1 – قبل أنْ أغمضَ عينيّ ثانيةً
لمْ يكنْ عليّ أن أُغمضَ عيْنيَّ
وألمسَ روائحَ الْقادمينَ من أبْوابٍ مُتفرقة
أنا الآنَ حائطٌ مُعمِّرٌ
بأصابعَ مُفكّكةٍ، وحنينٍ قديمٍ
أعرفُ أسماءَ النّساءِ منْ ضحْكاتِهنَّ
وَوَقْعِ أَساورِهنّ على الرّملِ
أذكرُ عشّاقَ جيفارا والنّقْشَبنْدي
وعددَ الشُّعيْراتِ البيضاءِ
في لحيةِ مارْسيلَ
والملاحِدةَ الذينَ لمْ يشْركوا باللهِ أحداً
أذكرُ كلَّ الزُّناةِ، والمارقينَ وتابِعيهمْ
والطّيباتِ، والطّيبينَ
وتابِعيهمْ منَ الأطْفالِ، والمتلَصِّصينَ
وباعةِ الورْدِ، والأمْشاطِ، وأقراصِ السَّعادةِ
أتحسّسُ ريحَهمْ وأصابعي المفكّكةَ
قبل أنْ أغمضَ عينيّ ثانيةً!
2 – تأويلُ ما حدثَ
لمْ يكنْ مكتئباً ، أو يائساً
لمْ يكنْ سيئَ المزاجِ هذا الصّباحَ
كلّ ما في الأمرِ
أنه أطلّ من وراء حجابٍ
فرأى شارعاً وحيداً
في آخرهِ عسَسٌ، وبردٌ يابسٌ
ورأى أناساً يحْجلونَ على الرّصيفِ
بِسيقانٍ من زجاجٍ
وعيونٍ من زجاجٍ
على أطرافهمْ كهوفٌ عميقةٌ
و على ألسنتهمْ
قليلٌ من الضوءِ، واللهاثِ
فعادَ إلى سهْوهِ
قبل أنْ تجرحَ الشّظايا
سحابتَهُ
وشبابيكَ الْبيوتِ!
3 – في مخابئِ اللسانِ !
كانتِ الأرضُ أضيقَ من جمْجمةٍ
خلفَ هذا البابِ يزهرُ النّاسُ، والضّوءُ
وأشجارُ اللوزِ، والمرضعاتُ
يتكاثرُ الرواةُ، والضباعُ المرقّطةُ
والطيورُ رماديةُ الْقلبِ، أيضاً
ويخْلدُ الْحزانَى، والمنْسيونَ
إلى قيلولتِهمْ، باسمينَ
خلفَ هذا البابِ أبوابٌ متفرّقةٌ
وأيامٌ سائلةٌ مثل شهْدٍ ساخنِ
لأفْتحنّ قميصي، وهذا الكهفَ، إذنْ
فالْفراشاتُ التي تجْرحُ الْحجارةَ
و الريحَ، باسْتدارتِها السّريعةِ
تعبرُ الآنَ أوعيةَ الدّمِ، والْغبارِ
مثل شهد ذائب
في مخابئِ اللسانِ !
4 – كم كنتُ كثيراً،
وهادئَ الْجريانِ!
حين أخْطأتْني الْمراثي
وأخْرجني الرّواةُ من فتحةٍ صغيرةٍ
في شرفةِ البيتِ
رأيتُ الكثيرَ من العرباتِ تحْملني
من شارعٍ إلى شارعٍ
ومن بلدٍ إلى بلدٍ
على يميني مشّاؤونَ بأعْطابٍ ملونةٍ
رعاةٌ يَكيلونَ السّبابَ للعواصفِ، والذّئابِ
ونسوةٌ، بألسنةٍ عجْماءَ
يجْمعْن ما تفرّقَ من لهاثِ الطّيرِ
في شهْقةٍ واحدةٍ
وخلفي جندٌ، وقنّاصونَ، ومهابيلُ
يجُسّون يقينَ المشاةِ إلى آخرِ الملْحِ
في سعالِ الغرّقى
يا اللهُ
كم كنتُ كثيراً
وهادئَ الْجريانِ!