نعيد نشر الحوار/ السيرة التي سبق نشرها في فبراير 2010.
قضى الحبيب الشرقاوي ستين سنة من العمل الوطني والسياسي، منذ أن انخرط في حزب الاستقلال سنة 1950 وكان قد مضى عليه 18 سنة. وكان طبيعيا أن يلتحق بمدرسة الوطنية لأن والده رحمه لله كان أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، كما كان رحمه لله صديقا لكبار القادة الاستقلاليين وواحدا منهم .. الحبيب الشرقاوي، الذي يعرف الكثير من المناضلين أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، والرجل الامين والمتكتم، يفتح قلبه للاتحاد الاشتراكي ليرحل بنا عبر ذكرياته منذ ايام الشهيد المهدي الى مغرب الناس هذا، مرورا بسنوات الجمر وبالمعتقلات وبالاسرار السياسية … وبقضايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
– هل تذكر بعض المقترحين الاتحاديين للإستوزار؟
– من بين المرشحين كان عبد الواحد الراضي، أحمد الحليمي، أحمد الحاكمي، محمد بنسعيد .. والأخ عبد الرحيم بوعبيد هو من اقترحهم. لكن محاولة تكوين هذه الحكومة فشلت.
– هل وجدت مقاومة قوية من طرف محمد أوفقير؟
– فعلا.
وفي خضم تلك المفاوضات رفعت الكتلة الوطنية مذكرة حول الدستور.. رفعت الكتلة الوطنية المذكرة. لكن وجود أوفقير ودوره كانا سببين في إفشال كل ذلك إلى غاية انقلاب غشت 1972.
– ألم ينتابك والمناضلون شعور أن التوتر السياسي سيؤدي لا محالة إلى انفجار الوضع؟
– بالنسبة لي لم يكن لدي هذا الإحساس.
– متى وأين تلقيت خبر انقلاب يوليوز 1971؟
– يومه، كنت بشاطئ هرورة، وكانت معي ابنتي التي شعرت بالعطش، فتوجهنا إلى مقهى مجاور لشراء مشروبات. وفي الطريق قصدني شخص غريب، عَرّفني بنفسه أنه مفتش شرطة، وهو من أخبرني بحدوث الانقلاب، واقترح علي أن أعود وابنتي للمنزل بالرباط. هناك بدأت أتابع الأخبار بواسطة المذياع.
– وكيف تلقى الرباطيون الخبر؟
– هناك من تلقاه بفرح كبير، أتذكر صاحب ذلك المقهى الذي نزع صورة الملك وأخذ يوزع المشروبات مجانا على الناس. طبعا تم اعتقاله بعد ذلك. والملاحظة الواجب ذكرها أن بعد إعلان الانقلاب لم تخرج أية مظاهرة للشارع، لا لتأييد الملك الحسن الثاني ولا لتأييد الانقلابيين، واكتفى بعض الناس بالفرح في بيوتهم.
– بالنسبة لانقلاب غشت 1972، هل كنت على علم بعلاقة بعض الاتحاديين بأمقران متزعم الانقلاب؟
– كنت من بين الذين يعلمون أن الفقيه البصري كان على اتصال بأمقران، كذلك كنت أعرف أن الأخ آيت قدور تربطه علاقة صداقة بأمقران الذي كان من بين الذين حضروا حفل عقيقة طفل آيت قدور لما كان مديرا لميناء القنيطرة.
– أثناء المفاوضات مع الكتلة الوطنية وبعد فشل المحاولة الانقلابية الأولى، هل لمست أن الملك الراحل كان جادا في دعوته في تكوين حكومة وطنية؟
– لم ألمس ذلك بدليل أنه وجه تهديدا لقيادات الأحزاب في إحدى خطبه. لكنه تغير كثيرا بعد المحاولة الانقلابية الثانية.
– وكيف كان الجو السائد داخل قيادة الحزب أثناء المفاوضات؟
– لم يكن هناك تفاهم بين أعضاء القيادة. وأعتقد أن موقف المحجوب بن صديق، ومنذ 1960، كان سببا رئيسا في الأوضاع التي عرفها الحزب وعرفتها البلاد.
– مناسبة المفاوضات كانت آخر محطة تجمع بين القيادة النقابية والقيادة السياسية، تبعتها مباشرة إعلان قرارات 30 يوليوز1972..
– بالفعل حضرت ذلك الاجتماع الذي عقد بمنزل الأخ ادريس بن بركة الكائن بحي المحيط بالرباط. وفيه كان قرار الحاضرين بضرورة الخروج من تلك الوضعية الحزبية الشاذة، أي الخروج من الازدواجية التنظيمية.
– وهل كان هناك إجماع حول ضرورة الابتعاد عن الاتحاد المغربي للشغل؟
– كان هناك إجماع، بل وأقول أن إصرار بعض المناضلين على ذلك هو الذي دفع القيادة أن تنحو ذلك المنحى وأن يُحسم القرار في ذلك الاتجاه.
– وماذا عن دور الشهيد عمر بنجلون رحمه لله؟
– لعب الشهيد عمر دورا هاما في ذلك الاجتماع، كما لعب دورا رياديا في الإعداد للمؤتمر الاستثنائي الذي انعقد في يناير1975، وهو من تولى إعداد التقرير المذهبي للحزب بمعية الأخ أحمد لحليمي. ذلك المؤتمر هو الذي وضع حدا لغموض كبير.
قياديون يقومون بعمل هنا، وآخرون يقومون بعمل هناك، البعض متجه للعمل السياسي والآخرون متجهون للعمل المسلح.. وبذلك كان انعقاد المؤتمر الاستثنائي محطة أساسية لوقف ذلك الغموض.
– ذكرياتك الشخصية عن عمر بنجلون؟
– كان الشهيد عمر مندفعا ومتحمسا جدا بداية نشاطه الحزبي. لكن بعد اعتقالات 1973 وجدت عمر بنجلون آخر. لقد تأثر بما رآه وعايشه وسمعه في فترة الاعتقال وفي المحاكمات.
– يشار إلى أن الشهيد عمر تلقى هو أيضا طردا ملغوما نجا منه بأعجوبة.
– للحقيقة فقد كان الأخ عمر بنجلون مناضلا صلبا، أعتبره شخصيا تلميذا، بل نموذجا للمهدي بن بركة رحمهما لله، خصوصا في كل ما يتعلق بشؤون وقضايا التنظيم الحزبي.
– في ذلك المؤتمر أصبح اسم الحزب: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..
– نعم تم تغيير اسم الحزب. بالمناسبة، وبسبب القمع، لم يتمكن العديد من ممثلي الأقاليم حضور المؤتمر، مثل أكادير وورزازات .. شارك الأخ اليوسفي في المؤتمر بكلمة صوتية، وكان المؤتمر مؤتمرا ناجحا، خرج بخط سياسي واضح، وانبثقت عنه قيادة حزبية، وتشكلت اللجنة الإدارية الوطنية من 28 عضوا فقط، أذكر من بينهم عبد الواحد الراضي، فتح الله ولعلو، محمد الناصري…، وكان أيضا الأخ أحمد بنقليلو ومحمد المكناسي من بين الممثلين للمقاومة في تلك اللجنة. ولأول مرة أصبحتُ عضوا في اللجنة الادارية، بعدما تدرجت من عضوية مكتب الفرع والكتابة الاقليمية بالرباط لأكثر من 16 سنة. وبعد 30 سنة سأنتخب عضوا في المكتب السياسي سنة 1989 خلافا لما يجري في هذه الأيام، حيث تجد في المكتب السياسي أعضاء لم يلتحقوا بالحزب إلا البارحة.
– وهل ضمت القيادة أسماء من المناضلين الموجودين بالمنافي؟
– كل أعضاء القيادة من المناضلين من داخل الوطن، وتقرر أن يكون الأخ عبد الرحمان اليوسفي الممثل الدائم للحزب في الخارج.
– ردا على قرارات المؤتمر الاستثنائي أنشأ الفقيه البصري تنظيم الاختيار الثوري سنة 1976؟
– بالفعل تأسس الاختيار الثوري، وكان ضمن قيادته المرحوم عبد الفتاح سباطة، إبراهيم أوشلح وآخرون. وشن هذا التنظيم حملة قذف وتشهير في حق المناضلين في القيادة، عبر الكتيبات التي كانت تصدر عنه. لكن سرعان ما توقفت حملته تلك إلى أن اندثر.
– هل صادف وأن حضرت نقاشا بين عمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد؟
– لو كنت عضوا في المكتب السياسي لصارحتك بما كان يدور فيه.
– فأعضاء المكتب السياسي إلى جانب الأخ عبد الرحيم هم: عبد اللطيف بنجلون، عمر بنجلون، محمد الحبابي، محمد منصور، محمد اليازغي ومحمد عابد الجابري، والتحق بهم الأخ الحبيب الفرقاني بعد خروجه من السجن سنة 1976 .
– نعم كانت مناقشات جدية وكانت أيضا خلافات، لكنها كانت خلافات بسيطة.
– خروج الحزب من المؤتمر بخط سياسي واضح لم يمنع من ظهور اختلاف حول المشاركة وعدم المشاركة في الانتخابات ومن جديد؟
– حسم المؤتمر موقفه السياسي وقرر الانخراط في مسلسل النضال الديمقراطي.
وبعد انتخابات 76 و1977 ظهرت مشاكل جديدة، منها التنافس حول الترشيح وعلى تحمل المسؤولية في المؤسسات المنتخبة، لكن ليس بالحدة التي سيعرفها الحزب بعد ذلك.
– بعد المؤتمر الثالث سنة 1978 وإنشاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بدأت فترة المواجهة بين الاتحاد الاشتراكي والملك الراحل، بدءا من المناظرة الوطنية حول التعليم، وبمناسبة استفتاء 1980 لتمديد ولاية مجلس النواب سنتين إضافيتين، ثم جاء الإضراب العام في 20 يونيو 1981 ومُنعت جريدتا «المحرر» و«ليبراسيون»، وصولا إلى بيان المكتب السياسي حول قرارات نيروبي القاضية بإجراء الاستفتاء في الصحراء المؤرخ بـ5 شتنبر….وتنفيذ قرار الانسحاب من البرلمان في أكتوبر من نفس السنة…
– بالفعل كانت التوتر بين الحزب والملك قد بلغ أعلى درجاته في تلك الفترة. أذكر أنني زرت الأخ عبد الرحيم بمنزله بأكدال قصد تسليمه بعض الوثائق. طلب مني الجلوس وأطلعني على مسودة بيان المكتب السياسي في موضوع الاستفتاء. قرأت نص البيان وقلت له سوف يتم اعتقالك. استغرب من كلامي فأكدت له قولي مرة أخرى. ناولته الوثائق وودعته منصرفا. في طريقي لمدينة المحمدية، حيث أمضيت الليلة هناك عرجت على الأخ اليازغي الذي كان يقضي بعض الأيام على الشاطئ. استفسرني إن كنت قد اطلعت على نص البيان، قلت، قرأته عند السي عبد الرحيم وسوف يعتقلونكم. لكنه استبعد الأمر. في صباح اليوم الموالي عدت إلى المنزل بالرباط فوجدت الأخ عبد القادر باينة في انتظاري وأخبرني باعتقال الأخ عبد الرحيم بوعبيد ليلا. قررت التوجه مباشرة إلى مقر الحزب. ولعلمي أن هاتف المقر مراقب من طرف البوليس عدلت عن الذهاب. وأرسلت من يخبر الأخ عبد الوهاب ملين أنني قادم لبيته حتى أتمكن من الاتصال بالمناضلين في الأقاليم . بعد نصف ساعة أرسل لي الأخ ملين ابنه ليخبرني أن منزله مطوق بعناصر الأمن وأن البحث جار للعثور علي. فورا توجهت إلى منزل ابن عمي ومن بيته اتصلت، بواسطة الهاتف، بأكبر عدد من المناضلين لإخبارهم بالاعتقال وببيان المكتب السياسي، كما اتصلت بزوجة الأخ محمد اليازغي، علما أن البوليس كان يبحث عنه وعن الأخ محمد الحبابي. في ما بعد سلما نفسيهما للنيابة العامة. في نفس اليوم وعلى الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا طرق البوليس باب منزل ابن عمي، وأخذونا معا إلى مركز الشرطة. وضعوا ابن عمي جانبا في أحد الممرات. وبدأت عملية استنطاقي.
اعترفت لهم – حماية للإخوة العاملين في إدارة الحزب – أنني استنسخت نص البيان وأنني وزعته على وكالات الأنباء وعلى السفارات. سألني المحقق: وهل قمت بكل هذه الأعمال وحدك؟ قلت نعم وحدي. ثم سألني عن مكان تواجد الأخ اليازغي، أجبته أنني لا أعلم. فقال مستغربا اتصلتَ هاتفيا بزوجته ولا تعرف مكان تواجده، قلت له حتى زوجته لا تعرف أين يوجد. دام الاستنطاق حوالي أربع ساعات ونصف الساعة، لكن بدون عنف وكنت محاطا بسبعة مفتشين. وأطلقوا سراحي فجرا. بعد ذلك كنت أداوم يوميا بالمقر. ولم أجد المساعدة إلا من ثلاثة إخوان هم رشيد العوفير، رحمه الله، وإدريس لشكر ومحمد فرتات. وقد كلفتهم بالكتابة على الجدران، ليلا، شعارات ضد النظام، وأخرى تطالب بإطلاق سراح الأخ عبد الرحيم بوعبيد، وذلك حسب التوزيع التالي: رشيد العوفير بالمدينة وإدريس لشكر باليوسفية ومحمد فرتات بيعقوب المنصور. وعدا هؤلاء الثلاثة لم يكن أحد يفد على المقر، بمن فيهم أعضاء اللجنة الادارية ربما خوفا من سيارة الأمن التي كانت مركونة أمام المقر. ثم جاء قرار الانسحاب من البرلمان في اكتوبر1981. بعض الإخوة النواب أصابهم الخوف بعد الاستماع لخطاب الملك الحسن الثاني رحمه في البرلمان. وللتاريخ فقد كان الأخ عبد الواحد الراضي وحده من استعد للاعتقال. إذ هيئت له زوجته حقيبة بها ملابس وأدوية ووضعتها قرب الباب. لم يعتقل النواب المنسحبون ووضعوا تحت الحراسة وفي أماكن تواجدهم، وحرموا من استعمال الهاتف ومن زيارة ذويهم. مع ذلك تمكنت والأخ اليوسفي من زيارتهم. وبمنزل الأخ الراضي عقدنا نحن الإثنين اجتماعا مع بعض النواب الذين كانوا متواجدين بالمنزل حين فرضت عليهم الحراسة. حاول الأخ اليوسفي رفع معنوياتهم ودام الاجتماع أكثر من 7 ساعات متواصلة. بعد ثلاث سنوات شارك الحزب في الانتخابات التشريعية سنة 1984، وفاز جميع أعضاء المكتب السياسي الذين ترشحوا، وبدون استثناء.
– نُقل الأخ بوعبيد صحبة رفيقيه إلى ميسور، وبعد انسحاب النواب الاتحاديين من البرلمان كانت هناك شائعات تروج عن مفاوضات بين بعض النواب والقصر الملكي. ما صحتها؟
– بعد اعتقال الإخوة أعضاء المكتب السياسي ومحاكمتهم ونقلهم إلى مدينة ميسور، تم أول اتصال بهم عبر الإخوة المحامين محمد الصديقي، خالد السفياني ومحمد بوزبع رحمه لله، الذين بلغونا عن رد الفعل الأول للأخ عبد الرحيم بعد الانسحاب من البرلمان يقضي بطرد جميع النواب من الحزب. كنت مع الأخ اليوسفي نسهر على تسيير الحزب ولما اطلعنا قرار الأخ عبد الرحيم رفضنا أن نساند مثل ذلك القرار في ذلك الوقت العصيب واتفقنا أن لا نتخذ أي إجراء في حق هؤلاء النواب. بعد ذلك انصرف اهتمامي لتنظيم زيارة عائلات الإخوة المعتقلين لمدينة ميسور، حيث كنا نُوفر السيارات ونبحث عن سائقين لها. في إحدى الزيارات رافقت الأخت سعدة زوجة الأخ اليازغي، وعلى مشارف المدينة وجدنا دورية للأمن فأخذوا بطاقة هويتي ومنعوني نهائيا من دخول المدينة. من جهة أخرى، سافر الأخ اليوسفي إلى فرنسا واتصل بي ذات صباح ليخبرني أن السيد سنغنيتي، الشخصية الفرنسية المعروفة بدفاعها عن حقوق الإنسان، سيقوم بزيارة للمغرب. وطلب مني الاتصال بخمسة من أعضاء اللجنة الإدارية لاستقبال هذا الحقوقي الكبير بالمطار. اتصلت ببعض الإخوة فرفضوا الذهاب إلى المطار. زارني ذلك الصباح الأخ رشيد بلافريج بمنزلي بأكدال، وضعته في الصورة واقترحت عليه مرافقتي، فلم يتردد وعبر عن استعداده للقيام بذلك. في طريقنا نحو المطار عرجت على منزل الأخ العربي عجول. وجدته وحيدا مع ابنته وكانت في أول سنوات عمرها. اقترحت عليه مرافقتنا. كان عليه أن يجد من يتكلف بابنته، وأمام إلحاحي التحق بنا وتوجهنا صوب المطار الذي وصلناه. وجدنا الأخ عبد الواحد الراضي ووجدنا كذلك بداخل البهو عدد كبير من رجال الد.س. تي. استقبلنا السيد سنغينتي وأقام بفندق شالة بالرباط ليمضي الليلة، بعد لقاء قصير له، معي ومع الأخ الراضي، ضربنا موعدا للقاء آخر لتناول وجبة الفطور في الصباح الموالي. في الرابعة صباحا، تم إيقاظ السيد سنغينتي من نومه، ونقله البوليس على وجه السرعة إلى المطار، حيث وضع في أول طائرة متوجهة نحو باريس. بعد ذلك سيتم اعتقال الأخ العربي عجول، وتمحور الاستنطاق حولي وعما قلته له أثناء توجهنا للمطار وأثناء العودة منه. وأفرج عنه بعد ذلك. أخبرت الأخ عبد الرحمان اليوسفي بما جرى في حينه. ثم سأحكي له التفاصيل لما رجع للمغرب حين توفت والدته رحمها لله. وبالنسبة للمفاوضات بين بعض النواب والقصر الملكي بعد انسحاب النواب في اكتوبر1981. افتتح الملك الراحل الدورة التي انتقد بشدة الاتحاد الاشتراكي. ووصلني أن إدريس البصري كان يتابع الخطاب بمنزله بمعية البشير الفكيكي. التفت الوزير إلى الفكيكي وسأله من سينسحب من النواب الاتحاديين ومن سيبقى. أجابه الفكيكي الكل سيبقى إلا اثنان محمد منصور ومحمد اليازغي.
– تعرض نائب من العرائش لضغط من عامل الاقليم دفعه لبعث برقية يتراجع فيها عن الانسحاب.
– ومن جهة أخرى اجتمع بعض النواب بأحد مساعدي إدريس البصري، وكما قلت لما علم الأخ عبد الرحيم بوعبيد بذلك أرسل لنا مقترح قرار مضمونه طرد جميع النواب من الحزب. وغالب الظن أنه كان قرارا عفويا. اكتفينا فقط بإصدار قرار داخلي في حق أخوين، قرار اتخذه أعضاء اللجنة الادارية المقيمون بالرباط، وكان قرار للردع فقط. وتم تجاوز المشكل، بعد ذلك، حينما اقترح الكاتب الأول الأخ فتح لله ولعلو لرئاسة الفريق الاتحادي بالبرلمان عقب انتخابات 1984 .
– ماذا وقع سنة 1983؟
– سنة 1980 انتقل المقر المركزي للحزب لزنقة واد سوس بأكدال. كان لبعض الإخوة وجهة نظر حول عمل الحزب في الواجهة البرلمانية والجماعية، أذكر منهم العربي الشتوكي، عبد الرحان بنعمرو، أحمد بنجلون واليزيد البركة .. وعقب صدور قرار الطرد في حق الأخ عبد الحق الغزالي الذي كان ينشط في الشبيبة الاتحادية، احتج رفاقه على ذلك القرار. وفي صبيحة يوم اجتماع اللجنة المركزية المصادف لـ8ماي 1983، تجمهر حوالي 80 من المحتجين قبالة المقر، منهم بعض الشبان كانوا يحملون العصي. وصلت إلى باب المقر ولم يمنعني أي أحد من الدخول. بل وتبادلت السلام مع الأخوين بنعمرو والشتوكي. وجدت الأخ اليوسفي داخل المقر واقترحت عليه أن لا يُمنع أي عضو اللجنة المركزية من المحتجين من الدخول. فطلب مني التريث إلى حين قدوم الأخ الكاتب الأول. في هذه الأثناء تطورت الأمور خارج المقر، ومُنع عدد من أعضاء اللجنة المركزية من الالتحاق بالاجتماع. ثم تدخل رجال الأمن بقيادة عامل الإقليم المرحوم عمر بنشمسي والكومسير لمزايتي، فوقعت المواجهة بين الطرفين وبعدها اعتقل من اعتقل وهرب من هرب. بعض الإخوة سامحهم لله نسبوا إلى أنني كنت وراء حضور رجال الأمن، ربما كان يعتقدون أننا في بلد كالسويد. فوجود حوالي 80 شخصا متجمهرين في الشارع كان ولابد أن يستدعي تدخلا من رجال الأمن. في النهاية عقدت اللجنة المركزية اجتماعها المقرر لها، وأصدرت قرارات الطرد في حق مجموعة من أعضائها الذين كانوا ضمن المحتجين. بعد ذلك استدعيت لمركز الشرطة واستقبلني العميد رمزي وأحالني على مكتب المدير الإقليمي للأمن لمزايتي، الذي طلب مني أن أرفع دعوى قضائية ضد المجموعة التي احتجت. رفضت وقلت له لم يهاجم أحد منهم مقر الحزب. أما أمن الشارع فهي مسئولية الأمن وحده ولا دخل لنا بها. وأمام إلحاحه قلت له ما يمكن فعله هو الإدلاء بشهادتي فقط . حررت الشهادة ووقعتها وانصرفت. بدأت محاكمات المعتقلين، واستدعيت للمحكمة كشاهد. وأدليت أمام هيئة المحكمة بشهادة كانت في صالح الإخوة المعتقلين، حيث نفيت أن يكون من بينهم من كان يحمل العصي أو من كان يمنع أعضاء اللجنة المركزية من دخول المقر.
ومع ذلك صدرت أحكام سجن قاسية وصلت إلى ثلاث سنوات. طبعا تألمت لصدور تلك الأحكام سيما وأن الإخوة بنعمرو والشتوكي وأحمد بنجلون أصدقائي. بعد خروجهم من السجن أسسوا حزب الطليعة وقادوا حملة على قيادة الحزب وعلي شخصيا، حيث وصفوني ب«مداوم المكتب السياسي». وانقطع الاتصال بيني وبينهم. وهكذا فقد الحزب للأسف العديد من مناضليه مرة أخرى.
– ألم يكن ممكنا تطويق هوة الخلاف، وهل كانت هنا مساع؟
– كانت محاولات، لكن الأمور تطورت بسرعة. ويوم الاجتماع توصلت من الأخ عابد الجابري برسالة الاستقالة من المكتب السياسي. وللحقيقة لم يكن لا عبد الرحيم بوعبيد ولا عبد الرحمان اليوسفي متحمسين لاتخاذ قرار الطرد.
– كتب الأخ محمد عابد الجابري في مذكراته أنه عرض مساعيه لرأب الصدع، لكنه لم يجد حماسا من لدن الكاتب الأول.
– صحيح قام الاخ عابد الجابري بعدة محاولات لرأب الصدع، لكن، مع الاسف، لم يكتب لها النجاح.
– هل الخلافات كانت اتحادية أم كانت تحركها أيادي خفية؟
– لا أظن ذلك. كل ما عرفته في تلك الظروف، أن عددا من الإخوة كان يطالبون بعدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية علما أن البعض منهم كانوا منتخبين وأعضاء في عدة مجالس بلدية.
– بعد مرور الوقت هل التقيت ببعض الإخوة الذين أسسوا حزب الطليعة؟
– التقيت عدة مرات بالإخوة بنعمرو وأحمد بنجلون شفاه لله والعربي الشتوكي رحمه لله.
– وهل لمست عندهم نوعا من الندم عما وقع؟
– لا أبدا. بالعكس فهم مقتنعون أن الطرف الآخر هو المخطئ.
– ماذا عن ظروف التحضير للمؤتمر الرابع للحزب سنة 1984؟
– قبل المؤتمر كلفني الأخ عبد الرحيم تنظيم حفل شاي بدار مارسا على شرف بعض الصحفيين وبعض السفراء المعتمدين في الرباط. وفي هذا اللقاء أعلن الأخ الكاتب الأول عن انطلاق عمل جريدة «الاتحاد الاشتراكي» وقدم الأخ محمد البريني مديرا للجريدة، كان ذلك سنة 1983. أما عن المؤتمر الرابع فقد تم التحضيرله في ظروف عادية، وبدون مشاكل تذكر. لكن الأخ عبد الرحيم اقترح في اليوم الثالث من المؤتمر تشكيل كتابة وطنية تساعد المكتب السياسي في تحضير اجتماعات اللجنة الادارية. قوبل الاقتراح بالرفض التام أثناء المؤتمر. عاود الأخ الكاتب الأول طرح الفكرة بعد المؤتمر واقترح عدة أسماء لعضوية الكتابة الوطنية. وفعلا أنشأت الكتابة الوطنية التي ضمت كل من الراضي، محمد جسوس، ولعلو، عبد ربه، مالك الجداوي، خيرات، منشد، عبد القادر باينة، العربي عجول، حسن الصبار وآخرين. اشتغلت الكتابة بعض الوقت ثم توقفت اجتماعاتها.
– لو سمحت ننتقل إلى محطة أخرى: المؤتمر الخامس للحزب..
– بالفعل عقد المؤتمر الخامس سنة1989 وقد سبقه تحضير في جو من الحماس. فوجئنا مع بداية الجلسات الأولى ببعض المشاكل منها مثلا رفض الأخ نوبير الأموي أن يكون الأخ القرشاوي مصطفي، رحمه لله، عضوا في لجنة الترشيحات. كنت عضوا في تلك اللجنة وأعلنت عن احتجاجي بالإنسحاب منها. عدت للجنة تحت إلحاح السي عبد الرحيم، بينما غادر الأخ مصطفى القرشاوي قاعة المؤتمر.
تولى الأخ الحبيب الفرقاني رئاسة لجنة الترشيحات وأصبح الأخ نوبير الأموي مقرر اللجنة، وكان النقاش حادا داخلها. رغم ذلك استطعنا أن نفرز لجنة مركزية في المستوى المطلوب. بل وأعتبرها أحسن لجنة مركزية عرفها الحزب عبر تاريخه، ظهر ذلك جليا فيما بعد في المستوى العالي للنقاش الذي طبع اجتماعاتها. أتذكر أنه في بداية عمل لجنة الترشيحات اقترح الأخ الأموي على الأعضاء أن يمدوه كتابة بأسماء من يقترحونهم لعضوية اللجنة المركزية، وكباقي الأعضاء، وبحسن نية، ناولته ورقة تحمل أسماء من اقتراحي. لكن أفاجأ كون الأخ الأموي يأخذ الكلمة في الجلسة العامة ويخبر المؤتمرين أن الحبيب الشرقاوي أراد أن يمرر لائحة أسماء أعدت سلفا. كما لازلت أتذكر تلك الحملة الكبيرة التي استهدفت الأخ مولاي المهدي العلوي، فدافعت عنه داخل لجنة الترشيحات في مواجهة مباشرة مع الأخ الأموي، وأكدت أن الاخ العلوي أصبح ممثلا دائما للمغرب في الأمم المتحدة تبعا لقرار من الحزب، وهو الذي كلفه بتلك المهمة.
– ما الذي وقع بعد انسحاب الأخ عبد الرحيم بوعبيد من المؤتمر؟
– عاد الأخ عبد الرحيم إلى منزله وكان رحمه لله متأثرا بما وقع داخل جلسات المؤتمر. لذلك قررعدم العودة لمتابعة أشغال المؤتمر. فتوجه إلى منزله بعض الإخوة واستطاعوا إقناعه بالعدول عن قراره. وبعودة السي عبد الرحيم تغير مجرى المؤتمر واتخذ اتجاها آخر. وقد صادق المؤتمرون بالاجماع على أن يتحمل الأخ بوعبيد مسؤولية الكاتب الأول للمرة الرابعة على التوالي.
بعد أسبوعين من انتهاء أشغال المؤتمر، اجتمعت اللجنة المركزية لانتخاب أعضاء المكتب السياسي. اقترح الأخ الكاتب الأول 19 إسما، ليتم اختيار 12 منهم لعضوية المكتب السياسي. جرى التصويت. وترأس الأخ لكبير البزاوي لجنة للفرز اشتغلت منذ الصباح وانتهت عملية الفرز في حدود الواحدة ليلا . بعد ذلك أعلن ألاخ البزاوي عن تشكيلة المكتب السياسي الجديد. هكذا انتخبت عضوا في هذا المكتب إلى جانب الإخوة: عبد الواحد الراضي، محمد الحبابي، محمد اليازغي، محمد جسوس، نوبير الأموي، عبد المجيد بوزبع، عبد الرحمان اليوسفي، فتح لله ولعلو، محمد منصور شفاه لله والمرحومان مصطفى القرشاوي والحبيب الفرقاني.
– ظروف عودة الفقيه البصري سنة 1995؟
– عكسا لما قيل، كل أعضاء المكتب السياسي كانوا على اتفاق بشأن التحضيرات لاستقبال الفقيه البصري، باستثناء الأخ مصطفى القرشاوي الذي قاطع اجتماعات المكتب السياسي بسبب موقفه من الفقيه البصري. بدأ التحضير لاستقبال الأخ محمد البصري برئاسة الأخ اليوسفي، الذي كان يريد ان يكون الاستقبال استقبالا متميزا. كانت الاجتماعات تتم بمنزل الأخ اليوسفي بالدار البيضاء. ليلة عودة الفقيه البصري للمغرب، عبر الأخ محمد اليازغي عن رغبته بعدم الذهاب إلى المطار. زرته ليلا ونبهته إلى أن عدم ذهابه سيكون خطأ سياسيا. ثم قلت له، لن يكون الفقيه البصري قادرا على القيام بأي عمل ،فمغرب 90 ليس هو مغرب 60 أو 70 أو80. في نهاية اللقاء عبر لي عن اقتناعه برأيي وقرر الذهاب إلى المطار.
– صف لنا الاستقبال، وماذا دار بينك وبين الفقيه في اللقاءات الأولى؟
– يوم رجوع الفقيه، حضرت جموع كثيرة لاستقباله وتحيته. بعد ذلك تقاطرت وفود عديدة للسلام عليه في منزله بمدينة الدار البيضاء.
– مرت أربعة أيام على عودته، ونظم الفقيه لقاء/عشاء، حضرته بمعية بعض الأخوة أحمد بنقليلو، محمد بنحمو ، القائد البشير وعبد لله الشرقاوي . في ذلك العشاء طلبت من الفقيه البصري أن يعود للحزب ويساعد الأخ اليوسفي.
– طبعا لم أتلق جوابا بعد ذلك علمت انه بدأ يتصل بأعضاء في الشبيبة الاتحادية وبمناضلين في بعض الأقاليم. وأعتقد انه أوقف تلك الاتصالات لما اكتشف أن أمورا كثيرة تغيرت، وأنه أمام مغرب آخر، لا المغرب الذي عرفه في الستينات من القرن الماضي.
– عودة الفقيه فجرت عدة خلافات داخل الحزب وخصوصا داخل الجريدة. أذكر مثلا الافتتاحية التي صدرت يوم العودة بعنوان: «لا سلفية في الاتحاد.» هل خلفت هذه الافتتاحية ردود فعل داخل المكتب السياسي؟
– بطبيعة الحال. لكنها فجرت الأوضاع خاصة داخل الجريدة. اذكر أنني زرت مقر الجريدة قبل التوجه إلى المطار لإستقبال الأخ محمد البصري، فلم أجد من طاقم الجريدة سوى الأخوين عبد لله بوهلال ومحمد نبزر. سألت ماذا وقع؟ قال الأخ بوهلال انه طرح نفس السؤال، وأخبرني بمغادرة الأخ البريني لمقر الجريدة . بعد ذلك بدأت حملة شرسة وظالمة في حق الأخ محمد البريني الذي لم تكن له أي يد فيما جاء في تلك الافتتاحية. فالأخ محمد البريني بفضل عمله الدؤوب ومهنيته الصحفية، وصلت الجريدة إلى مستوى جيد سواء من الناحية الصحفية أو من ناحية المبيعات. الأمر الذي جعلني اقترح على الأخوة في المكتب السياسي إعادة الاعتبار للأخ محمد البريني. أكرر مرة أخرى أن الرجل ظلم كثيرا ولا يستحق أبدا ما وقع له.
– إذن هناك من كان يطالب برأس الأخ البريني ؟
– بالفعل بدأ الصراع حول إدارة الجريدة.
– ما هو وضع البريني بعدما تولى الأخ اليوسفي إدارة جريدة الاتحاد الاشتراكي؟
– في احد اجتماعات المكتب السياسي بالدار البيضاء، اخبرنا الأخ اليوسفي أن الأخ محمد البريني يعتزم إصدار جريدة يومية. لم يعترض الأخوان اليوسفي واليازغي على إصدار الأخ محمد البريني لجريدة «الأحداث المغربية» كل ما قاله الأخ اليوسفي للأخ البريني نفسه، هو أن لا يتسرع بإصدار جريدة في تلك الظروف. وللحقيقة فقد انتظر الأخ محمد البريني مدة عام كامل، ثم عقد العزم وأصدر جريدة «الأحداث المغربية» .
– بحكم مسؤوليتكم، كيف كانت علاقتك مع الأخ البريني؟
– ما عرفت في الأخ محمد البريني إلا المناضل النزيه الذي لا يعرف الدسائس والمراوغة، وكان صادقا في وعوده، باختصار هو مناضل مخلص ونزيه.. للأسف ارتكبت أخطاء في حقه وما كان ليستحق تلك المعاملة.
– بعد ذلك، كيف كان أول اجتماع للمكتب السياسي برئاسة الأخ اليوسفي ؟
– كان الاجتماع عاديا. وعقد بمنزلي بأكدال. نوقشت أوضاع الجريدة ومن يتولى إدارتها . شخصيا و للخروج من ذلك المأزق اقترحت الأخ اليوسفي مديرا للجريدة. البعض طلب عدم التسرع، وفي النهاية صادق المكتب السياسي على تولي الأخ الكاتب الأول مسؤولية الجريدة كذلك .
– بعد ذلك تفجرت قضية أخرى: وفاة الأخ محمد باهي رحمه لله ..؟
– كلنا على علم بظروف عمل طاقم الجريدة. والكثير منا يعلم بأن الأخ محمد باهي كان يعاني من نوبات انهيار عصبي وقضى بعض الأيام بالمستشفى. لذلك عبرت عن رأيي كون حالة الأخ محمد باهي النفسية لن تساعده على العمل داخل الجريدة. إلى أن وقع ما وقع وتوفي الأخ محمد باهي رحمه لله. بعد ذلك، اقترح الأخ اليوسفي والأخ عابد الجابري تكوين لجنة تحقيق في أسباب وفاة الأخ محمد باهي. شخصيا لم أكن مقتنعا بأمر تكوين تلك اللجنة ومع ذلك وافقت، وتشكلت من الإخوة محمد الحبابي، عبد الواحد الراضي وفتح لله ولعلو. ولم يأت تقرير هذه اللجنة بجديد.
– قلت كانت اجتماعات المكتب السياسي تدوم لساعات طوال، و في تلك الفترة بدأت مداولات الأعضاء تتسرب إلى الصحافة. كيف تصرف المكتب السياسي؟
– بالفعل بدأت عدة صحف تنشر «محاضر» اجتماعات المكتب السياسي .وفي أحد الاجتماعات وقبل الشروع في بداية نقط جدول الأعمال، تساءل الأخ عبد الرحمان اليوسفي عن العضو الذي يسرب تلك الأخبار للصحافة فأشرت أنني أعرف من هو…
– رغم الأوضاع الحزبية والجو السائد آنذاك، استطاع الحزب أن يخرج بموقف موحد من دستور 1996. كيف ؟
– لم تكن هناك معارضة قوية لدستور 1996.
– كيف استطعتم تدويب الخلافات كقيادة؟
– اجتمعنا بمنزل الأخ عبد الواحد الراضي، وقدم لنا الأخ عليوة شروحا حول مضمون مشروع الدستور، وبعد نقاش، صادق المكتب السياسي بالإجماع على التصويت بالإيجاب على ذلك المشروع .
– قيل وقتها أن موافقة الحزب كانت موفقة سياسية بالأساس؟
– بالفعل كانت موافقة سياسية ويعتقد العديد أنها هي التي مهدت فيما بعد لمرحلة التناوب.
– مرت الانتخابات التشريعية لسنة 1997، واحتل الاتحاد الاشتراكي المركز الأول متبوعا بالاتحاد الدستوري بفارق بضعة مقاعد وقدم مرشحين فائزين استقالتهما من البرلمان…ماذا وقع؟
– مباشرة بعد إعلان النتائج تلين لنا أنا السلطة زورت النتائج لصالح الأخوين محمد حفيظ ومحمد أديب رحمه لله .فقدم الأخ محمد حفيظ استقالته. أما بالنسبة للأخ محمد أديب رحمه لله، فقد استدعيته بتكليف من الأخ اليوسفي، إلى مقر الحزب بالرباط، وطلبت منه أن يقدم استقالته، فرفض القيام بذلك . بعد عدة أشهر فقط قدم استقالته من مجلس النواب.
– وما ترتيبات تشكيل الحكومة ؟
– أخبرني الأخ عبد الرحمان اليوسفي انه متوجه إلى القصر الملكي للقاء الملك الراحل، وطلب مني دعوة أعضاء المكتب السياسي لاجتماع عاجل. مباشرة بعد خروجه من القصر، التحق بالاجتماع الذي عقد في بيتي بحي الرياض. وقدم عرضا أشار فيه أن في أول اللقاء بادر الملك بالقول:من كان يتصور يوما أن يجلس أمامي رجل مقاوم وسياسي معارض. كما أخبرنا أن الملك لم يضع شروطا فيما يخص تشكيلة الحكومة .، وقد اقترح الأخ اليوسفي أن يتولى الأستاذ أحمد الخملشيي وزارة الأوقاف، لكن الملك، وبلباقة، تشبث بالسيد العلوي المدغري. تبع ذلك العرض نقاش عام حول الحكومة إلى ساعات متأخرة من الليل. بعد الاجتماع حاولت إقناع الأخ اليوسفي بالمبيت بالرباط إلا أنه اخبرني أنه على موعد في ذلك المساء مع الأخوين محمد الفقيه البصري وعابد الجابري بالدار البيضاء. وبدأت المشاورات حول تأليف الحكومة. الأمر الذي دفعني أن أعبر له عن موقف معارض من حيث شكل وطريقة مشاوراته.
– ما هو هذا الموقف؟
– قلت له بشكل مباشر، لا حق لك أن تشكل حكومة مع الأخ الحليمي وحده، هناك مكتب سياسي وهناك لجنة مركزية ، لابد من استشارتهما والأخذ برأيهما في الموضوع . شعرت حينها أنه انزعج من قولي هذا. بعد ذلك بدأ المكتب السياسي ينظر في المرشحين الاتحاديين للاستوزار، وبطلب من الأخ اليوسفي، تقدم كل عضو من أعضاء المكتب السياسي ياقتراحات، باستثناء الأخ نوبير الأموي الذي لم يقترح أي اسم.
– ما هي ردود الفعل التي ولتك بعد صدور لائحة الوزراء؟
– كانت هناك احتجاجات من البعض، وتم تجاوزها وظهرت « معارك» أخرى حول الدواوين…
– وبالنسبة للمفاوضات مع الأحزاب حول تشكيل الحكومة من كان يتولاها؟
– عبد الرحمان اليوسفي هو من تولى المشاورات مع الأحزاب. كنت أساعده في ترتيب مواعد لقاءاته مع بعض القيادات. فمثلا اتصلت بالمحجوب بن الصديق لتحديد موعد لقاء بينه وبين الأخ اليوسفي، رحب بن الصديق بذلك وسألني عن مكان اللقاء قلت له بجريدة الاتحاد الاشتراكي، قال لله، هل نسي السي عبد الرحمان منزلي. وبالفعل عقد اللقاء بين الرجلين بمنزل المحجوب بن صديق. أذكر كذلك أن الأخ اليوسفي عبر عن رغبته في لقاء القادري، وعرشان،عبرت له عن مخاوفي من أن لا يتصور المناضلون والمغاربة عموما لقاءه مع هؤلاء . لكنه اعتبر أن ذلك يدخل ضمن مهمته كوزير مكلف، سانده الأخ عبد الواحد الراضي الذي كان قد التحق بنا. طبعا لم أتصل بالقادري ولا بعرشان . كما التقى بالأستاذ عبد الله إبراهيم رحمه الله وبجميع قادة الأحزاب .
– يقال أن الأخ عبد الرحمان اليوسفي التقى 10 شخصيات وطنية بعد لقاءه الأول مع الملك؟
– بالفعل وكما ذكرت يوم لقاءه مع الملك وبعد اجتماع المكتب السياسي، اخبر كل من المرحوم محمد البصري وعابد الجابري بالدار البيضاء.واتصل كذلك بالأستاذ امحمد بوستة.
– راج أن بعض قيادات الحزب عقدت لقاء مع الأمير مولاي هشام؟
– اللقاء الأول كان قبل إعلان حكومة التناوب. فبدعوة من الأمير حضرت إلى جانب الأخ اليوسفي اجتماعا بمنزل الأخ رشيد بنعبد لله الذي كان صديقا للأمير عبد لله . تناول اللقاء عددا من المواضيع، وكان الحديث مطبوعا بالعموميات. لم يكن يدور في أذهاننا أبدا أن الملك الراحل سيكون مطلعا على كل ما دار في ذلك اللقاء. بعد ذلك استقبل الملك أحد الاتحاديين وبعث معه رسالة شفوية للأخ اليوسفي مضمونها انه (أي الملك) مستعد للاستماع للأخ اليوسفي في أي وقت وعليه أن لا يحشر العائلة من أمور البلاد. كانت الرسالة واضحة .
– انطباعك عن الأمير في هذا اللقاء؟
– حقيقة وجدته شابا في منتهى الذكاء،ذا تكوين تعليمي عال، متتبعا لأحوال المغرب، كما كان ملما بالسياسة الداخلية والخارجية. اللقاء الثاني، استدعينا، الأخ اليازغي وعبد ربه، لتناول العشاء بمنزل الأمير. في بداية اللقاء توجه بالكلام للأخ اليازغي وقال له كان عليك أن تتفرغ للحزب.
– ربما كان ذلك مطلبا جماعيا؟
– بالفعل لكن أن تأتي الملاحظة من شخصية بتلك الأوصاف التي ذكرتها، تصبح للملاحظة أهمية كبرى.
– تقييمك لتجربة حكومة الأخ اليوسفي؟
– بصفة عامة نجحت الحكومة في تحقيق الكثير خصوصا في الميدان الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وواجهتها كذلك عراقيل كثيرة من طرف عدة جهات من بينها عراقيل من صنع بعض الاتحاديين أنفسهم تجلت مثلا في عدم تنفيذ بعض القرارات …
– كيف تلقيت خبر وفاة الملك الحسن الثاني؟
– قبل تاريخ موت الملك كنت قد قدمت استقالتي من المكتب السياسي. لكن بلغني أن المكتب السياسي كان مجتمعا وعلم بوفاة الملك في حينه. مباشرة بعد الاجتماع توجه الأخ اليازغي لمستشفى ابن سيناء، فوجد إدريس البصري والمستشار ازولاي. استفسر وزير الداخلية الأخ اليازغي عن مصدر معرفته بالخبر .كان جواب اليازغي: بفضل المناضلين العاملين بالمستشفى.
– هل سبق للأخ اليوسفي أن تحدث معك حول علاقاته بالأمير قبل أن يصبح ملكا؟
– لا، أبدا.