المغرب، تسعى لجعل البيئة مادة أساسية في التكوينات الثقافية والتكوينات الأكاديمية، «لأنه لا يعقل، ونحن نعيش أزمة المناخ وأزمة البيئة، ألا تكون هذه التيمة حاضرة في مقرراتنا وفي برامجنا الثقافية» يقول المتحدث.
وتحدث في كلمته عن «الثقافة الخضراء» أو «الثقافة البيئية» وعن «الصالات الخضراء» في أوربا، مؤكدا على أن تأخذ البيئة مكانها في التجربة المسرحية المغربية «لأنها توفر اليوم التربة الدرامية لكي يكون المسرح درامي بامتياز».
أما ممثل وكالة تنمية أقاليم جهة الشرق عبد المجيد رابح، فنوه في كلمة بالمناسبة بموضوع الندوة مبرزا بأنها تمثل واحدة من أبرز محطات الفعل الثقافي والفني في جهة الشرق، خاصة وأنها تأتي ضمن فعاليات القافلة الحادية عشر للمسرح المدرسي التي تنظمها جمعية ثسغناس «لتفتح أمامنا نقاشا غنيا حول كيفية توظيف الفن المسرحي في معالجة القضايا البيئية الأكثر إلحاحا في عصرنا الراهن». مبرزا بأن المسرح لم يعد مجرد مجال للتسلية والترفيه، «بل أصبح منصة هامة لتناول قضايا البيئة والمناخ، حيث يعكس بشكل مباشر أو غير مباشر حالة كوكبنا ومستقبل أجيالنا القادمة»، مؤكدا على أن الاهتمام بالمسرح البيئي «الإيكولوجي» «ليس ترفا فنيا، بل ضرورة تنموية تساهم في رفع الوعي لدى الأفراد والمجتمعات حول سبل الحفاظ على البيئة».
وتحدث عن دعم وكالة تنمية أقاليم جهة الشرق لمثل هذه الفعاليات وسعيها إلى التأكيد على أهمية الفنون في معالجة القضايا الاجتماعية والتنموية، بما في ذلك قضية البيئة «التي أصبحت تحتل مكانة محورية في سياستنا التنموية المستدامة»، مشيرا إلى حرص الوكالة، منذ تأسيسها، على دعم وتشجيع المشاريع الثقافية والفنية في مختلف أقاليم الجهة، «وذلك إيمانا منها بأن الثقافة والفن يمثلان ركيزتين أساسيتين في بناء مجتمع متوازن ومستدام».
وتحت عنوان «المسرح ودوره في تعزيز الوعي البيئي»، قدم الأستاذ بكلية الآداب بوجدة المنظر المسرحي محمد نوالي مداخلة استهلها بنشأة المسرح وعدم تمكنه من لعب دوره الأساسي داخل المجتمع لكون المؤسسات لم تتبنى خطة لتطويره. وتحدث عن المسرح والبيئة مشيرا إلى أن «البيئة هي الوجه الصامت في المسرح» إذ لا تناقش في هذا الأخير مقارنة مع الأحداث الكبرى السياسية، الاجتماعية، الفكرية…
وأكد المتدخل بأن مقاربة موضوع المسرح والبيئة، لا يمكن إلا في إطار منظومة ثقافية ومنظومة فكرية متكاملة ومنظومة سياسية «تقوم على شكل من أشكال المقاومة، وليس أن نحول المسرح إلى وعظ وإرشاد وإلى طرح قضايا»، مضيفا بأن البيئة هي قضية سياسية أولا، قضية إرادة، قضية أخلاق وقضية إنسان وهي قضايا لم تعد تناقش في المسرح بشكل جدي «لأن أشكال التسلية زاحمت المسرح»، مؤكدا على أن البيئة هي إحدى العناصر الأساسية التي يجب على المسرح أن يناقشها، وقبل ذلك لابد من وجود إرادة سياسية وإرادة ثقافية وإرادة فكرية تجعل من المسرح حقيقة ثقافية وحقيقة وجودية داخل المجتمع…
وعن «المسرح المدرسي وأهميته في التحسيس بالبيئة»، قدم الإطار بوزارة الثقافة والممثل المسرحي خالد مريمي، مداخلة قدم فيها نبذة عن المسرح المدرسي وأهميته التربوية التعليمية والترفيهية، وأهدافه الرامية إلى تنمية الجانب الإبداعي لدى التلاميذ وتنمية قدراتهم على التعبير والإلقاء والمواجهة، وتبسيط القضايا الكبرى التي تحتاج إلى معالجة مثل البيئة، كي تصبح جزء من تفكيره وجزء من قناعاته، مضيفا بأن المسرح المدرسي يعتبر أداة فعالة للتحسيس بهذه القضايا من خلال تقديم عروض مسرحية تتناول مواضيع تطرح التحديات التي تهدد البيئة وكيفية التصدي لها.
وخلصت ندوة «المسرح وأسئلة البيئة» إلى مجموعة من التوصيات قدمها رئيس قسم الشؤون الثقافية في المديرية الجهوية للثقافة بوجدة ميمون راكب، أهمها إدماج المسرح كمادة أساسية في أحد الأسلاك التعليمية، تهيئة قاعات العرض في المؤسسات التعليمية وتوفير شروط الاشتغال في المسرح المدرسي، إعداد كتاب في مسرح الطفل متخصصين في طرح القضايا الكبرى وتبسيطها بأسلوب مرن، سلس، مقنع ومحفز، مع تشجيع الجمعيات التي تشتغل على مسرح الطفل ودعمها من المجالس المنتخبة.
هذا، واختتمت فعاليات قافلة المسرح المدرسي التي حملت في نسختها 11 شعار «دور الثقافة في التوعية برهانات البيئة عبر المسرح»، مساء الأحد 18 ماي 2025، بأمسية فنية متنوعة الفقرات احتضنها مسرح محمد السادس بوجدة، وعرفت عرض الأعمال المسرحية المشاركة في مسابقة القافلة قدمها تلميذات وتلاميذ مؤسسات ثانوية تأهيلية بجهة الشرق تنتمي إلى المديريات الإقليمية لكل من الناظور، وجدة وتاوريرت ويتعلق الأمر بـ»شريان الحياة» الثانوية التأهيلية عبد الكريم الخطابي بالناظور، «عروس المطر» الثانوية التأهيلية المرينيين بتاوريرت، «صرخة من الطبيعة» الثانوية التأهيلية عبد الله العروي بوجدة، ثم «نخلة السعد» الثانوية التأهيلية الجديدة بالناظور، وهي عروض أبدعت التلميذات والتلاميذ في تقديمها حيث لامسوا مواضيع بيئية وإيكولوجية في قالب درامي حمل رسائل هادفة إلى بناء وعي بيئي جماعي وترسيخ قيم المواطنة الإيكولوجية.
واحتلت مسرحية «عروس المطر» لتلميذات وتلاميذ الثانوية التأهيلية المرينيين بتاوريرت المرتبة الأولى في المسابقة، التي تكونت لجنة تحكيمها من الفنانة المسرحية عمارة حجرية والفنانة صفية الجباري والمؤلف والمخرج المسرحي الحسن مختاري، واحتلت مسرحيتا «نخلة السعد» و»شريان الحياة» من مديرية الناظور المرتبتين الثانية والثالثة فيما احتلت مسرحية «صرخة الطبيعة» لمديرية وجدة المرتبة الرابعة.
قافلة المسرح المدرسي لجمعية ثسغناس تختتم بوجدة بندوة حول البيئة وتتويج الفرق المشاركة

الكاتب : سميرة البوشاوني
بتاريخ : 24/05/2025