قانون المنخرط يحتاج إلى التجديد والمراجعة

فشل في المغرب ونجح بامتياز في دول أخرى

 

هي الحقيقة التي لا خلاف حولها، قانون المنخرط في منظومة كرة القدم المغربية أضحى متجاوزا وفشل في الأهداف التي سطرت لحظة وضعه.
فشل في المغرب،إذ لم يتجاوز عدد منخرطي كل الأندية في كرة القدم المغربية منذ 1995 السنة التي انطلقت خلالها كرة القدم المغربية في اعتماده، الألفين تقريبا،فيما فاق الملايين في بلدان أخرى منها بلدان قريبة منا.
في المغرب،أكبر عدد من المنخرطين يعود للوداد وللرجاء البيضاويين، ويوصفان بقاطرة الكرة المغربية، ولا يصل العدد فيهما معا 300 منخرطا ينقص أو يزيد ببضع عشرات تقريبا،في الأهلي المصري مثلا يفوق العدد أزيد من 350 ألف منخرط، وكل عضوية أي كل ملف انخراط مسموح لصاحبه بتسجيل خمسة من أفراد أسرته، مقابل مليون جنيه مصري أي ما يعادل أو يناهز نصف مليون درهم مع تعامل مالي خاص وتخفيض مهم لحاملي الشهادات العليا.
في المغرب، تتراوح السومة المالية من أجل الانخراط بين 2500 و20 ألف درهم.
انطلق الاعتماد على قانون الانخراط في المغرب في 1995،في بلدان أخرى،بريطانيا ومصر مثلا، يعود التاريخ لما قبل 1906.
كل هذه المعطيات تفرض طرح أسئلة عديدة، كيف أولا سقطت منظومة الكرة المغربية في امتحان اعتماد قانون الانخراط؟ لماذا لم يتم تحيينه وتجديده منذ 1995؟ لماذا نصدم بضعف عدد المنخرطين وعدم إقبال الجماهير على التسجيل في لوائح الانخراط؟ وقبل ذلك،ماهو دور المنخرط داخل النادي وما هي وظيفته؟ وهل يمكن للشركة الرياضية أن تكون الحل الأمثل لتعويض مؤسسة المنخرط؟
طرحنا هذه الأسئلة على مجموعة من المنخرطين في أندية في البطولة الاحترافية بقسميها الأول والثاني، وكانت الردود مختلفة،فمن يرى أن قانون الانخراط جاء فقط ليدعم «شرعية» الرئيس وأعضاء المكتب المسير للنادي،ومن قائل أن الأندية نفسها لا تقدم ما يمكن أن يغري المشجع على الانخراط وسحب بطاقة المنخرط،إذ يفتقر النادي أولا لأي شكل من أشكال الحضور «الديمقراطي» حيث المفروض أن تمنح للمنخرط كل المساحة والفرصة للتعبير عن آرائه وتقديم مقترحات، وحيث يجد هذا المنخرط مرافق مناسبة داخل النادي كما يحدث في أندية أوربية وعربية إذا يقدم النادي فضاءات للترفيه والتسلية والتثقيف وممارسة الرياضة، فيما يرى البعض الآخر أن القانون المنظم حصر دور المنخرط فيه في حضور الجموع العامة والتصويت وصلاحيات أخرى نادرا ما يتم تفعيها لتبقى مجرد سطور من حبر تغيب فعاليتها في الجموع العامة.
ويستغرب العديدون كيف لأندية تمتلك قاعدة جماهيرية واسعة جدا تتجاوز الملايين من الأنصار والمحبين، فيما تنحصر مؤسسة المنخرط فيها في عدد لا يصل في أحسن الأحوال 180 منخرطا فقط؟
هل يعود السبب في ارتفاع سومة الانخراط التي تصل عند بعض الأندية إلى ما قيمته 20 ألف درهم علما أن الفئة الأوسع من الجمهور تفتقد للقدرة الشرائية وتعيش وضعا اجتماعيا جد محدود؟ مع أن هناك عدد كبير من الأندية لا يتجاوز مبلغ الانخراط فيها 2500 درهم، بل هناك أندية يبادر فيها الرئيس،لأسباب مختلفة،تحمل تكاليف الانخراط ويؤدي من ماله لفائدة تسجيل عدد من الأشخاص.
أم هل هي القيود التي فرضها القانون والشروط المفروض التقيد بها للانخراط، كفرض تزكية عضوين في المكتب المسير في قبول طلب الانخراط لكل راغب في ذلك، إذ تشهد عدة حالات كيف يتم إغلاق أبواب الانخراط أمام غير المرغوب فيهم من لدن بعض مسؤولي الفرق، ولعل أبرز حالة حدثت قريبا ووصل صداها إلى القضاء، هي حالة فريق الاتحاد البيضاوي «الطاس» الذي تأكد أن رئيسه المحكوم بالتوقيف لمدة سنة من طرف الجامعة، أعطى تعليماته بإحكام إغلاق أبواب الانخراط ولم يسمح بتجاوز العدد المسجل حاليا وهو 12 منخرط جميعهم يوجدون في قائمة المكتب المسير للفريق.
في نادي الرجاء أيضا،لا يتجاوز عدد المنخرطين 183 منخرطا، يمثلون قاعدة جماهيرية تتعدى الملايين من المشجعين يتوزعون بين الدارالبيضاء وعبر المدن المغربية وخارج المغرب، وكانت عدة أصوات طالبت بتخفيض ثمن الانخراط في النادي البيضاوي والذي يتحدد في مليوني سنتيم للانخراط داخل الفريق، لكن الطلب تم رفضه ولم يتم قبول العمل به خلال الجمع العام لسنة 2021 والذي كان قد ناقش الموضوع وقرر الاحتفاظ بنفس المبلغ والإبقاء عليه.
وبالإضافة إلى مبلغ مليوني سنتيم، كانت إدارة الرجاء قد طالبت المنخرطين الجدد بضرورة إضافة سجل عدلي أو بطاقة السوابق حديثة التاريخ إلى ملفاتهم، حيث تتم دراسة ملفاتهم، قبل عرضها في جمع عام عادي موالي، لتزكية المصادقة عليها بأثر رجعي، انطلاقا من تاريخ الانخراط الفعلي.
وكانت مجموعة من الأصوات الرجاوية قد طالبت برفع عدد المنخرطين وتوسيع قاعدة الانخراط في الرجاء وذلك عبر تخفيض ثمن الانخراط مقترحة أن يتم الأمرعبر ثلاث مراحل، تنطلق من 2500 درهم و10 آلاف درهم و20 ألف درهم، لكن عددا من الرجاويين اعتبروا الأمر مجازفة بمصير النادي، مؤكدين أنه مازال الوقت مبكرا لتنفيذ هذا المشروع.
في الوداد الرياضي، وحسب ما كان أعلنه الفريق قبل سنتين،يصل العدد ل 196 مخرطا، لكن العدد تقلص مؤخرا بل إن عددا كبيرا من المنخرطين لم يبادروا إلى تجديد انخراطهم، وذلك ما كان أكده رئيس الفريق في أحد تصريحاته لمحطة إذاعية،حيث أكد أن عدد المنخرطين في النادي قد تراجع بل إن عددا كبيرا من المنخرطين لم يقوموا بأداء ما عليهم من واجبات تجاه الفريق بخصوص واجبات الانخراط.
وسبق للوداد أن حاول إيجاد صيغة للانخراط تتناسب وتطلعات جمهور النادي إلا أنه لم يكن موفقا في ذلك،كما أوضح أحد مسيريه في تصريح إعلامي سابق: « نادي الوداد الرياضي هو نادي الأمة لكن من الواجب أن نحافظ على طابعه النخبوي الذي طبع مستوى مسييريه وجمهوره منذ التأسيس».
في 2021 مثلا، ارتفع عدد طلبات الانخراط في فريق الوداد، ووصل العدد إلى 450 طلب ، وتأكد فيما بعد أن أكثر من نصف عدد تلك الطلبات تم رفضه من إدارة الفريق.في هذا الصدد،صرح مسير من داخل مكتب الوداد في تلك السنة:» على مستوى الكم وصلنا إلى عدد تاريخي في نسبة المنخرطين داخل نادي كرة القدم في المغرب رغم غياب ثقافة الانخراط ، كما كان حضور النساء ملاحظا جدا مقارنة مع ما نراه داخل كرة القدم الوطنية بصفة عامة. أما على مستوى الكيف فكانت المسطرة الأبسط وطنيا، وكانت اللجنة تتعامل مع الطلبات بمرونة لم يسبق لها نظير…فريق الوداد الرياضي استطاع أن يؤسس لجيل جديد من الانخراط بالنوادي الرياضية بالمغرب، ويبدع بذلك طفرة داخل هذا المجال الذي كان فيه الكثير من مناطق الظل».
في فريق شباب المحمدية وقبل أن يلتحق بقسم الصفوة والبطولة الاحترافية الأولى،كان عدد منخرطيه وهو يمارس في قسم الهواة أزيد من 100 منخرط، تراجع العدد هذا الموسم حيث أصبح لا يتجاوز الستين فقط.
أحد المنخرطين في الفريق الفضالي أوضح في شريط مصور نشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي: «مؤسسة المنخرط في فريق شباب المحمدية لا تتحرك وهي راكدة وتعاني من الجمود، وهذا أمر طبيعي وعادي في مؤسسة ينال فيها المنخرط بطاقة الانخراط والعضوية مجانا وغالبية المنخرطين يؤدى عنهم واجب الانخراط.. في الجموع العامة للفريق،يحضر المنخرط في السنوات الأخيرة،ليصفق دون أن يبادر إلى التدخل للمناقشة والنقد أو تقديم أي مقترح».
ويرى منخرط في أحد أندية القسم الثاني من البطولة الاحترافية أن عدد من رؤساء الأندية حولوا قانون الانخراط إلى صالحهم، وجعلوا من مؤسسة المنخرط درعا يحميهم من انتقادات الجمهور وجسرا يمررون به قراراتهم،إذ بعد كان المنخرط يشكل أهم سلطة داخل الجمع العام لأندية كرة القدم، بما يمتلكه من حق في المناقشة والتصويت على التقريرين الأدبي والمالي، وبما منحه المشرع من صلاحيات عديدة داخل مؤسسة النادي، فقد نجح المسيرون في تبخيس أدواره والحد من كل صلاحياته.
ويضيف منخرط آخر بأن قانون سنة 1995، جاء غامضا ومفتوحا على مختلف القراءات، قد حدد شروط الانخراط والصلاحيات المخولة للمنخرط، وفي نفس الوقت لم يحسم هذا القانون في طبيعة المنخرط وكيف تكون وظيفته. وتعتبر أبرز مهام ووظائف المنخرط حسب رأي أحد المتتبعين، مهمة مساءلة المكتب المسير على البرامج والمخططات التي ينوي تطبيقها وليس فقط التصويت على القانونين المالي والأدبي وانتخاب الرئيس والمكتب المسير.
هناك سؤال بدأ يفرض نفسه بقوة مؤخرا،هل يمكن للشركة الرياضية أن تعوض مؤسسة المنخرط داخل الأندية المغربية؟
يقول الدكتور منصف اليازغي الباحث في السياسات الرياضية: «هناك فصل بين الجمعية الرياضية التي تبقى قائمة الذات والتي يسري عليها مرسوم 95 المنظم لعملية الانخراط،والشركة المنظمة في إطار قانون التربية البدنية المادة 15،الشركة لها مساهمين،قسم المحاسبة،تدير ممتلكات الجمعية في إطار تعاقد بينهما، والحالة هاته،لايمكن الحديث عن تعويض الشركة لمؤسسة المنخرط،فالأمر مختلف».
متتبع آخر يقترح أن يتم تشكيل مكتب أو مجلس للمنخرطين داخل مؤسسة المنخرط، من أجل تسهيل التواصل، وعقد الاجتماعات،خصوصا إذا كان النادي يتوفر على عدد كبير من المنخرطين،ويتحدد دور هذا المجلس المنتخب من طرف المنخرطين في أن ينوب عن باقي المنخرطين في التدخل لدى الرئيس والمكتب المسير في مختلف الحالات التي يواجه فيها الفريق أزمة أو صعوبة في أداء مهامه، كما يمكن لهذا المجلس أن ينوب عن المنخرطين في مناقشة كافة التقارير ومعرفة الخطوط العريضة لعمل المكتب وهذا يسهل المهمة أثناء الجمع العام.


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 27/05/2023