كنت نائما عندما وقع كل ما أخبرتك – صدقني- …
20 يونيو 1981 سنذكر هذا اليوم للأبد ، جاء رجال كما قلت لك لو كنت تسمع وتفهم ، جاؤوا في الساعة المتأخرة ذاتها واقتادوا الجميع إلى الكوميسارية الواقعة قرب ‘السنطرال بارك’ ، هناك انهالوا عليهم بالسباب والأسئلة والشتائم والاتهامات. ماذا ؟ تسألني هل كنت هناك ؟ لا ! لا ..! لم أكن معهم الله يحفظني ، ها! من أخبرني إذن ؟ و لكن هذا ما يفعلونه عادة ، لا وجود لمن ينكر هذا يا رجل صدقني ثم أنني سأخبرك بالمهم فقط و لك أن تخمن البقية .
متأكد كذلك أنهم لم يميزوا بين الرجال والنساء أو الشيوخ . الضرب والصفع لغتهم الدارجة ، ثم -أؤكد لك- أنهم أغلقوا عليهم الأبواب بعد الحصة المألوفة وتركوهم للظلام والجوع والبرد والوساوس .ليس هناك محام واحد سيكلف نفسه هم الدفاع عنا ، ماذا ؟ تسألني لماذا أحشر نفسي معهم كل مرة ؟ لأنني أنتمي إلى هذا المكان إلى هذه الطبقة وإلى هذا القهر التاريخي الذي يحتكرنا ونعتبره ملكيتنا الخاصة ، هو لنا وحدنا منذ أجيال ولنا الشرف ، أؤكد لك نحن لا نستحق جهدهم هكذا سيفكر المحامون عندما تعرض عليهم مثل هذه القضايا ، ثم أننا لا نملك المال لندفع لهم على أية حال .
إيييه! تعرف أن الأحوال تغيرت منذ تلك الأيام وأن العيش صار صعبا ، افتح عينيك ترى عجبا . بإمكاني أن أحكي لك العديد من الأخبار المرعبة عن أناس مثلي ومثلك اضطرتهم الظروف إلى اقتراف أعمال يعجز حتى الشيطان عن التفكير في فعلها ، مثل ماذا ؟ هل سألتني مثل ماذا ؟ الموضوع يطول شرحه و تفصيله أو إعطاء أمثلة كافية عنه ، نساء بعن أنفسهن أو أبناءهن بأبخس الأثمان ورجال ارتكبوا جرائم بشعة بشعة مقابل دريهمات قليلة ، قد لا تصدق بعض هذه القصص ولكن بإمكانك الخروج من هذا المقهى الحقير إلى ذلك الشارع وهناك سترى عجبا. نعم نعم ، حتى الجرائد تكتب يوميا عن مثل هذه الأشياء، ولكنني لا أصدق أخبارها.جلها لا تطبع إلا بعد الموافقة على مواضيعها حتى أنه قد يتم تعديل بعض التفاصيل، ماذا ؟ لم أسمعك جيدا ، هل سألتني كيف أعرف هذه الأمور ؟ هي أشياء نعلمها جميعا ولكننا لا نستطيع تقديم دليل واحد عليها، وفي هذه الحالات يصبح غياب الدليل بهذه الطريقة النظيفة جدا محل شك هذه فقط بعض الأمور ولك أن تخمن البقية …
تقول أنني أقص عليك أي كلام ، ياك ؟ لا ..؟ و لكن هذا ما التقطه سمعي الحاد ، لا تظن أنني أصم لا يسمع ، نعم ؟ لماذا أسألك إذن كل مرة ؟ فقط لأتأكد من أنني ألتقط ما تقصد قوله .ألا ترى أننا غالبا ما نضيع أنصاف أعمارنا في التفكير في أجوبة لأسئلة خلقها لنا سوء فهمنا للأسئلة لا غير …
أنا أيضا ناقم على هذا الوضع ، أتمنى أن تصير الامور أحسن . ماذا ؟ هل أملك مقترحات ؟ هل أنت أعمى ؟ لا تدفعني للسخرية منك أو لإيقاف هذه المحادثة ، لست سياسيا كذابا لأرسم لك صورة وردية أو لأحدثك بالأوهام ، أنا مجرد كائن بسيط من ورق ، صنعه خيال مخبول ليخبرك أنه بحاجة إلى أن تسمع ما تقوله كلماته فهكذا هم الكتاب ، يقولون كلاما كبيرا ثم يتنصلون منه قبل أن يرتد إليك طرفك …
لماذا كل هذا السواد في كلامي ؟ ما هذا السؤال يارجل ؟ لست حاقدا إلا بالقدر الذي يتيح لي التنفيس عن مكنونات تثير الحنق فعلا، ثم انني أخبرتك ببعضها ولك أن تخمن ما تريد بعد هذا ، لا تريد التخمين ؟ هل صادروا الحق في التخمين واللغو أيضا ؟ لا أظن أن هذا بإمكانهم عمليا، لكن لك دائما أن ترفض … لا أعرف لماذا أتحدث إليك أصلا وأنت تشبه انعكاس صورتي في مرآة متسخة ، هل أنت مجرد انعكاس في مرآة ؟هل أنا مجنون لأحدث انعكاسي على مرآة بهذه الجدية ؟
– ….
-هل أنا مجنون ؟
-ربما …
-من رد علي؟
-هو ….
-وهل كنت هناك لتشهد على أحدنا بالجنون ؟ أو بغيره ؟ كل ما في الأمر قلته لك وأعيده إن شئت بنفس الدقة دون ملل ، كنت نائما عندما وقع كل ما أخبرتك به -صدقني- جاء إلي هناك وطفق يسألني أسئلة لا طعم لها …ماذا ؟ ليس هذا ما قلته في البداية ؟ لا أذكر ولا يهمني أعرف أنك لا تنصت حتى ….
ملحوظة : هذه الأسطر أسقطها السارد متعمدا بعيدا عن النص لكنني أعيدها بأمانة السارد : «في نهاية المحادثة علق أحدهما تعليقا مقتضبا أخاله كان»يا لهذا الثرثار البغيض ، لم يترك نقطة أمل إلا وأتى عليها ، عليه وعلى أمثاله اللعنات .» وفي نفس الوقت تمتم الآخر «هاد الشي اللي بغيتي تسمع ،إيوا سير قولها ليهم ، أعرف مهمتك» ..
أما أنا فلم أتمتم شيئا ولم أعلق على ما دار بينكم جميعا من ظنون ، بل لم أخمن شيئا حتى ، اكتفيت بارتشاف فنجان قهوتي لأنه كان كل ما استطاعت أصابعي الوصول إليه ، حتى لا أترك لها الفراغ فتشتغل بأشياء أخرى وانتظرت كالعادة، لعل «غودو» يحمل لنا جميعا تفسيرا مقنعا لهذا العبث…