صادق مجلس النواب، خلال جلسة تشريعية عقدها يوم الاثنين 08 دجنبر، بالأغلبية، على مشروع القانون رقم 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، وبينما أكد الوزير الوصي على القطاع أن هذا القانون الجديد جاء ليوحد الإطار القانوني للتعليم المدرسي ويضبط التعليم الخصوصي، معتبرا أنه يسعى إلى إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تؤهل الرأسمال البشري وترتكز على المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة من جهة أخرى،
إضافة إلى تحيين وتطوير الإطار التشريعي المتعلق بالإلزامية في التعليم الأساسي والتعليم الأولي والتعليم المدرسي الخصوصي، انسجاما مع المستجدات التي جاء بها القانون الإطار 51-17، وما يقتضيه من تدابير تشريعية وتنظيمية لتحقيق أهداف إصلاح منظومة التربية والتكوين، مبرزا أنه تم إعداد هذا المشروع، وفق مقاربة تشاركية، مع استحضار المرجعيات المؤطرة لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والمتمثلة أساسا في دستور المملكة، والخطب والرسائل الملكية السامية الداعية إلى إصلاح المنظومة التربوية، فضلا عن الاختيارات الكبرى للرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 ، غير أن القراءة المتأنية لهذا القانون الذي نال موافقة 90 نائبا ومعارضة 38 آخرين، تكشف الفجوة العميقة بين ما ينص عليه وما تعيشه الأطر الإدارية والتربوية داخل المدرسة العمومية وعلى رأسهم الأساتذة.
لقد كان من أبرز الملاحظات في القانون 59.21، التي أثارت القلق داخل الوسط التعليمي تغييبه
شبه التام للأستاذ باعتباره حجر زاوية أي إصلاح تربوي.
فنص القانون الجديد الذي تؤكد الحكومة أنه خطوة تأسيسية لإصلاح المدرسة المغربية يتحدث بشكل كبير عن التلميذ، وإلزامية التعليم، وعن المؤسسة التعليمية ، كما أنه لم يغفل الحديث عن الحكامة، لكنه لا يشير بشكل واف أو بإسهاب إلى ما تعرفه الوضعية المهنية والاجتماعية للأطر التربوية .
هذا الغياب شبه التام يمس جوهر المطالب التي يرفعها الأساتذة في الوقت الحالي والمتعلقة بالترقية والاستقرار الوظيفي، والإنصاف المهني، وعلى رأسها ملف “الزنزانة 11” والأثر الرجعي للترقي.
ويطرح المهتمون بالشأن التربوي ببلادنا سؤالا جوهريا : كيف لقانون يفترض فيه أن يؤطر إصلاح المدرسة ببلادنا ان يغيب أو يتجاهل الأستاذ، أي العنصر البشري الذي يعتبر المحرك الرئيسي لهذا الإصلاح ؟
مطالب الأساتذة التي يرفعونها من خلال احتجاجاتهم ووقفاتهم أمام وزارة التربية الوطنية تعكس هذه المطبات التي سقط فيها القانون الجديد، فهذا النص يتحدث عن «تحسين الجودة « و»نجاعة الأداء» لكنه يتجاهل ظروف العمل داخل الأقسام والاكتظاظ و التفاوتات في البنية التحتية بين المجالين الحضري والقروي ناهيك عن غياب التحفيز المهني.
هذا بالإضافة إلى اعتماده على صيغ فضفاضة داخل نصوصه وإحالة عدد من مواده على نصوص تنظيمية لا حقة مما يثير مخاوف مهنية مشروعة ، فالأساتذة الذين يصطدمون بصخرة التأجيلات في ملفاتهم الاجتماعية يعتبرون أن هذا الغموض هو طريق جديد نحو إفراغ هذا الإصلاح من محتواه.
في ذات السياق، المصادقة على القانون 59.21
تزامنت مع ما تعرفه مؤسسات الريادة من ترويج مكثف من قبل الوزارة الوصية وهو ما زاد من منسوب التوتر داخل القطاع، فهذا القانون لا يحدد بوضوح مكانة هذه المؤسسات داخل المنظومة التعليمية بل لا يقدم الضمانات التي تمنع تحولها إلى نموذج انتقائي داخل المدرسة العمومية، وهو ما زاد من مخاوف رجال ونساء التعليم من بروز مدرستين عموميتين، الأولى ريادية مع ما توفره لها الوزارة من دعم كبير وموارد، والثانية تقليدية مهمشة مما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص في مقتل، وهو المبدأ الذي ينص عليه القانون الجديد.
نقطة أخرى أثارت حفيظة المهتمين بالشأن التربوي، فرغم أن هذا القانون نص على مراقبة التعليم الخصوصي وضبطه، إلا أنه لم يحدد آليات زجر واضحة ولم يحسم في مسألة الرسوم المدرسية وهو ما يزيد من تكريس الإحساس بعدم العدالة لدى الأسر من جهة ولدى الأطر التربوية والتعليمية من جهة أخرى.
على ضوء كل ذلك يرى فاعلون تربويون أن إصلاحا يغيب الإشراك الفعلي للأطر التربوية وعدم ربط جودة التعليم بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، يظل إصلاحا سطحيا ومنفصلا عن نبض المدرسة المغربية وعما يعيشه الأستاذ ومن خلاله باقي الأطر التعليمية من تهميش وعدم إنصاف، مما سيزيد من منسوب الغضب داخل المدرسة المغربية، ويجعل من القانون 59.21، في صيغته الحالية، عاملا محتملا في تعميق الاحتقان داخل المنظومة، بدل أن يكون مدخلا حقيقيا لإصلاحها.

